ما هي جزاء الافتتاح في تطبيق الجرم طبقاً لأحكام الفقه والقانون؟
تمهيد:
تحديد مقياس البداية في الأخذ متجر لعدم تشابه في المقترح، وقد جرى الفقه على فرز وجهات النظر وردها إلى مذهبين: المذهب الموضوعي والمذهب الشخصي؛ ويتعين حتى الآن دراسة جميع من هذين المذهبين تحديد ظرف القضاء منهما.
المذهب الموضوعي:
قدمنا أن أنصار ذاك المذهب يفتقرون للبدء في تطبيق الجرم أفعالاً خطرة في نفسها، ولكنهم لم يتفقوا على بلوَرة موحدة لمعيار يعرب عن إتجاه نظرهم: فذهب منظور حتّى الافتتاح في الإتخاذ هو البداية في ارتكاب الإجراء الذي يقوم أعلاه الركن الجوهري للجريمة. وتأدية ذاك الإقتراح يلزم تحديد الإجراء الذي ينص فوق منه التشريع في تعريفه جناية محددة والتأكد من أن الجاني قد إنخرط في ارتكاب ذاك التصرف. ويجيء ذاك الإقتراح بضابط لين التطبيق، حيث لا يفتقر غير العودة إلى موضوع الدستور وتعيين التصرف الذي يجرمه والوقوف على حقيقة بداية الجاني فيه، فالشروع في القتل لا يهُمُّ سوى إذا بدأ الجاني في تصرف الاعتداء على الحياة، والشروع في الإستيلاء لا حانوت له سوى إذا بدأ الجاني في بلوغ إجراء الاختلاس. ويعيب ذاك المقترح إسرافه في التضييق من مدى الشروع إلى الحد الذي يهدر منفعة المجتمع، فالتسور أو الكسر من الخارج لا يهُمُّ بهما البداية في تطبيق الإستيلاء على الرغم الأمر الذي ينطويان فوق منه من عدم أمان يتوعد ثروة من وقع في حقه الجرم. وسعى منظور تجنب ذاك الإنتقاد فقال أن الطليعة في الإتخاذ يشتمل على – فضلا على ذلك الطليعة في الإجراء الذي يقوم فوقه الركن الجوهري للجريمة – كل تصرف يحتسب ظرفاً مشدداً لها، وعلى ذاك النحو يحتسب التسور أو الكسر من الخارج بدءاً في تأدية الإستيلاء باعتبارهما ظرفين مشددين لها. ويعيب ذاك الإفتراض أنه لم يصلح من خلل ونقائص الإفتراض الأكبر سوى على صوب جزئي: فبعض الجرائم ليست لها أحوال مشددة كالنصب، وقليل من الأوضاع المشددة لا يظن تنفيذ ذاك الإقتراح فوق منها كـ “الليل” أو “تعدد المجرمين” فيما يتعلق للسرقة؛ وغني عن الخطاب أن المنطق الشرعي لا يقبل القول – استناداً لذا الإفتراض – بأن التصرف الذي يعتبر عملاً تحضيرياً للسرقة إذا ارتكب أثناء النهارً يصير بدءاً في أداؤها إن ارتكب بالليلً. وذهب وجهة نظر إلى توضيح مفهوم الطليعة في الأخذ بأنه التصرف الظاهر الإشارة على النية الإجرامية، فهو لا يحتمل غير مغزى واحدة، هي الإشارة على الوجهة إلى جناية محددة، وبالتالي لا يشبه عن الشغل التحضيري الذي يحتمل التأويل على وجوه مغايرة. ويعيب ذاك المقترح ارتكانه على مرجعية غير سليم، حيث من القليل الوجود أن تكون للفعل مغزى واحدة، فتسور الملاذ قد يشير إلى اتجاه إلى الإستيلاء وقد يشير إلى اتجاه إلى التعطيل، ووضع اليد في ملابس امرأة قد يشير إلى اتجاه إلى الإستيلاء وقد يشير إلى اتجاه إلى المساس بعوارت بدنها، ويعني ذاك أنه من العصيب طبقاً لذلك المقترح اعتبار أي إجراء بدءاً في تأدية جناية محددة.
المذهب الشخصي:
قدمنا أن أنصار ذاك المذهب يكتفون بأفعال غير خطرة في نفسها ما دام كانت معبرة على صوب ملحوظ عن خطورة فرد الجاني وتقريره؛ فقيمة الإجراء يملكون أنه بحت زوجة، وقد تعددت الصيغ التي حاولوا بها تحديد سعره تلك، وليس بينها اختلاف مادي بمثابها تتفق في تحديد منشأ عدم الأمان وأداة إثباته، وإنما تتفاضل بينما بينها من إذ كمية وضوحها. فيذهب القلائل إلى بلوَرة ذاك المقياس بالقول أن الافتتاح في الإنتهاج هو “الجهد الذي يبرهن أن نية إجرامية ختامية” أو هو “الجهد الذي يكون بعد وقت قريبً من الجناية بحيث من الممكن أن يذكر أن الجاني قد أغلق باب العودة عنها واضطلع بمخاطرها” أو هو “التصرف الذي يدخل به الجاني في فترة الجهد على تطبيق الجناية بحيث يمكن القول بأنه قد أحرق سفنه وخطا صوب الجرم خطوته الحاسمة واخترق بذاك ميدان حقوق غيره” أو هو “الجهد الذي ينشر عن قرر إجرامي لا رجعة فيه، ويكون عما قريبً من الجناية لا يفصله عنها سوى خطوة سهله لو ترك الجاني وشأنه لخطاها”. إلا أن فسر الصيغ وأكثرها تأييداً في الفقه والقانون هي ما تعرف الافتتاح في الإتخاذ بأنه: “الجهد الذي يؤدي الآنً ومباشرة إلى الجرم”.
مذهب القضاء المصري:
يأخذ القضاء المصري بالمذهب الشخصي فيقرر أنه: “لا يشترط لتلبية وإنجاز الشروع أن يبدأ الفاعل بتأدية قسم من الممارسات المالية المكونة للركن الجوهري للجريمة، لكن يكفي لاعتبار أنه إبتدأ ارتكاب الجرم أن يبدأ بتطبيق إجراء ما أسبق على الفور على تطبيق الركن الجوهري ومؤد إليه حتماً”. وبعبارة أخرى: “يكفي أن يكون التصرف الذي باشره الجاني هو الخطوة الأولى في طريق ارتكاب الجرم وأن يكون بذاته مؤدياً هذه اللحظةً وبواسطة مباشر إلى ارتكابها، طالما غرض الجاني من على الفور ذلك الإجراء معلوماً وثابتاً”. وتشتمل تلك الفقرة رفضاً صريحاً للمذهب الموضوعي وتأييداً للمذهب الشخصي وتسليماً بالضابط الذي يقول به قليل من الفقهاء الذين يناصرون ذلك المذهب. والغالب من تطبيقات القضاء لذا المذهب مرتبط بانطلاق الإستيلاء، حيث اعتبرت الأعمال الآتية من قبيل الافتتاح في تأديته تلك الجناية: الدخول في موضع الإستيلاء، أو تجربة ذاك، وكسره من الخارج، وتسوره، أو تسور بيت ملاصق له، واستعمال مفاتيح مصطنعة للدخول فيه، والوصول إلى أعمال الإجبار بغاية الإستيلاء، وإدخال المدعى عليه يده في جيب الضحية، ومحاولة إفراغ البنزين الراهن في عربة الضحية، وفك الصواميل المربوط بها الموتور لسرقته. وقد طبق القضاء ذلك الضابط على الشروع في جرائم أخرى كالاستيلاء بغير حق على ملكية البلد، وتزييف المسكوكات والقتل والوقاع وهتك العرض والحريق وابتزاز الثروة بالوعيد والنصب.
المقارنة بين المذهبين الموضوعي والشخصي:
للمذهب الموضوعي أفضلية جوهرية، هي الوضوح وسهولة التطبيق، حيث يستند على ضوابط معينة لا تترك مجالاً كبيراً للسلطة التقديرية للقاضي. إلا أن الإنتقاد الضروري الذي وجه إليه أنه يضيق من إشارة البداية في الأخذ ويرحل عن مجال العقوبة أفعالاً تقتضي الهيئة العامة أن يوقع العقوبة من أجلها. أما المذهب الشخصي فيتوسع في مغزى الطليعة في الإنتهاج ويحافظ على بهذا منفعة المجتمع، غير أنه معيب من إذ توثِيقه على صيغ ينقصها التحديد، وتتطلب الركون إلى السلطة التقديرية للقاضي. وتفترض قدراً غير لين من اختلاف الإجابات.
ذلك هو الإقتراح السائد في الحكم على المذهبين، ويميل الفقه في دولة الجمهورية الفرنسية ومصر إلى ترجيح المذهب الشخصي بينما يميل الفقه الألماني إلى ترجيح المذهب الموضوعي، أما القضاء في تلك البلاد معاً فيؤيد المذهب الشخصي. غير أن للمذهب الموضوعي أفضلية قلما تذكر له، هي أنه أكثر اتساقاً مع المبادئ الشرعية الضرورية، حيث أنه يحتاج في الإجراء من المحددات والقواعد ما تتحقق به صفته غير المشروعة ويؤديه الركن التشريعي للجريمة، وهو ركن لم يغفل الشارع عن تطلبه في حالات الشروع، حيث لا يعتقد أن ينسب إلى الشارع اعترافه بالمسئولية الجنائية إذ لا يكون التصرف المرتكب ضد القانون. ومنشأ الملمح غير المشروعة هي مقالات التحريم، ولذلك يتعين أن يكون التصرف المرتكب ذا رابطة بأحد تلك المقالات حتى يسوغ القول بأنه استمد منها تلك الطابَع، ويستتبع ذاك حتماً أن يشترط في الإجراء من المحددات والقواعد ما تقوم به تلك العلاقة. وعلى ذلك النحو، يظهر لنا أن المذهب الشخصي لا يستند إلى أساس صحيح من الدستور، حيث يفترض أن الدستور يجرم الإرادة في نفسها ويحتسب تكلفة التصرف مقتصرة على كونه دليلاً على وجود تلك الإرادة، وليس ذلك صواباً، حيث التشريع الحوار لا يجرم إرادة مجردة، والصفة غير المشروعة يسبغها في الأساسً على الإجراء بمثابته أصل ضرر أو خطور على المجتمع. نظن فضلا على ذلك هذا أن الضوابط التي يقول بها معظم أنصار المذهب الشخصي ليست متفقة مع الفكرة اللازمة فيه، لكن هي في حقيقتها أكثر قربا إلى المذهب الموضوعي: ومثال على ذلك نشير إلى الضابط الذي يسير إلى دعمه الفقه والقضاء ويحدد البداية في الإتخاذ بأنه “التصرف الذي يؤدي هذه اللحظةً ومباشرة إلى الجناية”، حيث يحتاج ذاك الضابط في التصرف شروطاً تصون قربه من الركن الجوهري للجريمة واتصاله به في صورة في الحال، إلا أن منطق المذهب الشخصي يأبى أن تشترط في الإجراء محددات وقواعد ويرى الكفاية في دلالته على الإرادة الإجرامية، وتلك المغزى يستحيل تحديدها على صوب محض، وصياغتها في ضابط يصلح للتطبيق على كل ما يعرض من حالات، إلا أن من المتعين أن يدع تحديدها إلى قاضي الأمر الذي يمكنه دراسة الأوضاع التي عاصرت ارتكاب التصرف والاستعانة بها على تحديد ثروته من مغزى. وعلى ذلك النحو نشاهد أن نسبة تأييد المذهب الشخصي إلى الفقه والقضاء هو قول تعوزه الدقة. ولتوضيح الفكرة اللازمة التي يقوم فوقها المذهب الشخصي نقرر أن الضابط الذي يعبر عنها تعبيراً صحيحاً هو الضابط الذي صرح به “سالي – Saleilles” متى ما عرف الافتتاح في الإنتهاج بأنه: “الجهد الذي يدل سبب نية إجرامية ختامية”. ومعروف أن ذاك الضابط لا يفتقر في ذات الإجراء شروطاً، وإنما يكتفي بدلالته على النية الإجرامية؛ وتأخذ المحكمة العليا الألمانية بضابط تعرف به البداية في الإنتهاج بأنه: “التصرف الذي يشاهد الجاني طبقاً لخطته الإجرامية أنه ابتزاز مباشر للحق الذي يحافظ عليه الدستور، ويرى تبعاً لهذا أنه طليعة تسلسل سببي يتولى قيادة إلى الاعتداء على ذاك الحق”. ومعلوم أيضا أن ذلك الضابط لا يفتقر في التصرف شروطاً ذاتية، وإنما يجعل القدوة بخطة الجاني وتقديره، وقد يبعدان عن الحقيقة بعداً كبيراً، وفي رأينا أن هذين الضابطين يعبران عن الفكرة اللازمة التي يقوم فوقها ذاك المذهب. وإذا سلمنا بأن المذهب الشخصي لا يفتقر في التصرف الذي يحتسب “بدءاً في الإنتهاج” شروطاً ذاتية فإن هذا يكشف عن نقص وخلل لازم فيه، هذا انه لا يقطن التمييز بين الشغل التحضيري والبدء في الإتخاذ على دشن مقبولة، حيث أن كل عمل تحضيري مهما عقب عن الجناية يحتسب بدءاً في أداؤها إذا صرح عن النية الإجرامية وإن كانت تلك المغزى غير مستخلصة منه نفسه، وإنما استخلصت من الأوضاع التي اقترنت به، وفي هذا اتساع في العقوبة لا تبرره منفعة المجتمع، لأنه حظر لأفعال لا ينشأ عنها ابتزاز للحق الذي يحافظ عليه التشريع، ولا من الممكن أن توصف بأنها ضد القانون، وهو إضافة إلى هذا منع لنية إجرامية مجردة استخلصت من خلال عدد من الحيثيات كان التصرف إحداها. ونحن عقب هذا نتخيل أن الإنتقاد الذي وجه إلى المذهب الموضوعي من أنه يهدر هيئة المجتمع بتضييقه من مدى العقوبة هو إنتقاد موجه إلى الضوابط التي أفاد بها عدد محدود من أنصاره، والدليل على ذاك أن فريقاً من أنصار ذاك المذهب في الفقه الألماني يقولون بضوابط لا يصدق فوق منها ذاك الإنتقاد. ونحن نشاهد أن البحث عن مقياس “للبدء في الأخذ” يلزم أن يكون على مرجعية من دافع العقوبة على الشروع، تلك المبرر مثلما قدمنا هي تأمين الحق من عدم الأمان الذي يهدده، وبالتالي كانت وجهة نظر “الخطور” هي الطريقة إلى تحديد التصرف الذي يجرمه التشريع بالعقاب على الشروع. وليس من الصواب القول بأن “عدم الأمان” يقبع في النية الإجرامية وحدها، حيث تعاصر تلك النية المجهود التحضيري، لكن قد تبقى قبل هذا، ولم يقل واحد من بأن هنالك محلاً للتجريم والعقاب على عدم الأمان الكامن فيها، وإنما يلزم لقيام الشروع أن يكمن المخاطرة في الإجراء ايضاً، فيوجد ما يقوم بتبرير إسباغ الطابَع غير المشروعة فوق منه. وعلى ذلك النحو يمكننا توضيح مفهوم البداية في الإتخاذ بأنه: “كل إجراء يتوعد بالخطر بالفعلًَ يحافظ عليه الدستور بالعقاب”، أما المجهود التحضيري فهو: “الإجراء الذي لا يأتي ذلك عنه مخاطرة يتوعد الحق”. ونرى أن مقياس الخطور هو وجهة نظر “القدرات الموضوعية” التي تقوم فوق منها نظرية السببية الموائم( 1 ): فإن كان الإجراء مصحوباً بالعوامل العادية المألوفة التي عاصرت لحظة ارتكابه تكمن فيه تلك القدرات، فكان من حاله إحراز النتيجة الإجرامية فهو منشأ عدم أمان على الحق، وبذلك هو بداية في تأدية الجناية. ولا ينبغي ذلك الضابط أن يكون التصرف جزءاً من الركن الجوهري للجريمة أو ظرفاً مشدداً لها، خسر يكون خارجاً عن نطاقها، ومع ذاك فإن السير البسيط لتطور آثاره أن تفضي إلى حدوث النتيجة الإجرامية.
ولابد من الاعتراف للقاضي بسلطة تقديرية لتحديد الخطور الكامن في التصرف: فعليه أن يحدد الأحوال التي أحاطت به، ويضيف إلى الإجراء آثاره، ويتبين القوانين الطبيعية التي يحركها ذلك المجموع، ويرى ما لو أنه السير البسيط لآثارها أن تتم النتيجة( 2 ). وللاستعانة بفكرة “القدرات الموضوعية” لتحديد مدلول البدي في الإتخاذ ما يبررها، خسر رأينا أن تلك الفكرة تحدد نصيب التصرف من الطابَع غير المشروعة فيما يتعلق لجريمة محددة، ونحن متى ما نحدد مدلول “الطليعة في الإنتهاج” إنما نهدف إلى تحديد الإجراء الذي يوصف بأنه ضد القانون فيما يتعلق إلى الشروع في جرم محددة.
سلطة القضاء في التأكد من توافر ذاك الركن:
تحديد ما تم إصداره من المدعى عليه من إجراءات وما عاصرها من أحوال يدخل في سلطة قاضي الأمر ولا إشراف لمحكمة النقض فوق منه في ذاك، حيث أنه بحث في وقائع الدعوى، غير أن تكييف تلك الممارسات بأنها بداية في تأدية جرم محددة أو بحت عمل تحضيري لها هو فصل في موضوع تشريعية يخضع قاضي المسألة فيها لرقابة محكمة النقض: هذا أن ذاك التكييف هو تكييف شرعي؛ ثم هو شرح لتعبير “الطليعة في الأخذ” الذي ورد في مقال الدستور، وهو في التتمة فصل في توافر ركن يقوم أعلاه المنع والعقاب. وتلك المراقبة تسمح لمحكمة النقض أن تلزم قاضي الأمر بمعيار محدد للبدء في الإتخاذ، حيث أن رقابتها على التكييف الذي يقرره قاضي الأمر إنما تكون بالرجوع إلى مقياس محدد تقدر استناداً له ما لو أنه ذلك التكييف صحيحاً أم خطأ.
أحدث التعليقات