بسم الله الرحمن الرحيم
{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً } .
يعتبر البعض ظاهرة النزاع في الحياة الزوجية ظاهرة خطيرة تهدد الأسرة وتقود سفينة الزواج إلى الإرتطام بالصخور ، والغرق لا محالة .
إن الحب المتبادل بين الزوجين هو الأساس في ديمومة الحياة المشتركة واستمرارها ، وهذا لا يعني أنه قادر على تذويب الإختلافات ، فالناس مختلفون ، هكذا خلقهم الله ، ولا يمكن لهذا الرباط المقدّس أن يلغي أو يوحّد الأمزجة المختلفة . وفي هذه الحالة لا بد من حدوث الإصطدام بين الزوجين . والمهم في كل ذلك أن يشعر الزوجان بحاجتهما إلى الحياة المشتركة معاً ، وأنهما يفضلا استمرارها .
أما تلك المعارك الصغيرة التي تنشب بين فترة وأخرى فهي ملح الحياة كما يقولون ، ولا بد للزوجين بعدها من تقديم التنازلات ، ومن ثم اللقاء ولو في منتصف الطريق .
القسم الأول
الفصل الأول
مدخل :
تمثل بعض الموضوعات في هذا الفصل بحوثاً في مجال الأسرة والشباب أعدّت في الواقع تلبية لرغبات بعض المستمعين الأعزاء . أدعوه تعالى أن يعمّم فائدتها .
الحياة ليست قصة مترعة بالألم والعذاب كما يراها بعض المتشائمين ، وهي ليست حكاية جميلة تطفح بالسعادة كما قد يتصورها بعض البسطاء .
الحياة يمكن أن تؤتي ثمارها المنشودة إذا ما نهضت على أساس من العقيدة والمبادئ ينطلق منها الإنسان لتحقيق الأهداف الكبرى التي آمن بها ، وعندها سيشعر بقدر من السعادة .
المتشائمون ينظرون إلى الحياة فيرونها حسب تصوراتهم مختلّة الموازين منعدمة الاتزان ، وعندما يجدون أنفسهم عاجزين عن تعديل مسارها فإنهم يشعرون بالمرارة واليأس .
الحياة في ساحة العمل :
كثيراً ما نشاهد أفراداً يلجون مسرح الحياة وفي أذهانهم رؤى وأحلام . . ولكن وبعد أن يكتشفوا أن الحياة تزخر بالألم والعذاب والصراع إذا بهم يتنحّون جانباً وينزوون بعيداً .
إن وجود نفوس حائرة ضائعة في مسرح الحياة تعيش هاجس التشاؤم والألم ووجود نفوس تسلك طرقاً مذلة من أجل تحقيق بعض المتع الرخيصة
مالئين حياتهم وحياة الآخرين مرارة وألماً . . إن كل ذلك إنما ينجم عن غياب الرؤية الواضحة والإدراك العميق لمسألة الحياة .
ينحصر هَمّ الكثيرين في البحث عن مظاهر الحياة لا عن معانيها وسبر أغوارها فلا يتعدى اهتمامهم دائرة الخبز والجنس ومظاهر الحياة الفارغة باذلين أقصى طاقاتهم في تحقيق ما تصبو إليه نفوسهم غافلين عن مسائل الحياة الحساسة والمهمة ، فهم يرون سعادتهم في الضجيج والغناء لا في العمل وأداء الواجب .
ومن الطبيعي أن نرى هؤلاء ، وعندما تعترضهم أمواج الحياة وتحول بينهم وبين تحقيق رغباتهم ، نراهم يذرفون الدموع لاعنين الأرض والسماء لا لشيء إلا لأن الحياة قد حرمتهم من تحقيق بعض اللذائذ .
النزاع في الحياة الزوجية :
من المسائل التي تؤدي إلى نشوب النزاع في الحياة الزوجية ، خاصة لدى الشباب هي الإختلاف في الرؤى والنظرة إلى الحياة ، وهذه المسألة لا تتوقف عند الشباب بل إنها تنسحب أيضاً لتشمل أعماراً أكبر .
يخوض الشباب مع الفتاة تجربة الزواج المثيرة ولدى كل منهما رؤاه وأحلامه وآماله العريضة ، وعادة ما يغطّي الخيال مساحة واسعة من معلومات كل منهما عن الطرف الآخر . وعلى هذا الأساس يبدآن ببناء حياتهما المستقبلية في جهل بإمكاناتهما وقدرات كلٍّ منهما .
ولكن ، بعد أن يقضيا شهرين أو عامين في هدوء تبدأ مرحلة من الحساب والتقييم ومراجعة الأمور ، حيث تبدّد الشمس ضباب الخيال والأوهام ، وعندها تترسب في الأعماق تراكمات السلوك ، ويسعى خلالها كل طرف التغاضي عنها والسكوت عليها ؛ وفي لحظة اشتعال الشرارة ينفجر الموقف وتظهر إلى السطح جميع العقد الدفينة ، ويبدأ فصل من النزاع والمواجهة .
وتؤكد البحوث بأن النزاع قد ينشب في بدايته حول بعض التفاصيل
التافهة ثم سرعان ما يتصاعد ليهدد البناء الأسري برمّته ، فمن كلمة جارحة إلى العراك والضرب ، إلى التفكير الجدّي بالطلاق والإنفصال النهائي .
بواعث النزاع :
للبحث في السبب أو الأسباب التي تكمن وراء النزاع بين الزوجين ، يمكن الإشارة إلى ما يلي :
ـ المفاهيم الخاطئة عن الحياة ، خاصة حياة الأسرة .
ـ جهل الطرفين ببعضهما قبيل خوض تجربة الزواج .
ـ عدم تفهم كل طرف لتقاليد وعادات وسلوك الطرف الآخر .
ـ سعي أحد الطرفين لإثبات قدرته وسيطرته على الطرف الآخر .
ـ إفراغ شحنات الغضب الناجمة عن عوامل خارجية في محيط الأسرة .
ـ غياب العقل والانقياد إلى العواطف .
ـ انعدام أو محدودية القابلية على تحمل الآلام والحرمان .
ـ إطلاق الأحكام جزافاً دون روية وتعقل .
ـ الندم على الزواج والشعور بالغبن .
ـ الحسد وإساءة الظن بالطرف الآخر .
ـ غياب روح التسامح والإيثار .
ـ التعلق بشخص آخر على أمل أن يكون زوجاً بديلاً .
ـ وأخير انعدام التوافق الروحي بين الطرفين ، الذي يبقى بحد ذاته ، العامل المهم وراء تدهور الحياة الزوجية وانحطاط الأسرة .
النزاع لدى من ؟
إضافة إلى ما ذكرنا آنفاً ، هناك أسباب وعلل تدفع إلى النزاع ، ولكن السؤال هو لدى من يشتد الميل إلى المنازعة ، والجواب :
ـ لدى الأشخاص الذين لا يتمتعون ، وبسبب صغر أعمارهم ، بالتجربة الكافية .
ـ لدى أولئك الذين يعانون من الشعور بالحقارة والنقص .
ـ لدى الذين يدلّون بثروتهم أو منصبهم أو أقاربهم .
ـ لدى أولئك الذين لا يمكنهم ، وبسبب نقص في تربيتهم ، من السيطرة على أنفسهم .
ـ لدى بعض الذين يظنون أن بإمكانهم تحقيق جميع ما تصبو إليه أنفسهم .
ـ لدى الذين يعتبرون أزواجهم رقيقاً يمكنهم توجيههم أينما يريدون .
ـ لدى الأثرياء من الذين يرون الحياة في إطار الرفاه والثراء .
ـ لدى الذي يتمتعون بالمراكز الإجتماعية ممن ينظرون إلى الناس على أنهم عبيد وأرقّاء لهم .
ـ وأخيراً ؛ لدى أولئك الذين يعيشون مرحلة الطفولة بالرغم من بلوغهم سنّ الثلاثين أو الأربعين ، ويتوقعون من الآخرين أن يعاملوهم بالدلال .
نتائج النزاع :
ينتهي النزاع إلى إحدى نتيجتين لا ثالث لهما إيجابية أو سلبية . وإيجابية النتيجة بمعنى أن الطرف وبسبب أعماله الناجمة عن الغضب والعنف قد تمكن من حسم النزاع لصالحه ، حيث يتمكن من دفع زوجه إلى الاستسلام خوفاً .
والسؤال هنا : أية قيمة لهذه الحياة التي يسودها الخوف ؟ إن تحويل المنزل إلى غابة وسيادة قانون الأقوى لا يبعث على الإفتخار ، وإن تحكيم قانون الأقوى وتسخير جميع الحيوانات في الغابة لا يمكن أن يكون باعثاً على الإعتزاز .
وقد لا يؤدي إلى نتيجة إيجابية أي لا ينتهي لصالح أحد الطرفين ، بل ينتهي بهزيمة الطرفين معاً . . . صراع مستمر ، عراك دائم ؛ ضرب ؛ وبالتالي ؛ يتصاعد دخان النزاع ليحرق عيون الجميع خاصة الأطفال الأبرياء الذين يجدون أنفسهم في مهب العاصفة الهوجاء التي سوف تقذفهم بعيداً في عالم الضياع والإنحراف .
أساس الحياة المشتركة :
تحتاج الحياة الزوجية المشتركة إلى مراعاة مجموعة من القواعد والضوابط التي لا يمكن بدونها الإستمرار في تلك الحياة ، ذلك أن الحياة الزوجية إنما تقوم على المودّة والحب لكي يمكن العيش في ظلال من الطمأنينة والسلام يمكن خلالها طي الطريق والوصول إلى الكمال المنشود .
فالحياة المشتركة الخالية من آثار الحب والتضحية والتسامح تافهة لا معنى لها ، والحياة بدون المودّة والإحترام المتبادل حياة مذلّة لا قيمة لها بل لا يمكن أن نسميها حياة .
إن ما يبعث على الأسف أن يجعل الزوجان من البيت جبهة للقتال أو معسكراً حربياً أو سجناً رهيباً تطغى فيه صرخات الغضب والكراهية على رفرفات السلام ؛ فالزوجان اللذان يخفقان في النفوذ إلى روح كل منهما لا يمكنهما أبداً تحقيق جو عائلي آمن وحياة مشتركة هادئة ؛ ولذا فإن الإسلام قد عيّن حقوقاً وضوابط في الحياة الزوجية ودعا الرجل والمرأة إلى الإلتزام بها وأن يخطو كل منهما ضمن المسافة المحددة له في مسار من شأنه أن يجنّب الطرفين احتمالات التصادم ونشوب النزاع .
الزواج والواجب :
من خصائص عقيدتنا الإسلامية ذلك التأكيد العميق على الزواج ، وعلى هذا فلا يمكن للرجل والمرأة على حد سواء الإستمرار حياة العزوبية مهما حاولا ذلك ، والطريق الوحيد في الإستمرار في الحياة هو في الإحترام المتبادل بين الطرفين لا في الإذلال والاستخفاف . وهذه المسألة ضرورية من ناحيتين : الأولى قداسة الزواج كرباط الهي ، الثانية : تحمل مسؤولية تربية وتوجيه الأبناء .
إن الحصول على الولد وحده ليس مدعاة للفخر والإعتزاز بل إن ما يبعث على الإعتزاز في الواقع هو تربية الأبناء وبناء شخصيتهم وتقديمهم
إلى المجتمع أفراداً صالحين . وعلينا أن لا ننسى أبداً بأننا مسؤولون عن أولادنا ، وإنهم يتعلمون منا دروس الحياة وأسلوب العيش .
ولذا ، فإن علينا ، ومن أجل أن نوفر السعادة للجيل الناشئ أن نتحمل مسؤوليتنا وأن نتحلّى بروحٍ التسامح والتضحية ، وأن نقنع بالحد الممكن من الحياة واضعين في حسابنا شركاء حياتنا ، وأن نحاول على الدوام استقبال كل ما يواجهنا في مسؤوليتنا تجاه أسرنا وأطفالنا بروح من الصبر ، وأن نسعى دائماً في توظيف طاقاتنا من أجل حياة أفضل .
علمنا وهدفنا :
عملنا يقوم في هذا البحث على طريق خدمة الأسرة وتوجيه الأزواج الشباب لكي يمكنهم إشاعة جو من الهدوء النسبي وقضاء أوقات الفراغ في ما يجعلهم أفراداً صالحين .
وهدفنا أن نفتح لهم الطريق الذي ينقذهم من المصائب والويلات والحياة المريرة ؛ وما أكثر أولئك الذين يمكنهم الوصول إلى ينابيع السعادة ولكنهم بسبب جهلهم وأخطائهم قد جانبوا الطريق الصائب فسقطوا في هاوية الشقاء .
إن الحياة الزوجية تمتلك أرضية التفاهم مهما تفاقمت الخلافات وتصاعدت الإختلافات ، وبإمكان الرجل والمرأة التوقف لحظة لمراجعة الأمور والتفاهم واتخاذ القرار الذي يضمن لهم سعادتهم وسعادة أبنائهم .
أسلوب العمل :
وقد رتب الأسلوب المعتمد في هذا البحث على أساس ما ورد في رسائل وشكاوى عديدة ودراسة وجهات نظر الطرفين في العديد من الحالات .
لا شك أن الآراء المطروحة في هذا البحث يستند إلى التعاليم الإلهية والإسلامية في هذا المضمار ، وقد اجتهدنا حسب طاقتنا وقدراتنا الفكرية في صياغة أسلوب يوافق الشريعة السمحاء .
إننا نؤمن بأن تعاليم الأنبياء وفي طليعتهم نبيّنا محمد ( صلى الله عليه و آله ) والأئمة من أهل بيته ، قد قدمت حلولاً شاملة لكل مشكلات الحياة ، وأنهم ( عليهم السلام ) قد رسموا الطريق الذي يؤدي إلى الحقيقة حيث السعادة الإنسانية ، ومن جملة ما بيّنه الإسلام في ذلك الحياة الزوجية في مراحلها الأولى أي منذ انتخاب الزوج ، إلى الحياة الجنسية ، إلى مختلف شؤون الأسرة .
إن إطلاع الشباب على رأي الإسلام وتعاليمه في ذلك لا بد وأن يكون له الأثر الفاعل في الحد من انحطاط الأسر وتفككها .
وهذا الكتاب خطوة في الطريق إلى علاج العديد من المشكلات وطرح حلول مستلهمة من تعاليم السماء من أجل إشاعة الدفء في الحياة العائلية ومن ثم وضع الجيل الصاعد في الطريق الذي يؤدي به إلى غدٍ مشرق .
الفصل الثاني
أهداف الحياة العائلية :
مر عهد الصبا ورحلت أيامه المفعمة طهراً وصفاءً ، وانتهى عهد الدلال ورعاية الوالدين وتضحياتهما . . مر كل هذا دون عودة كحلم ورديّ ، وها نحن نعيش مرحلة أخرى وعهداً زاخراً بالمسؤوليات الجسام . . إنها مرحلة التأمل والتدبر والتكامل . . مرحلة تتطلب منا أن نقف على أقدامنا ونفكر في المستقبل . . ومن المؤكد جداً أننا إذا لم نفكر بأنفسنا ومن أجل أنفسنا فإنه لا يوجد من يفكر نيابة عنا ويتحمل مسؤولياتنا .
إن أعباء الحياة الجسام وطول الطريق يدفعنا إلى التفكير والبحث عن شريك يخفف عنا قدراً من تلك الأعباء ، شريك يتحمل معنا مصاعب الطريق ومتاعب الحياة ، إنسان يشاركنا حلاوة الحياة ومرارتها ، إنسانٍ يدركنا ويتفهمنا ، يفرح لفرحنا ويحزن لحزننا ، إنسانٍ يقوم بدور المنقذ إذا ما هاجمتنا أمواج الحياة ، وأخيراً : شريكٍ في كل شيء ، ومن أجل كل شيء ، شريك ورفيق درب يبدد بأنسه وحشة الطريق .
انطلاقاً من كل ما ذكرنا ، نسعى إلى تشكيل الأسرة ، وعلى ضوء ذلك نحاول أن نصلح أو نعالج أو نرمم البناء الأسري . ومن خلال ذلك نحاول أن نتعرف أهداف الزواج لكي تتضح لنا الحقيقة بين ما هو كائن وبين ما ينبغي أن يكون .
وإذا كان واقع أسرنا كما ينبغي فلنسعَ إلى التكامل أكثر فأكثر والمضي قدماً نحو الهدف المنشود . وإذا كان الواقع عكس ذلك أو صورة مشوّهة عنه فلنبادر إلى مراجعة أنفسنا وإنقاذ البقية الباقية من عمرنا قبل فوات الأوان .
أهداف الزواج :
السؤال هنا : لماذا تزوجنا ؟ هل تظن الفتاة أن زواجها جاء إثر مؤامرة دبّرها الوالدان للتخلص من شرّها ؟! أو أنهما شعرا بالملل منها ؟ وهل يعتقد الفتى أنه تزوج لكي يبحث عن المتاعب أو أنه يتمتع بثروة هائلة تدفعه للبحث عن شخص أو مجموعة أشخاص لكي ينفق عليهم ؟ هل إن هدف الزواج هو إضافة هم إلى الهموم أو محاولة للتخفيف من هموم الحياة ؟.
هل إن الهدف من ذلك هو رغبتهم في المعاناة والألم أو الركون إلى راحة وارفة الظلال تهبهم الشعور بالطمأنينة والسلام ؟.
إن الكثير منّا قد أخطأ الطريق اللاحب وضاع في متاهات دروب مظلمة . إن الزواج وتشكيل الأسرة له أهداف وأغراض ، وإن أخذها بنظر الاعتبار سيحلّ الكثير من المشكلات ويخفف من حدة النزاعات ، ويضع الزوجين في الطريق الصائب الذي يقودهم إلى حياة زاخرة بالحب مفعمة بالمودة والصفاء .
إن أهم أهداف الزواج هي كما يلي :
أولاً ـ الحصول على الاستقرار :
إن نمو الإنسان ووصوله إلى مرحلة البلوغ يتسبب في ظهور تغيرات متعددة تطال الإنسان جسماً وروحاً وفكراً ، تشكّل بمجموعها نداء الزواج . وفي هذه المرحلة ينبغي على الإنسان أن يستجيب إلى هذا النداء الطبيعي فإن التغافل عن ذلك أو إهماله سيؤدي إلى بروز الاضطرابات النفسية العنيفة التي لا يمكن أن تهدأ إلا بعد العثور على إنسان يشاركه حياته ، وعندها سيشعر بالهدوء والسلام .
وإذن فإن أحد أهداف الزواج هو تحقيق حالة من الاستقرار النفسي والبدني والفكري والأخلاقي ، وفي ظلال هذه الحياة المشتركة ينبغي على الزوجين العمل على تثبيت هذه الحالة التي تمكنهم من النمو الشامل .
ولقد أثبتت التجارب أنه عندما تزداد أمواج الحياة عنفاً ، وحين يهدّد
خطر ما أحد الزوجين فإنهما يلجآن إلى بعضهما لتوفير حالة من الأمن يمكنهما من مواجهة الحياة والمضي قدماً . وعليه فإن الزواج ينبغي أن يحقّق حالة الاستقرار وإلا فإن الحياة سوف تكون جحيماً لا يطاق .
ثانياً ـ التكامل :
ينتاب الفتى والفتاة لدى وصولهما سن البلوغ إحساس بالنقص ، ويتلاشى هذا الإحساس في ظل الزواج وتشكيل الأسرة حيث يشعر الطرفان بالتكامل الذي يبلغ ذروته بعد ولادة الطفل الأول .
ويؤثر الزواج تأثيراً بالغ الأهمية في السلوك وتبدأ مرحلة من النضج والاتجاه نحو الكمال حيث تختفي الفوضى في العمل والتعامل بعد أن يسعى كل طرف بإخلاص وصميمية تسديد الطرف الآخر وإسداء النصح إليه ، وخلال ذلك تولد علاقة إنسانية تعزز من روابط الطرفين وتساعدهما في المضي قدماً نحو الكمال المنشود .
ثالثاً ـ الحفاظ على الدين :
ما أكثر أولئك الذين دفعت بهم غرائزهم فسقطوا في الهاوية وتلوثت نفوسهم وفقدوا عقيدتهم . ولذا فإن الزواج يجنّب الإنسان السقوط في تلك المنزلقات الخطرة ؛ وقد ورد في الحديث الشريف : « من تزوج فقد أحرز نصف دينه . . » والزواج لا يكفل للمرء عدم السقوط فحسب بل يوفّر له جواً من الطمأنينة يمكّنه من عبادة الله سبحانه والتوجه إليه ، ذلك إن إشباع الغرائز بالشكل المعقول يخلّف حالة من الاستقرار النفسي الذي يعتبر ضرورة من ضرورات الحياة الدينية .
وعلى هذا فإن الزواج الذي يعرّض دين الإنسان إلى الخطر ، الزواج الذي يخلّصه من الوقوع في حبائل الغريزة الجنسية ليقع في حبائل أخرى مثل الكذب والخيانة والممارسات المحرّمة لا يمكن أن يعتبر زواجاً بل فخاً جديداً للشقاء ؛ والزواج الذي تنجم عنه المشاكل والنزاعات وإيذاء الجيران بالصراخ . . الزواج الذي يكدر صفو الأقرباء والأصدقاء ليس زواجاً بل عقاباً .
رابعاً ـ بقاء النسل :
لقد أودع الله الرغبة لدى الإنسان لاستمرار النوع . ولا شك أن مجيء الأطفال كثمرة للزواج يعتبر ، لدى أولئك الذين يبحثون عن اللذائذ والمتع فقط ، أشخاصاً مزاحمين وغير مرغوب فيهم ، ولذا فإن للزواج بعداً معنوياً ينبغي أن يؤخذ بنظر الاعتبار لكي يكون مدعاة للتكامل والسير في طريق الكمال .
وما أكثر الزيجات التي آلت إلى الفشل بسبب غياب البعد الإلهي فيها ، وما أكثر الفتيات والشبان الذين تزوجوا من أجل الثراء أو الجمال أو الشهرة ، ولكن ـ وبعد مرور وقت قصير ـ شعروا بالمرارة وغرقوا في بحرٍ من المشكلات .
أساس الحياة الزوجية :
إن عدم تفهم مسألة الزواج والتغافل عن الحقوق الزوجية وإهمال الممارسات كان ينبغي العمل بها تؤدي إلى زيجات فاشلة .
وانطلاقاً مما ورد في القرآن الكريم من إشارات وما ورد في الأحاديث والروايات ، فإن مقومات الحياة الزوجية هي كما يلي :
1 ـ المودّة والصفاء :
ينبغي أن تسود الحياة الزوجية علاقات المودّة والمحبة والصفاء ، فإن الحياة الخالية من الحب لا معنى لها ، كما أن ارتباط الزوجين الذي يؤدي إلى ظهور جيل جديد يجعلهما في موضع المسؤولية المشتركة .
والمودة من وجهة قرآنية هي الحب الخالص لا ذلك الحب الذي يطفو على السطح كالزبد . الحب المنشود هو الحب الذي يضرب بجذوره في الأعماق . وعلى هذا فإن الأسرة التي تتوفر فيها هكذا مواصفات سوف يشملها الله بعطفه ورضوانه .
ينبغي أن يكون الزوجان صديقين حميمين يتقاسمان حلاوة الحياة ومرارتها وأن يحلاّ مشكلاتها في جو هادىء، يبث أحدهما همه للآخر ويودعه
أسراره . وإن الحياة الزوجية التي تفتقد هذا المستوى من الثقة المتبادلة هي في الواقع محرومة من رحمة الله .
2 ـ التعاون :
إن أساس الحياة الزوجية يقوم على التعاون ومساعدة كل من الزوجين للآخر في جوٍّ من الدعم المتبادل وبذل أقصى الجهود في حل المشاكل وتقديم الخدمات المطلوبة . صحيح أن للزوج وظيفته المحددة ، وللزوجة هي الأخرى وظيفتها المحددة ، ولكن الصداقة والمحبة يلغي هذا التقسيم ويجعل كلاً منهما نصيراً للآخر وعوناً ، وهذا ما يضفي على الحياة جمالاً وحلاوة ، إذ ليس من الإنسانية أبداً أن تجلس المرأة قرب الموقد وتنعم بالدفء في حين يكافح زوجها وسط الثلوج أو بالعكس ، بذريعة أن لكل منهما وظيفته !.
3 ـ التفاهم :
تحتاج الحياة المشتركة إلى التفاهم والتوافق ، فبالرغم من رغبة أحد الطرفين في الآخر ، إلا إن ذلك لا يلغي وجود أذواق مختلفة وسلوك متباين ، وليس من المنطق أبداً أن يحاول أحدهما إلغاء الآخر في هذا المضمار ، بل إن الطبيعي إرساء نوع من التوافق والتفاهم حيث تقتضي الضرورة أن يتنازل كل طرف عن بعض آرائه ونظرياته لصالح الطرف الآخر في محاولة لردم الهوّة التي تفصل بينهما ومدّ الجسور المشتركة على أساس من الحب الذي يقضي بإجراء كهذا ، وأن لا يبدي أي طرف تعصباً في ذلك ما دام الأمر في دائرة الشرعية التي يحددها الدين .
4 ـ السعي نحو الاتحاد :
الحياة تشبه إلى حد بعيد مرآة صافية ، فوجود أقل غبار يشوّه الرؤية فيها ، ولذا ينبغي السعي دائماً لحفظها جلية صافية .
إن الحياة المشتركة تحتاج إلى التآلف والاتحاد ، ولذا فإن على الزوجين أن يتحدّا فكرياً وأن ينعدم ضمير الأنا تماماً في الجو الأسري .
يجب أن يكون القرار مشتركاً وأن يدعم كل منهما رأي الآخر . أما المسائل التي تبرز فيها وجهات النظر المختلفة فإن أفضل حل لها هو السكوت والمداراة إلى أن يتوصل الطرفان إلى حل مشترك آخذين بنظر الاعتبار أن النزاع سيوجه ضربة عنيفة لهما ولأطفالهما .
5 ـ رعاية الحقوق :
وأخيراً ، فإن الحد الأدنى في الحياة الزوجية هو رعاية كل طرف لحقوق الطرف الآخر واحترامها . ومن المؤكد أن أقصى ما وصلت إليه مختلف المذاهب والعقائد في حقوق الزوجية موجود في النظام الإسلامي ( سنبحث ذلك فيما بعد ) .
الاستعداد للحياة :
الإدعاء بأن الحياة الزوجية خالية من النزاع يفتقد إلى أساس ، إلا أن أكثر المنازعات إنما تنجم عن نفاذ الصبر وعدم القدرة على التحمل . إن الحياة بشكل عام تحتاج إلى الإيمان والصبر والتحمل ، وهذه المسألة تنعكس بوضوح في الحياة المشتركة التي تستوجب توفر هذه الخصال .
إن الحياة بحر متلاطم الأمواج يحتاج المرء فيه إلى الإيمان والصبر لكي يمكنه من تسيير قاربه نحو شاطىء السلام .
الفصل الثالث
ضرورات الحياة المشتركة
يتعاقد الفتى والفتاة على عهد في الحياة المشتركة وتشكيل الأسرة ، ويقرران ، تبعاً لذلك ، العيش معاً تحت سقف واحد وأن يقف أحدهما إلى جانب الآخر إلى الأبد والسير سوية في الطريق الذي انتخباه ، طريق الحياة الزوجية وتربية الجيل .
أن عهداً كهذا لا يمكن المحافظة عليه بيسر وسهولة ، ذلك أن الحياة المشتركة تلزمها العديد من الضوابط والشروط التي لا يمكن بدونها الاستمرار والدوام ، فالزواج يستلزم استعداداً مسبقاً من قبل الطرفين يجنبهما الوقوع في المزالق ، ويستلزم كذلك يقظة كاملة في الشهور الأولى لكي يمكن إرساء دعائم متينة للبناء الجديد . وهذا التأكيد يتضاعف في الأيام الأولى التي تكون عادة أياماً قلقة متزلزلة ، فأقل خطأ يحصل سوف يلقي بظلاله القاتمة في النفس ويشعرها بالمرارة . وأساساً فإن الزواج تحمل للمسؤولية ، إذ لا يمكن ـ بأي حال من الأحوال ـ أن تستمر بعده حالة العزوبية من الشعور بالتجرد وفراغ البالِ .
أسس الحياة المشتركة :
هناك ، فيما أعتقد ، أسس وضوابط ضرورية في الحياة المشتركة ، ينبغي على الطرفين رعايتها واحترامها ، وإلا فإن العش الزوجي سيكون في معرض عاصفة ثلجية وستمتد جذور الكراهية ، التي سرعان ما تؤدي إلى نشوب النزاع وبداية النهاية . وفي هذا البحث محاولة لأن نستعرض ـ ببساطة ـ بعضاً منها :
1 ـ حسن المعاشرة :
الزواج بداية مرحلة جديدة من المعاشرة تنتهي في ظلالها عزلة الرجل والمرأة ، ويبدأ عهد جديد من الألفة والأنس بينهما ؛ وعلى أثر ذلك يحصل نوع من التقارب بين أفكار الزوجين ورؤاهما ، كذلك الأمر بالنسبة للأذواق والخطط المستقبلية لحياتهما المشتركة .
من الضرورة بمكان أن يجلس الزوجان ، وبعد الانتهاء من عملهما إلى جانب بعضهما البعض ساعة على الأقل يتحدثان خلالها عن ذكرياتهما الحلوة والمرة ، وتداول مختلف المسائل والقضايا التي تهمهما معاً ؛ ذلك أن الصمت المطبق يشبه في مساوئه الثرثرة في الحديث ولا يجلب معه سوى الألم .
فالأحاديث المتبادلة ، وإضافة إلى أنها تعزز من الألفة والأنس بين الزوجين ، تخفف من عقدهما وتحدّ من توقّعات كلّ منهما .
2 ـ الانسجام الفكري :
الرجل والمرأة يعضد أحدهما الآخر ويرافقه في رحلته من أجل أن يصل قارب حياتهما إلى شاطىء السعادة ؛ وعلى هذا فإنه لا ينبغي عليهما السير في عكس الاتجاه المنشود حتى لا تتعثر رحلتهما وتتقاذفهما الأمواج .
إن على الزوجين ، ومن أجل استمرار حياتهما في ظلال من الطمأنينة والأمن ، أن يحاولا تطبيع فكريهما على أساس من النقاط المشتركة والأذواق المتماثلة ؛ وفي طريق ذلك تصبح الأمور طبيعية بشرط أن يدرك كل منهما الآخر .
والزوجان العاقلان الناضجان يعمل كل منهما على مساعدة الآخر ودعمه مادياً ومعنوياً . وكثيرون هم الأفراد الذين أحرزوا نجاحات باهرة في الحياة بسبب إستفادتهم من أزواجهم فكرياً ومن خلال استلهامهم سلوكاً وأفكاراً ورؤى عايشوها وتأثروا بها .
3 ـ احترام الحقوق :
هناك حقوق وواجبات من وجهة نظر الإسلام تتعين في ظلال الحياة الزوجية ، وإن عدم رعايتها أو احترامها يوجب عقوبات محدّدة .
وفي ضوء أداء تلك الواجبات ورعاية تلك الحقوق تتوضح بواعث النزاع والممارسات الخاطئة ، وتنشأ في ظلال ذلك حالة من الاستقرار مما يضمن استمرار الحياة الزوجية .
ومن خلال هذه الحقوق ينمو الحب في القلوب والاحترام والإجلال والوفاء وأداء الواجب ، وغير ذلك من ضرورات الحياة المشتركة .
إن الإسلام لا يسمح أبداً بحسم الخلاف لصالح الطرف الأقوى أو يجعل له الحق في حل المسألة في ضوء ما يرغب .
إن الممارسات يجب أن تنطلق من اعتبارات إلهية محددة وأن لا تكون مدعاة للتشكيك في قداسة الأسرة .
4 ـ توزيع العمل :
من أجل استمرار الحياة الزوجية ينبغي تقسيم العمل ، بحيث لا ينوء أحدهما تحت عبء ثقيل يعجز عن النهوض به . ومن الخطأ الكبير أن يلقى على عاتق المرأة مسؤولية تربية الأولاد وإدارة البيت في حين يجلس الرجل فارغ البال في زاوية من زوايا البيت . ومن الظلم أيضاً أن يلهث الرجل من الصباح إلى المساء من أجل تأمين لقمة العيش في حين تجلس المرأة في المنزل ناعمة البال .
ومن خلال سيرة النبيّ الأكرم ( صلى الله عليه و آله ) يتضح أن العمل داخل البيت هو على عاتق المرأة ، بينما يبقى العمل خارج المنزل من واجبات الرجل ؛ وطبعاً فإن هذا لا يمنع الرجل إذا ما وجد فراغاً من مساعدة زوجته ولا يمنع المرأة أيضاً إذا ما وجدت فرصة من المبادرة إلى التخفيف عن أعباء الرجل .
إن الهدف من تقسيم العمل هو تحقيق العدالة بين الطرفين .
5 ـ التأمين :
وعلى أساس ما ذكرنا يتضح على من يقع واجب التأمين الاقتصادي وعلى من تقع وظيفة تأمين الاستقرار والدفء في الأسرة .
نعم ، من الممكن أن تكون المرأة ثريّة أو تعمل في وظيفة معينة ، ولكن الإسلام لم يوجب عليها الإنفاق على الرجل ، ذلك إن الإسلام أوجب على الرجل القيام بهذه المهمة ، ومن حق المرأة أن يوفّر لها الرجل المسكن والملبس والغذاء المناسب بل وعلى أساس بعض الروايات أن يوفّر لها قدراً معيناً من وسائل الزينة .
ومن الطبيعي إذن ، أن تنهض المرأة بمهمتها تجاه الرجل حيث تتولى إدارة المنزل وأن يكون تعاملها معه ودوداً ودافئاً يجعل الرجل يتلهف إلى العودة إلى البيت بشوق ، وأن على المرأة واستجابة لغرائزها الطبيعية تربية الأطفال وجعلهم مدعاة لإشاعة الفرحة والأمل داخل البيت .
6 ـ المداراة وضبط النفس :
يؤدي اختلاف المشارب والأذواق بين الزوجين إلى ظهور الاختلافات والنزاعات بينهما ، وأن القول إن الحياة الزوجية لا تشهد نزاعاً أو تصادماً بين الطرفين أمر خيالي بعيد عن الحقيقة ؛ ولكن المهم في مثل هكذا حالات هو المداراة وضبط النفس .
إن الإسلام يوصي في حالة بروز نزاع عائلي أن يلجأ أحد الطرفين إلى الصمت في سبيل الله وأن يغض الطرف عن أخطاء الطرف الآخر ، وأن يتعامل معه بما يرضي الله ورسوله .
وما أكثر النزاعات التي تنشأ من حساسية المرأة أو غيرتها ولكن فطنة الرجل ويقظته تعيد المياه إلى مجاريها فيخفت النزاع ويعم الاستقرار في محيط الأسرة .
إن الحياة الزوجية ترافقها المشاكل ولا يمكن تحملها إلا بالصبر وضبط النفس ، وتفويت الفرصة على شيطان الغضب ، والتسامح ، وغض
الطرف قليلاً عن أخطاء الطرف الآخر . وهذا رسول الله قمة الخلق الإنساني يقول : « خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي » .
إن من ينتخب لنفسه زوجة ينبغي عليه أن يحترمها .
تعزيز الروابط :
إن ما ذكرناه هو أسس الحياة الزوجية وهو الحد الأدنى من الحياة المشتركة ، وهناك من الضوابط والنقاط التي يؤدي رعايتها إلى تعزيز العلاقات بين الزوجين ويجعلها متينة ، وهي كما يلي :
1 ـ التصريح بالحب والمودّة :
من السهولة أن يتبادل الزوجان الحب ، غير أن إظهار ذلك وترجمته على شكل عبارة جميلة حلوة يقضي على احتمالات الشك التي قد تراود أحد الطرفين .
إن الإسلام يوجب أن نبرز عواطفنا تجاه من نحبّهم ، وهو أمرّ تتجلى ضرورته في الحياة الزوجية . إن المرأة ، وكما يؤكد الحديث الشريف لا تنسى كلمة الحب التي ينطقها زوجها أبداً . قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) : « قول الرجل لزوجته إني أحبك لا يذهب من قلبها أبداً » وسائل الشيعة 14 | 10 .
قد يبدو إظهار العاطفة بين الزوجين لدى البعض أمراً يدعو إلى السخرية ، انطلاقاً من كون المسألة واضحة لا تحتاج إلى دليل ، ولكن الأمر على العكس ، فبالرغم من وجود الحب إلا أن التعبير عنه أمر في غاية الضرورة حيث يعزز من قوة العلاقات الزوجية ويزيدها متانة ورسوخاً .
2 ـ الاحترام المتبادل :
يجب أن يكون الاحترام متبادلاً ، وأن إخلال أحد الطرفين بذلك يؤدي إلى اختلال في المعادلة كلها . من ينشد احترام زوجه عليه أن يحترمه أولاً ، فوجاهة المرأة تضفي على الرجل قوة ، وشخصية الرجل تمنح المرأة قوة
وتعزز من مكانتها ، وعليه فمن الضروري أن يربط الزوجين نوع من الاحترام المتبادل وأن يبتعدا عن كل ما من شأنه أن يخل بهذه المعادلة .
والاحترام يتجسد من خلال الحديث والتعامل ، فعلى صعيد الحديث يتجلى الاحترام من خلال اللهجة الصادقة والهادئة التي تزخر بمعاني الحب ، وإذا كان هناك ما يستدعي النقد فينبغي أن يتم ذلك بأسلوب ايجابي بعيداً عن التشهير .
3 ـ التزيّن :
من الضروري جداً أن يراعي الزوجان زينتهما ومظهرهما ، وأن يحاولا الظهور بالمظهر اللائق .
إن التعاليم الإسلامية تزخر بالكثير من الوصايا عن نظافة البدن بدءً من الاستحمام ، وتنظيف الأسنان ، والتعطر ، وإصلاح الشعر ، وقص الأظافر ، وارتداء الثياب النظيفة ؛ وكل هذا له تأثير بالغ الأهمية في ترغيب الطرفين ببعضهما وتعزيز علاقات الحب بينهما .
هناك حديث عن الإمام الكاظم عليه السلام يفيد بأن زينة الرجل تزيد من عفة زوجته ، فهناك العديد من النسوة اللائي انحرفن عن جادة العفة بسبب إهمال أزواجهن لهذا الجانب الحساس من الحياة قال الإمام الكاظم ( عليه السَّلام ) : « إن التهيئة مما يزيد من عفة النساء ، ولقد ترك النساء العفة بترك أزواجهن التهيئة » .
وهناك روايات تفيد أيضاً بأن المرأة تحب من الرجل أن يتزين لها كما أن الرجل يحب من زوجته ذلك .
وقد نقل عن النبي الأكرم ( صلى الله عليه و آله ) حديثاً يفيد بأن من واجب المرأة أن تتعطر لزوجها ، فقد شكت امرأة لرسول الله ( صلى الله عليه و آله ) إعراض زوجها عنها فأمرها أن تتطيب له » ـ فروع الكافي .
كما ورد عن الباقر عليه السلام توصية للرجل بتوفير الزينة لزوجته حتى لو اقتصر الأمر على قلادة . يقول الإمام الباقر ( عليه السَّلام ): « لا ينبغي للمرأة
أن تعطل نفسها ولو أن تعلق في عنقها قلادة » ـ وسائل الشيعة ج 3 ص 335 .
4 ـ حفظ الروابط الزوجية :
تنشأ في ظل الزواج حالة من الاستقلال النسبي الذي ينجم عن حاجة الطرفين إلى بعضهما بغية إشباع الغريزة الجنسية . وبالرغم من شرعية هذه المسألة إلا أنها لا يمكن أن تكون الأساس أو المبرر الوحيد للزواج . فالزواج الذي يقوم على هذه المسألة وحدها لا بد وأن ينتهي إلى كارثة تبدأ باحتقار الطرفين بعضهما فور إشباع غريزتيهما .
ولذا فإن العلاقات الزوجية ينبغي أن تقوم على أسس معنوية كرضا الله وأداء الواجب الإلهي ، وتنفيذ السنة النبوية . إن أخذ هذه المقومات بنظر الاعتبار تساعد على نمو العاطفة بينهما ويوجب نضج شخصيتهما .
5 ـ الذرية :
يضفي وجود الطفل في حياة الزوجين رونقاً يزيد من جمال الحياة الزوجية ويعزز من أسسها ؛ ومع ظهور الطفل في سماء الأسرة يولد حب كبير يمد جذوره في الأعماق ؛ إذ سرعان ما نشاهد البرود يغزو حياة بعض أولئك الذين يمتنعون عن الإنجاب بحجة أن الأطفال سيعكرون عليهم الأجواء ، حيث ينعكس ذلك في التعامل الجاف والمتصنع ؛ فإذا أشرقت شمس الطفولة ذابت الثلوج وتدفّقت الحياة في الأسرة .
6 ـ العفاف :
وأخيراً ، فإن العفة والطهر هما أساس إنسانية الحياة الزوجية ، والعامل المهم في إدامة واستمرار حياتهما المشتركة . وعلى هذا فإن التعفف وطهارة الثوب مطلوبة من الرجل كما هي مطلوبة من المرأة ، وأن على الزوج أن يخلي قلبه من كل رغبة في غير زوجته ، وعلى الزوجة أن لا تنظر إلا إلى زوجها . وإضافة إلى الجانب الشرعي في هذه المسألة فهي أساس متين لحفظ البناء المشترك من الانهيار .
القسم الثاني
بواعث النزاع
عادة ما تبدأ الحياة الزوجية بهدوء وصفاء وراحة بال ، ذلك أنّ الحياة الجديدة تحمل في طياتها جوانب عديدة تقنع كلا الطرفين وتملأ قلبيهما بالرضا حيث يحاول كلّ منهما إقناع الآخر والاحتفاظ به .
غير أنه مع توالي الأيام يبدأ عهد جديد هو عهد التقييم والمراجعة والحساب حيث يشعر أحد الطرفين بأنه مغبون في هذه التجربة ، وعندها تبدأ مرحلة النزاع .
وللبحث عن بواعث النزاع يمكن الإشارة إلى جملة من الأسباب التي لها دور كبير في ظهور المشاكل في الحياة الزوجية .
ـ انعدام الخبرة في الحياة الزوجية .
ـ التوقعات الخارجة عن الحد لدى الطرفين .
ـ سوء الظن .
ـ الرغبات غير المعقولة .
ـ السعي لإثبات القدرة والسيطرة .
ـ عدم التحمل .
ـ غياب التفاهم .
ـ الأهداف والأسباب المادية .
ـ الإساءة في القول .
ـ انحطاط الذوق .
وفي هذا القسم سنستعرض هذه الأسباب وغيرها بشيء من التفصيل .
الفصل الأول
غياب الخبرة في الحياة الزوجية
يمكن القول إن الحياة فن من الفنون ، فالذي يجهل السباحة مثلا سيكون أسير الأمواج المتلاطمة حيث يهدده الغرق بين لحظة وأخرى .
والحياة فن لانطوائها على تفاصيل دقيقة تتطلب من الإنسان أن يكون فناناً دقيقاً ومحيطاً . وتتجلى ضرورة الإحاطة بالحياة كفن في مسألة الزواج باعتبارها واحدة من أبرز تجارب الحياة ، وأن ظاهرة النزاع والانفصال والطلاق في الحياة الأسرية إنما تنجم عن جهل وغياب للخبرة أو عدم الشعور بالمسؤولية وانعدام الالتزام في هذه القضية الحساسة .
إن الزواج الذي يبدأ بالإهمال في المعرفة أو يقوم على تصورات خاطئة مجانبة للحقيقة ، أو الخداع أحياناً ، هو زواج قلق متزلزل ، ذلك أن الحياة الزوجية سرعان ما تكشف جميع الحقائق وتظهر جميع الخبايا . إذن فالحياة الزوجية يجب أن تقوم على الحقيقة والحق بعيداً عن الخدع والأباطيل .
أسرار النزاع :
يسعى الزوجان في بداية حياتهما المشتركة إلى إخفاء بعض ميزاتهما الشخصية سواء على صعيد العيوب أو الأذواق ، ويحاولان في تلك الفترة الحساسة أن يغضّا طرفيهما عن بعضهما البعض .
ومن أجل البحث في الأسرار الكامنة وراء النزاع في الحياة الزوجية يمكن توزيعها إلى قسمين : عوامل ما قبل الزواج . وعوامل ما بعد الزواج .
أ ـ عوامل ما قبل الزواج :
إن الكثير من النزاعات ما كانت لتوجد لو أحسن الزوجان التفكير في الحياة ، وأننا نشير إلى هذه الناحية من أجل أن نلفت أنظار الشباب قبل إقدامهم على الزواج ونذكر الذين تزوجوا إلى الاهتمام بهذه المسألة وهم في بداية صنع مستقبلهم المشترك . ويمكن تلخيص هذه العوامل في ما يلي :
1 ـ عدم التعارف :
يتطلب الزواج فرصة كافية من أجل أن يتعرف أحد الطرفين على الآخر ، وبالرغم من غنى هذه التجربة إلا أنها تبقى عاجزة عن رفع الحجب بين الطرفين إلا في الحالات النادرة . ومع ذلك فهي ضرورية جيداً من أجل بناء حياة مشتركة على أرض صلبة وواضحة تقريباً .
2 ـ عدم التشاور :
مهما بلغ الشباب من شأو في العلم والمعرفة إلا أنهم يعتبرون عديمي الخبرة في شؤون الحياة الزوجية . ومع بالغ الأسف فإن كثيراً منهم وبسبب أسلوب تربيتهم يبقون بمنأىً عن تجارب الوالدين ولا يصغون إلى آرائهما في هذه المسائل .
إن تعاليم الإسلام توصي الشباب باستشارة من هم أكبر منهم سناً وأخذ وجهة نظر الوالدين في مسألة الزواج قبل الإقدام على تنفيذ هذه التجربة لتلافي نتائجها المرة ، وهذا التأكيد يتضاعف بالنسبة للفتيات اللائي يمكن خداعهن بسهولة .
3 ـ التصورات الخاطئة عن الحياة :
إن أغلب المشاكل والنزاعات التي تعصف بالحياة الزوجية ناجمة عن التصورات الخاطئة أو الخيالية عن الحياة والمستقبل ، إذ أن البعض يعيش في عالم من الأحلام الوردية ويتصور بأن المستقبل سيكون جنّة وارفة الظلال ، ولكن ، وبعد أن يلج دنياه الجديدة إذا به يبحث عن تلك الجنة الموعودة فلا يعثر عليها ، فيلقي باللوم على زوجه محمّلاً إياه مسؤولية
ذلك ، ويبدأ بذلك فصل النزاع المرير يفقد الحياة طعمها ومعناها ، في حين أن بعض الأماني والآمال تبلغ من الخيال بحيث لا يمكن أن تحقق على أرض الواقع . إن المرأة والرجل في واقع الأمر ليسا ملاكين وأننا نعيش في أرض الواقع بعيدين عن الجنة الموعودة وعوالم الخيال .
4 ـ الخداع :
قد ينشأ النزاع بين الزوجين بسبب بعض الخدع والمكائد التي يحوكها أحد الطرفين أو كلاهما ، فمثلاً يقوم الفتى والفتاة ومن أجل جذب الطرف الآخر إليه وإقناعه بالزواج بالمبالغة أو الاختلاق على صعيد وضعه المالي أو الأخلاقي إضافة إلى الوعود الخواء التي يطلقانها في الهواء ؛ فإذا دخلا ميدان الحياة وارتفعت جميع الحجب وبرزت الحقائق والأسرار ، عندها يبدأ النزاع أو التفكير بالتخلص من بعضهما .
5 ـ الشهوانية :
يسعى أكثر الشباب ومن أجل إرواء غرائزهم إلى الزواج معتقدين أن الحياة الزوجية هي مجرد إشباع هذا الجانب فقط ، غافلين عن أنهم بذلك ينظرون إلى الجانب الحيواني الذي لا يمكن أن يكون هدفاً لتشكيل الاسرة ، هذا أولاً ، وثانياً إن هكذا زيجات لن يكتب لها البقاء والاستمرار إذ سرعان ما تنطفىء الغرائز الجنسية ، ومن ثم ينهار البناء الذي نهضت على أساسه ، إذ يفقد الزوجان بعد ذلك الرغبة في الاستمرار في الحياة المشتركة بعد إحساسهما بالارتواء الجنسي .
إن الحياة الزوجية يجب أن تنهض على أساس من التفاهم والألفة والمحبة والتكامل وأداء الواجب الإلهي حتى يمكن لها الاستمرار والدوام .
6 ـ الاقتصار على المظاهر :
ما أكثر الأفراد الذين يخفون حقيقتهم فلا يعرف منهم سوى ظاهرهم فقط ، وما أكثر الذين يبحثون عن المظاهر فقط لدى بحثهم عن شريك لحياتهم ، إذ يقتصر همهم على الجمال والمستوى الاقتصادي والزي وغير
ذلك ، حيث تتعدد المطبّات . . ولكن وبعد دخول الزوجين عالم الحياة الزوجية وحيث تضعهما الحياة المشتركة على المحك دائماً تبرز الحقيقة كاملة وتنتهي المظاهر البرّاقة ، ويكتشفان أن تلك المظاهر لا أثر لها ولا دور في خلق السعادة المنشودة .
إن تعاليم الإسلام الحنيف يؤكد دائماً على أن انتخاب الزوج يجب أن لا يتم على أساس الجمال والمال وأن الدين هو وحده أساس الاختيار في هذه المسألة البالغة الحساسية .
7 ـ الاتكاء على المصالح :
نشاهد بعض الأفراد يقدمون على الزواج انطلاقاً من مصالح معينة أو من أجل أن يضعوا أيديهم على الثروة ، وفي مثل هذه الحالات وبعد أن يتحقق هدفهم تنتهي جميع المبررات والأسباب التي أدّت إلى الزواج وتبدأ حياة النزاع والاختلافات .
إن الزواج ليس وليد المصلحة ، إنه أسمى من ذلك ، وهو على حد تعبير الآية الكريمة في قوله تعالى : ( هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ) .
8 ـ الزواج المفروض :
وهو أخطر حالات الزواج على الإطلاق ، حيث يقوم الوالدان بتزويج الأبناء دون اعتبار لرغباتهم . إن مجرد الشعور بالقهر وحده سيدفع بالطرفين إلى الخلاص من هذه القيود ووضعها تحت الأقدام .
إن المرء قد يتمكن من إجبار الآخرين على تناول طعام معين ، ولكن سيكون عاجزاً عن إجبارهم على الشعور بالشهية والميل والتلذذ .
ومن المسلّم به أن أي نزاع ينشب أو خلاف فإن الزوجين سيصبّان لعناتهما على أولئك الذين فرضوا عليهما هذه الحياة وصنعوا لهما هذا الجحيم !.
ب ـ عوامل ما بعد الزواج :
فيما مضى ذكرنا بعض الحالات والعوامل التي تؤدي إلى اضمحلال الأسرة وتدهورها وهي كما أشرنا تتعلق بفترة ما قبل الزواج ، والتي ينبغي الالتفات إليها وأخذها بنظر الاعتبار قبل الإقدام على الزواج وتشكيل الأسرة .
وفي مقابل ذلك ، وكما أشرنا أيضاً ، توجد عوامل وأسباب ترتبط في فترة ما بعد الزواج حيث ينبغي رعايتها هي الأخرى لتلافي وقوع الخلافات ونشوب النزاعات ، ويمكن الإشارة إلى أبرزها .
1 ـ الجهل بالحقوق المشتركة :
في خضم الحياة المتشابكة للزوجين ينبغي للزوجين معرفة حقوق الطرف الآخر واحترامها ، ذلك أن أغلب حالات النزاع إنما تنجم عن تجاهل أحد الطرفين حقوق الطرف الآخر أو جهله بها . وقد ينشأ ذلك أيضاً من التوقعات غير المحدودة لأحد الطرفين .
إن الحياة الزوجية تنطوي على حقوق وواجبات يتوجب على الزوجين رعايتها واحترامها ، وإن معرفة هذه الحقوق والواجبات أولاً هي الخطوة الأساس في طريق بناء الأسرة المنشودة .
2 ـ غياب التجدد في الحياة المشتركة :
ينبغي على الزوجين السعي لتجديد حياتهما المشتركة وشحنها بكل ما يلفت النظر ويجلب الإهتمام . إن الشقاء والتصدع لا يطال الحياة الزوجية إلا عندما يشعر أحد الطرفين أو كلاهما بالرتابة المملة وأنه لا شيء جديد .
ينبغي على الزوجين التجدد لبعضهما والظهور بصورة ملفتة للنظر ، وهذا ما يوصي به ديننا الحنيف .
3 ـ إخفاء الأسرار :
ينشب النزاع بين الزوجين أحياناً تعمد الرجل والمرأة الاحتفاظ ببعض
الأسرار أو القيام ببعض الأعمال التي من شأنها أن تغضب الطرف الآخر كمعاشرة بعض الأشخاص أو اعتناق بعض الأفكار أو إخفاء بعض الحقائق .
قد ينطوي ذلك على بعض المصلحة ولكن ينبغي عدم التغافل عن بعض الأسرار التي تخص الحياة الأسرية وأن تظهر للملأ العام يوماً ما ، وعندها سيتضاعف الضرر ، وأساساً فإن الإنسان عدو ما يجهل ، وسينصب العداء في النتيجة على الطرف الذي تسبب في ذلك الجهل .
4 ـ التدخل في الشؤون الخاصة :
كثيرة هي النزاعات التي تنجم عن تدخل أحد الطرفين في شؤون الآخر . لقد وضع الإسلام نظاماً للحياة الزوجية وعين حدوداً للزوجين وأشار إلى حقوق وواجبات كل طرف منهما ؛ وعليه فإن على الزوجين التحرك في إطار ما رسمه الإسلام لهما ، وأن هناك مجالات للتعاون معينة ولا ينبغي التدخل في الشؤون الخاصة إلا إذا طلب الطرف المعني ذلك .
قد يحدث التدخل في بعض الأحيان من طرف بعيد كالأقارب والأصدقاء ، فمثلاً تدخل سيدة ما حياتهما كمرشد وتبدأ تدّخلها في شؤون الأسرة مما يتسبب في بعض الأحيان في حدوث الخلافات بين الزوجين ، وهذه ظاهرة عامة يعرفها الكثير .
5 ـ الإحساس بالحرمان :
ما أكثر أولئك الذين يبنون لأزواجهم ، على أساس من الأحلام والآمال العريضة ، قصوراً كبيرة من الخيال ، وإذا بهم يجدونها مجرد أنقاض وخرائب ، فيشعرون بالحرمان بعد أن عاشوا ـ كما صورت لهم تلك الأحلام ـ في قصور فخمة وحياة مرفهة . وعندما يصطدمون بالواقع المرير يخفون مشاعرهم وراء الستائر مدة ما ، ولكنها سرعان ما تسقط وتظهر جميع الحقائق ويبدأ النزاع .
6 ـ الأنانية :
المشكلة الأخرى التي تعتري الحياة الزوجية وخاصة لدى الشباب ،
هي الأنانية والسقوط في أسر الأهواء النفسية التي تمنعهم من الرؤية الواضحة للأمور ، بل يتعدى الأمر إلى رؤية الحقائق مقلوبة تماماً ، ولو أنهم خلوا إلى أنفسهم وفكروا في سلوكهم وآرائهم بعيداً عن روح الأنانية لتكشفت لهم الحقيقة ، وعندها تضمحل فرص الصدام والنزاع .
وينبغي للإنسان أن يربّي نفسه على التحمل وطلب الحق والعدالة ، بشرط أن يكون ذلك منذ بدء حياته المشتركة ، وعندها ستصبح هذه الشعارات ملكة متجذرة في روحه .
في الوقت الحاضر :
الماضي لا يعود ، وما تحدثنا عنه يرتبط بأشياء قد حدثت ، ولا سبيل لعودتها . . والسؤال هنا ماذا يجب أن نفعل ؟ أمامنا ثلاث طرق لا غير : طريق الطلاق ، طريق التحمل والعذاب ، وطريق الإصلاح .
ـ إن طريق الطلاق لا يشكل حلاً مرضياً نظراً لقدسية الزواج الذي يعتبر اتحاداً بين شخصين عن قرار سابق ورغبة متبادلة ، وقد تم كل ذلك في ظلال من تعاليم الإسلام وبحكم من الله سبحانه وتعالى ، فالأمر الذي يتم برضا الله لا ينتهي إلا برضاه أيضاً .
ـ أما الطريق الثاني وهو تحمل الآلام فلا يعتبر حلاً صائباً هو الآخر ، إذ ليس من المنطقي أن يختار الإنسان العيش في جحيم لا يطاق يوقف مسيرته نحو الكامل .
ـ وأخيراً : الطريق الثالث وهو الحل الذين ينشده الإسلام والعقل : طريق الإصلاح والعودة إلى جادة الصواب ، إذ ليس من المستحيل أن يجلس الزوجان للتفاهم وبحث المشاكل في إطار من الموضوعية لدارسة وضعهما وتشخيص الداء والاتفاق على نوع الدواء المناسب .
في طريق الإصلاح :
لا يمكن بالطبع إجبار الزوجين على الاستمرار في الحياة المشتركة أو أن نطلب منهما تبادل الحب ، ولكن من الممكن أن نعرض لهما أسس
الحياة المشتركة التي تحظى برضا الله سبحانه ومن ثم نطلب منهما التسليم لها واحترامها . وبالطبع فإن هذا الأمر يعتبر الحد الأدنى الذي يحقق استمرار الحياة الزوجية في جو مسالم .
من سوء الحظ إن الإنسان يحكّم عواطفه ومشاعره في أكثر المسائل حساسية ومصيرية فهو يطلب من الآخرين النزول على رغباته دائماً ، ولو كان هناك قدر من المحبة والتسامح لما كان هناك من أثر للنزاع .
وينبغي للشباب أن يعتبروا ما ورد إنذاراً مبكراً لهم قبل أن يلجوا عالم الحياة الزوجية ، ينبغي لهم أن يحكّموا وألاّ ينقادوا لأهوائهم الشخصية ، وأن يحسنوا الاختيار ، وأن يكون هدفهم الإنسان الذي يمكن التفاهم معه ، لا الإنسان الذي يريد من الأشياء أن تدور في فلكه ومداره .
الفصل الثاني
الطموحات اللامحدودة :
في غفلة عن الحسابات الواقعية للزواج وتأثير البعض وإيحائهم أحياناً تنطلق في نفس الرجل أو المرأة طموحات لا حد لها ، إذ يتصور أحدهما أن سيحقق في ظل الزواج جميع طموحاته دون حساب ، وأن الحياة ستكون مفروشة بالرياحين غافلاً عن أن الدنيا لها حسابها الذي يختلف عن حساباته .
هناك بعض الطموحات المعقولة والمحسوبة ، وهذه مسألة منطقية لا يعترض عليها أحد ، لكن هناك من الطموحات ما لا يمكن أبداً تحققه على أرض الواقع وإذن فينبغي الكف عنها .
الطموحات اللامعقولة :
لا يمكن استقراء جميع الطموحات الخيالية ، وسيكون عدّها مسألة في غاية الصعوبة ، وسنكتفي في هذا البحث بالإشارة إلى أهمها كظاهرة عامة .
1 ـ الملائكية :
ربما تثير هذه المسألة الضحك عندما يطمع الرجل أو المرأة وخاصة في أوساط الشباب أن يكون الزوج ملاكاً بعيداً عن كل أشكال الخطأ ، ولهذا فهو معرض للحساب واللوم دائماً .
إن تصور الزوج أو الزوجية ملاكاً قادماً من السماء لأمر غير منطقي تماماً . نحن نعيش في عالم البشر لا في عالم الملائكة ، ومن يعيش في هذا العالم لا بد أن يخطىء أو يصيب . الإنسان مزيج من صفات متعددة ، ومن أجل خصاله الطبيعية ينبغي أن نغفر له أخطاءه أو نغض الطرف عنها .
2 ـ المستوى العلمي :
وهذه ظاهرة نشاهدها لدى الكثير ، حيث نجد فرقاً بين المستوى العلمي للرجل والمرأة ، وربما ظن بعضهم أن الحياة فصل من فصول المدرسة يجلس فيه الزوجان للبحث والمناقشة والجدل ، وقد يتصور أحدهما أن السعادة تكمن في ظلال شهادة الدبلوم أو الدكتوراه . وفي هذه الحالة كان من الواجب على أولئك أن يفكروا في ذلك من قبل ، أو أن يهيئ أحد الطرفين الظروف المناسبة لتقدم زوجه في هذا المضمار .
3 ـ النظام الدقيق جداً :
نشاهد لدى البعض من الأزواج نوعاً من الوسواس ـ إذا صح التعبير ـ في النظام ، وإصرارهم على أن يكون كل شيء في مكانه ، ولذا قد ينشب النزاع حول بعض التفاصيل اليومية كعدم وجود القلم ـ مثلاً ـ فوق المنضدة وهلمّ جرا .
صحيح أن الحياة تحتاج إلى قدر من النظام والبرمجة ، غير أن هناك فرقاً بين الأسرة ومعسكرات الجيش .
4 ـ الاستسلام الكامل :
ينظر البعض ومع الأسف إلى أزواجهم على أنهم عبيد وأرقاء ، وعليه فإنهم مطالبون بتنفيذ ما يصدر إليهم من أوامر دون نقاش ، وهذه النظرة بالطبع تفتقد إلى الحس الإنساني ولا ينبغي أن يشعر الإنسان بالسعادة إذا تمكن من تحقيق ذلك . ما الفائدة التي يمكن أو يجنيها الزوج إذا حوّل زوجته إلى مجرد جارية وما هو النفع الذي تجنيه الزوجة إذا تحول زوجها إلى عبد ؟ أليس هذا نسفاً لمعنى الحياة ؟!.
5 ـ التشديد في السيطرة :
إن معاني الحياة تمكن في الحرية ، وبالرغم من طموح الإنسان لأن يعيش حراً فإنه يعمد إلى محاولة استعباد الآخرين كما يفعل ذلك بعض الأفراد بعد زواجهم ، إذ يحاولون ، وبإصرار ، مراقبة كل شيء بدقة ضباط
التحقيق ، حيث البيت الزوجي في نظرهم منزل زاخر بالأسرار التي ينبغي الكشف عنها . إن مثل هذه الرؤية المشوّهة لا بد وأن تقود إلى الاصطدم والتنازع .
6 ـ الإغراق في الاحترام :
الاحترام المتبادل بين الزوجين مطلوب ولا يحتاج إلى نقاش ، ولكن لكل شيء حدوده الطبيعية ، فإذا تعدّاها فقد معناه وفائدته ، كما أن الحياة الزوجية حياة تنبض بالعفوية والمحبة ولا تتناسب مع الرسميات والتشريفات التي يمكن تحملها ساعة أو ساعتين ، أما الحياة المشتركة التي تمتد بامتداد العمر وتتسع لتشمل الحياة كلها فلا تنسجم مع الرسميات التي تتناقض مع الحب والعلاقة الحميمة المشتركة .
7 ـ العمل والسعي الفائقان :
هناك بعض النسوة اللائي ما أن يصل أزواجهن من العمل حتى يجرجرنهم إلى عمل آخر . فمثلاً تلقي المرأة طفلها الرضيع في أحضانه للقيام على راحته وشؤونه ، غافلة عن أن زوجها قد وصل تواً من عمل مرهق ، وأنه يحتاج إلى قدر من الراحة .
أو نشاهد بعض الأزواج ما أن يضعوا أقدامهم في البيت حتى يطلبوا من نسائهم توفير جميع وسائل الراحة غافلين عن هذه الحقيقة وهي أن الزوجة كانت تعمل منذ الصباح في إدارة المنزل ورعاية الصغار .
8 ـ وأخيراً :
فإن هناك بعض الأفراد الذين يتمنون نوعاً من السعادة قد رسموها في أذهانهم ويطلبون من الآخرين ممن يشاركونهم حياتهم أن يكونوا لهم خدم . في ذلك ، فهم ينشدون حياة تطفح بالنجاح الكامل والدائم بناءً على نظرياتهم الخاصة ، وعندما يحدث قصور في ذلك فإنهم يحمّلون الآخرين مسؤولية الفشل في ذلك ، ومن ثم تبدأ حياة النزاع .
منشأ الطموحات :
وللسؤال عن منشأ هذه الطموحات الخيالية التي تجر الحياة الزوجية
إلى أتون النزاع والخلاف ، هناك أسباب عديدة تشكل بمجموعها الإجابة عن هذا التساؤل .
1 ـ الأنانية :
ما أكثر الأفراد الذين ، وبسبب تربيتهم الخاطئة حيث ينشأون على الدلال ، تترسخ في نفوسهم نزعة السيطرة اعتقاداً منهم بأنهم في مكانة رفيعة تؤهلهم لفرض رأيهم على الغير ، ولذا فهم يمتازون بالعناد والغرور حتى في مقابل الحق . وهذا التوجه في فرض آرائهم على الطرف الآخر يقود إلى النزاع بلا شك ، ذلك أن الآخرين ليسوا على استعداد للتنازل والاستسلام لرغباته .
2 ـ الوعود القديمة :
ربما نشاهد بعض الأزواج من الشباب في حالة من النزاع والخلاف الدائمين ، دون أن نجد سبباً واضحاً لذلك سوى الوعود القديمة التي ظهر زيفها وبطلانها فيما بعد . فالوعود التي بنيت عليها الآمال العراض تنتهي إلى لا شيء ، والينبوع العذب لم يكن سوى سراب بعيد . وفي مثل هذا الحالة لا يمكن أن نتوقع سكوت الطرف المعنيّ أو أن ننتظر أن يغض طرفه عن ذلك ، وهكذا يتفجر النزاع .
3 ـ التحريض :
نشاهد في بعض الأحيان نساءً يعرن آذاناً صاغية لبعض الأفراد الماكرين ويتأثّرن بأحاديثهم المعسولة التي تحوي في داخلها السم الزعاف ، وإذا بالزوجة تتغير تجاه شريك حياتها ، وإذا بالزوج يتغير تجاه زوجته ، كل هذا يحصل جراء حديث تافه كأن يقول أحدهم للمرأة مثلاً : يا للأسف لحياتك التي تضيع هباءً مع هذا الرجل وكان من الأجدر بك أن تعيشي مع رجل له كذا وكذا ومعه كذا وكذا وغير ذلك مما يترك آثاره السلبية لدى المرأة وبالتالي يظهر الفتور في حياة الزوجين وعلاقاتهما .
4 ـ الطموح والاختبار :
نصادف أحياناً نوعاً من المشاكل التي تظهر جراء الاختبار ومحاولة أحد الزوجين امتحان الآخر ووضعه على المحك ومعرفة مدى الأهمية التي يضمرها له ، وفي هذه الحالة فإن عدم تحقيق واحدة من تلك الطموحات سيضرب القاعدة والأساس في الصميم وبالتالي يعرض مصير الأسرة للخطر . وينبغي في مثل هذه الحالات أن يتصرف الطرف الآخر بلباقة إذا لم يمكنه تحقيق طموح شريك حياته .
5 ـ الإرهاق الناشئ عن العمل :
تنشأ بعض الإختلافات بسبب شعور أحد الزوجين بأن شريكه لا يقدر مدى ما يعانيه من تعب وإرهاق في سبيل تحصيل لقمة العيش فهو يشعر على الأقل بأنه وحيد دون سند أو حتى تشجيع ، وفي هذه الحالة تتراكم في أعماقه المشاعر الدفينة والعقد التي سرعان ما تنفجر لسبب أو آخر على صورة نزاع أو خلاف حاد كفرصة للانتقام .
6 ـ عدم التحمل :
لقد سبق وأن أشرنا إلى هذه النقطة ، حيث يوجد الكثير من الأفراد ، بسبب التربية الخاطئة ، لا طاقة لهم على التحمل والصبر ، فهم يطمحون إلى العيش في دلال دائم يتطلب من الطرف الآخر المراقبة المستمرة وتنفيذ كل رغباته ، وهو أمر لا يمكن توفره دائماً لدى الطرف الآخر ، أو ربما يتوفر لبعض الوقت ثم يفتر أو ينعدم ، وفي هذه الحالة يثور الطرف المدلّل مطالباً بحقه .
7 ـ عدم تفهم الطرفين بعضهما :
وأخيراً فإن أحد بواعث النزاع الذي يعصف بالحياة الزوجية هو غياب التفاهم وعدم إدراك الزوجين بعضهما البعض . وقد تنشأ هذه الظاهرة من جراء الاختلاف الكبير في العمر أو المستوى الثقافي ، الأمر الذي يضع كلاً منهما في واد بعيد عن الآخر ، فهذا ينشد السفر والمرح وذاك ينشد التحقيق
والبحث . وهذا « التناقض » ـ إذا صح التعبير ـ سيدقّ اسفينه في الحياة الزوجية .
وفي هذه العجالة يمكن إضافة بواعث أخرى لدى الطرفين ، كوجود حالة من الطفولة ، الخوف من الحياة ، الهروب من المسؤولية الممارسات الفظّة . . الخ .
عوامل تضاعف من حالات الطموح :
ما أكثر العوامل التي تنفخ في بالون الطموح وتبعده عن أرض الواقع ، فمثلاً التطلع إلى حياة الآخرين خاصة أولئك الذين يعيشون في بحبوحة من العيش ، إضافة إلى ما تشيعه بعض أجهزة الإعلام بمختلف وسائل التعبير من ثقافة منحرفة ، عن دنيا الخيال وعالم العناد الذي يبعد الإنسان ويجعله يعيش في دوامة من الخيال التي تحرفه عن الطريق .
بحث في الطموحات :
إن الطموحات التي تنشأ في ظل الزواج أمر لا يعترض عليه أحد ، بل أن الحياة الزوجية الخاوية من الطموح لا معنى لها ، ولكن الحديث هنا عن حدود الطموح ومدى منطقيته ، ذلك أن بعض الطموحات التي تخرج عن دائرة المعقول لها آثار سلبية تهدد نفس الحياة الزوجية بالدمار .
أن تطمح المرأة مثلاً لأن يجسد زوجها دور العاشق دائماً أو أن يطمح الرجل في رؤية زوجته تلعب دور الأم في تدليله على الدوام ، إن مثل هذه الطموحات هي حالة طفولية بعيدة عن التفكير الناضج .
صحيح أن الزوجين بحاجة إلى قدر من الأمومة والأبوة في التعامل ، شرط أن لا تتعدى الحدود المعقولة .
ضرورة كبح جماح الرغبات :
تحتاج الحياة الزوجية إلى قدر من القناعة وضبط النفس أمام الكثير من الرغبات التي لا يمكن تحقيقها ، وهذه الحالة مطلوبة من المرأة في كثير
من الأحيان خاصة إذا كان زوجها محدود الإمكانات ، حيث سيساعد ذلك على حل الكثير من المشكلات وتذليل العديد من العقبات التي قد تعترض طريق الحياة الزوجية .
إن التمتع بالحياة الزوجية لا ينشأ في ظل الطموحات العريضة والملوّنة ، بل أن الطموحات التي تخرج عن حدها قد تصدّع الحياة المشتركة وتصيبها بالشلل ، إن الحياة المشتركة تتطلب من الإنسان أن يكون واقعياً في طموحه ، صبوراً في تحقيق ما يصبو إليه ، وتتطلب منه السعي المتواصل دون كلل أو ملل .
الفصل الثالث
الشكوك وسوء الظن :
الزواج في حقيقته نوع من الاتصال والاتحاد بين عالمين مختلفين وحياتين لهما خصائص مختلفة . والزواج لا يعني إلغاء خصائص الزوجين ، بل يعني التمتع بالحياة سوية والشعور بالاستقرار والطمأنينة في ظلال من الحياة المشتركة .
ولذا فإن مثل هكذا حياة ينبغي أن تنهض على أساس من الحب المتبادل والصفاء والتفاؤل وإلا فلا يمكن لها الاستمرار بسلام .
من المشاكل التي تعترض الحياة المشتركة هو التشاؤم وسوء الظن الذي يهدد السلام العائلي بالخطر ؛ ذلك أنه ينسف في بدايته عرى التفاهم ، وبالتالي يفجر الصراع .
صور من سوء الظن :
ينجم عن سوء الظن بروز حالة النزاع الزوجي في الأسرة من خلال بعض العلل والأسباب ؛ فمرة يظهر سوء الظن في الجانب الاقتصادي ، حيث يشعر أحد الطرفين بأن الآخر يخفي هذا الجانب دونه ، فقد تظن المرأة ـ مثلاً ـ بأن زوجها يتقاضى مرتباً أكثر بكثير مما يعلن عنه وأنه ربما يدخره أو يصرفه في موارد لا علم لها بها .
ومرة يظهر الشك في جانب آخر يرتبط بالعفة وطهارة الثوب ، في حين ليس هناك سوى الشك فقط الذي ينجم عادة عن الغيرة .
ومرة يبرز سوء الظن عن الإحساس بالتآمر حيث يشكّك أحد الطرفين
ويظن بأن الآخر يتآمر عليه ، وأنه قد يستهدف القضاء عليه . وعندما نتعمق في داخلها لا نجد سوى الحب الذي يضيع خلف ركام من عدم التفاهم وعدم إبراز هذه العواطف المتبادلة والود المشترك .
الآثار المدمرّة :
للتشاؤم في جميع صوره آثاره المدمرة في الحياة الزوجية ، وقد يجرّ في بعض الأحيان إلى الطلاق وانهيار الأسرة أو قد يعصف بسمعة أحد الطرفين الذي يجد نفسه في موقف صعب لا يمكنه فيه من رد الاعتبار إلى كرامته المهدورة .
إن سوء الظن ينسف أول ما ينسف أساس الاتحاد بين الزوجين ويفقدهما القابلية على الاستمرار ، إذ يتجلى ذلك من خلال الأحاديث الخاملة والتعبير عن الاحتقار ورؤية الحياة من خلال منظار مظلم وأنها مليئة بالآلام التي لا يمكن علاجها .
من الأخطار الأخرى التي قد تنجم عن سوء الظن هو زوال الإحساس بالعزة والكرامة مما يجعل حياة الزوجين في معرض خطر داهم ، إذ أن الحياة الزوجية تتطلب من كلا الطرفين حماية الطرف الآخر ، وحالة سوء الظن تعني زوال هذا الجانب وانكشاف الواقع إذا صح التعبير .
بواعث الشك :
من الضروري الإشارة إلى الأسباب والبواعث التي تمكن وراء الشكوك وإساءة الظن ؛ وعلى أساس البحث ـ من خلال رسائل الشباب وبعض وجهات النظر يمكن الإشارة إلى ما يلي .
1 ـ التسيّب :
قد يبدو الزوجان من خلال المعاشرة مع الآخرين في حالة من التحلل وعدم الالتزام ، خاصة لدى حضورهما معاً في المحافل العامة ، وخاصة في أحاديثهما أو إطلاق الضحكات التي تجعلهم محلاً للإنتقاد ، وقد يبدو أنهما متساهلان في ذلك ، ولكن التراكمات تتجمع في الأعماق مما تولّد الحقد الذي يظهر في أول فرصة مناسبة .
2 ـ الغيرة :
وهي أحد عوامل سوء الظن والشك ، إذ أنها تضخم الرؤية لدى أحد الطرفين وتجعله يرى الأشياء في غير ما هي عليه مما تدفعه إلى تعنيف الطرف الآخر بشدة متّهماً إياه بالعمل على تدمير الحياة الزوجية .
3 ـ الأنانية والمغامرة :
يعاني بعض الشباب من استمرار حالة الطفولة ، ولذا فإنهم يتصرفون كما لو كانوا أولاداً طائشين ، فبمجرد ما تصور لهم أوهامهم شيئاً تتأجّج في أعماقهم روح المغامرة ، ومن ثم يبدأ النزاع الذي يحاول البعض ـ ومع الأسف ـ تصعيده إطلاقاً من لؤمهم وانحطاط نفوسهم .
4 ـ السرية في العمل :
قد يشعر الرجل أو المرأة بوجود أعمال في الخفاء ، الأمر الذي يثير الشكوك لديهما . وعندما تتجذر حالة الشك في النفس تتحول إلى سوء ظن مزمن يفسر الأمور على غير حقيقتها ، وبالتالي يفجّر حالة الصراع .
5 ـ الأمراض :
المراد من الأمراض هنا الأمراض النفسية بصورها المتعددة ، فهناك حالة الوسوسة التي قد يعاني منها الرجل أو المرأة فيجرّ حياتهما المشتركة إلى الشقاء ، وهناك الضعف العصبي ، أو بعض العقد القديمة التي تعود إلى أيام الطفولة ، وكل ما يجعل الروح تعيش في حالة من الضيق بالآخرين والتشكيك بهم .
6 ـ الحرمان :
قد ينشأ سوء الظن كنتيجة لحرمان تعرض له أحد الزوجين في فترة سابقة وتولّد لديه إحساس بالمرارة ، وهزّ جميع الثوابت في أعماقه ، فإذا به يشكك في كل شيء ، وإذا به يحاسب زوجه حساباً عسيراً من أجل شيء تافه .
7 ـ وضع القيود :
يحاول البعض وضع القيود في أيادي أزواجهم ، بحيث يشلّهم عن الحركة ، بل وحتى التنفس في جو صحي ، مما يدفع بالطرف المقابل إلى الشعور باستحالة استمرار الحياة الزوجية بهذه الوتيرة ، ومن ثم التمرد ومحاولة التخلص من الوضع المهين والمذلّ .
وأخيراً وليس آخراً ، ينشأ سوء الظن بسبب تدخل بعض العوامل الخارجية من قبيل تحريض بعض الأعداء المتلبسين بثوب الصداقة ، ومع الأسف فإن مجتمعنا يعج ببعض الأفراد الذين لا يمكنهم تحمل رؤية سعادة واستقرار الآخرين ، فيحاولون توجيه ضرباتهم المسمومة للإطاحة بالأسر السعيدة . ولو كان هناك أقل يقظة من جانب الزوجين لما أمكن لهؤلاء المنحطّين أن ينجحوا في تآمرهم الدنيء هذا .
وهناك أسباب أخرى تنشأ عن رتابة الحياة ، التدخل في الشؤون الخاصة ، المراقبة المستمرة ، الإهمال ، الإهانة ، والتعنيف الدائم ، وغير ذلك .
نشوب النزاع :
يبدأ النزاع بسبب بعض التفاصيل الصغيرة ، وسرعان ما تتجذر هذه الحالة لتتخذ شكلاً أوسع في المستقبل ، يصعب علاجها حينئذ . فالشقاء يبدأ مع المحاسبة المستمرة حتى لو كانت حول بعض التفاصيل ، ولكنها في النهاية تعكر من صفاء الأجواء في الأسرة ، في حين يمكن حل الكثير من المسائل في جو من التفاهم وفي ظلال من الاحترام .
هناك بعض المسائل التي تواجه صمتاً من جانب وإهمالاً من جانب آخر ، غير أنها تتجذر في الأعماق وتنمو لتشكل فيما بعد تهديداً خطيراً للكيان الأسري . ولذا ينبغي أن يتمتع كل طرف بقدر من ضبط النفس تجاه تجاوزات الطرف الآخر ، وأن يقابل الإساءة بالإحسان وإلا فإن التصادم سوف يحطم الاثنين معاً ويقودهما إلى هاوية الطلاق .
ضرورة التخلص من سوء الظن :
يعتبر الإسلام في طليعة المذاهب التي تندّد بسوء الظن وتدعو إلى اجتثاثه من النفوس ، خاصة في الحياة الزوجية ، ويدعو الزوجين إلى الاستمرار في الحياة المشتركة في ظلال من الطمأنينة والثقة المتبادلة .
إنها حالة صبيانية أن يعجز شخصان عن التفاهم فيما بينهما حول المسائل ذات الهم المشترك . إنني أخاطبكم أيها الشباب ، باعتباركم مسؤولين عن تربية الجيل القادم . إن هذه المسؤولية تتطلب منكم شعوراً يسمو بكم عن توافه الأمور . وإن عجزكم عن التفاهم يعبّر عن عدم أهلّيتكم لاحتضان الجيل وتربيته .
وهل كان الهدف من ارتباطكم المقدس هذا هو صنع هذا الجحيم من الحياة ؟! وهل ـ حقاً ـ لا توجد سبل لحل الخلاف الزوجي ؟! إن الزواج يعبّر عن تخطّيكم الكامل لحياة الطفولة ودخولكم عالم المسؤوليات بكل تشعباتها التي تحتاج إلى تفاهمكم وتعاضدكم وحل جميع المشاكل في جو من الهدوء لكي تكونوا أفراداً صالحين ونافعين في مجتمعكم وبلادكم .
طريق الخلاص :
وفي محاولة للتخلص من حالات الشك وسوء الظن يمكن الإشارة إلى بعض السبل ، وهي كما يلي :
1 ـ الالتزام بحدود الإنسانية :
إن الحياة الزوجية تعني في أقل التقادير تعاقد إنسانين على الحياة معاً وتحت سقف واحد ؛ وهذه الحياة المشتركة تتطلب التزاماً ببعض العهود منها ما يحدده الدين والعرف ومنها ما يحددها الإنسان بنفسه . وعليه فإن أقل ما يمكن رعايته من جانب الزوجين هو احترام الأعراف في ما يخصّ العلاقات الزوجية .
2 ـ رعاية العفّة :
وهي في الواقع الحجر الأساس في البناء الأسري ، إذ أن الزوجين
على السواء ملزمان أمام الشريعة باحترام هذا الجانب الحساس في الحياة وعلى جميع الأصعدة ، فالعفة تشمل الحديث والمعاشرة وطهارة الثوب وغير ذلك من الأمور .
وعليه ، يتوجب على كلا الزوجين الابتعاد عن كل ما من شأنه المساس بهذا الجانب من قبيل الافتراء والبهتان وظن السوء ، وأن عليهما الاهتمام ببعضهما وتقاسم حلاوة الحياة ومرارتها .
3 ـ التثبت في الأمور :
ما أكثر الأفراد الذين يصغون إلى أحاديث الإفك فيتأثرون بشدّة ، وتنشأ في نفوسهم حالة من سوء الظن والشك الذي قد يترتب عليه المواقف الخطيرة وقد كان من الممكن تفاديها بقليل من التثبت والرويّة .
إن أي قرار متسرع دون بحث وتفحص لا بد وأن ينتهي إلى نتائج وخيمة لا تحمد عقباها ، وهو إن دل على شيء فإنما يدل على ضعف في الشخصية وإحساس بالمهانة .
4 ـ تدبر الأمور :
لا توجد مسألة أو مشكلة لا يمكن حلها من خلال التدبر ، والمطلوب هنا هو تحكيم العقل وإقصاء العاطفة جانباً والتأمل في المشكلة بكل موضوعية بعيداً عن الأنانية وسوء الظن ، وفي هكذا شروط سوف تظهر الحقيقة واضحة جلية .
5 ـ بناء النفس :
يتحول الفرد أحياناً ، بسبب خطأ أو انحراف أو حتى مجرد الإحساس بذلك ، إلى إنسان يسيء الظن خاصة عندما يجد تأييداً لدى الآخرين . إن الحياة الزوجية تتطلب من الإنسان أن يعتبر نفسه ناقصاً وبحاجة إلى التكامل . وهذا التصور يجنّب الإنسان الخطأ الناجم عن الشعور بصحة تصرفاته ، لأنه إذا ما شعر الإنسان بأنه غير كامل وأنه يعاني من نقص مستمر ، توقع احتمال الخطأ من نفسه ، وبالتالي يصون هذا الشعور الإنسان من العناد واللجاجة في الرأي ويدفعه إلى نشدان الحق والبحث عن الحقيقة .
6 ـ حسن النية :
من ضرورات الحياة المشتركة أن يتمتع الزوجان بحسن النية دائماً في مشاعرهما وممارساتها ، فإذا كان هناك خلل ما في توفر بعض مستلزمات الحياة في المنزل فيجب أن لا يفسّر هذا على أنه نوع من إلحاق الأذى ، وإذا حدث وضحك أحدهما في غير مناسبة فعلى الآخر أن لا يتصور بأنّها موجهة ضده .
إن الحياة الزوجية ، خاصة لدى الشباب ، تحتاج إلى حسن في النوايا وتعاضد في الأعمال ، وإلا فإن روحيهما ( أي الزوجين ) ستكونان نهباً للقلق ، وحياتهما عرضة للتزلزل .
7 ـ استعراض الحقائق معاً :
في الحياة المشتركة ينبغي أن يكون حصة العقل أوفر حظاً من حصة القلب ، حيث يمكن ، ومن خلال مناقشة بعض الحقائق معاً ، تلافي احتمالات الإخلال بالصفاء الزوجي ، ويتطلب هذا الأمر إصغاء الطرفين لبعضهما مع الأخذ بنظر الاعتبار بعض الضوابط الفكرية ، وإلا فإنهما سيضطران إلى اعتماد أساليب بعيدة عن المنطق في حديث لا يمتّ إلى أرض الواقع بصلة أو جذر ، مما يؤدي إلى توتر العلاقات في الحياة الزوجية .
8 ـ تقبل القيود :
إنكم لم تعودوا أطفالاً أحراراً كما كنتم بالأمس . إن الحياة الزوجية هي شكل من أشكال الحرية المقيدة والمشروطة ، يتقلبها الزوجان كأساس للحياة المشتركة ، وهي علاوة على كونها شرطاً في الحياة الزوجية فإنها تعمل على تهذيب الإنسان وتشذيب أخلاقه في المعاشرة والصحبة من خلال بعض الضوابط والقواعد التي تصبّ في النهاية في مصلحة الزوجين بما يعزز من أمن واستقرار الأسرة .
الفصل الرابع
الرغبات :
الحياة هي المحاولات والسعي المتواصل ومجموع الأحلام والطموح لتحقيق الأهداف .
يمر عهد الطفولة وتنقضي أيامه الزاخرة باللهو واللعب والخيالات الجميلة التي تنشأ من خلالها استعدادات الإنسان في المستقبل وتوجهاته . . ولكن البعض يتصرف في حياته وكأنه ذلك الطفل الذي يسعى من خلال خيالاته أن ينال القمر .
إننا لا نطرح خطاً صارماً للحياة ، إذ من الممكن الخروج هنا أو هناك عن المسير المعين للحياة ، ولكن المفروض هنا هو ذلك الجنوح في الخيال بعيداً ، لأنه يضاعف من أخطار السقوط .
الحياة المشتركة والرغبات :
ما أكثر الرغبات التي تقود إلى المصائد وتجعل طعم الحياة مراً ، وهذه المسألة تكاد تكون عامة تشمل كل نواحي الحياة إلا أنها تتجلى واضحة جلية في الحياة الزوجية .
إن الوقوع في أسر الرغبات وإتباع الشهوات واللهاث وراءها وتجاوز الحدود القانونية التي رسمها العقل والشرع من أجل سعادة الإنسان واستقراره ، إن تجاوز هذه الحدود سيتسبب في اضمحلال الحياة الزوجية وانهيارها .
وما أكثر الخلافات والحساسيات ، وبعبارة أكثر صراحة ما أكثر
الانحرافات التي تطبع حياة البعض من الرجال أو النساء والتي تؤدي إلى انهيار الحياة المشتركة عن حسن نية .
نعم ، نحن نؤمن بأن بعض المراحل من عمر الإنسان تقتضي التظاهر ومحاولة إلفات نظر الآخرين ، ولكن ـ وبعد أن يخطو الخطوة الأولى في دنيا الحياة المشتركة ـ عليهما الالتزام بالضوابط الإلهية وتوظيف هذه الموهبة الإلهية في دائرة الشرعية التي يحددها الدين .
مسألة الهدى :
أن تكون الحياة زاخرة بالأحلام الملوّنة والأماني الجميلة أمر لا يعترض عليه أحد ، ولا يدعي أحد كذلك بأن على الإنسان إذا ما وصل إلى سن البلوغ أن يقضي وقته بالعبادة والدعاء ، بالرغم من أن دائرة العبادة من وجهة نظر الإسلام تسع جميع الأنشطة الإنسانية التي تحظى برضا الله سبحانه ، حيث تعتبر بعض الأفعال كالأكل والنوم وحتى الممارسة الجنسية في حالات معينة عبادة يثاب عليها الإنسان .
إن ما يرفضه الدين هو الانقياد إلى الهوى وإتباع الشهوات والوقوع في أسر الرغبات . بعبارة أخرى سقوط الإرادة ووقوع الإنسان في أسر الأهواء النفسية .
فالذي لا يملك سلطاناً على عينيه ولسانه وأذنيه ، والذي لا يمكنه ضبط نفسه من الرغبات ، لا يمكنه أن يتمتع بشخصية متماسكة متينة ، وبالتالي يعرّض سمعته وطهارة ثوبه إلى الخطر .
الأخطار :
متعددة هي الأخطار التي تنجم عن الوقوع في أسر الشهوة والانقياد إلى الهوى .
1 ـ المعاشرة والانحراف :
تخضع المعاشرة من ناحية إسلامية لضوابط محددة ، فالإنسان المسلم
مقيد بحدود معينة تنظم علاقاته مع الآخرين ، فهناك مسألة المحارم مثلاً كأبرز ضابطة شرعية تنظم علاقات الرجل والمرأة ، إذ ليس من حقنا أن نمزح مع أي كان أو نجالس أيّا كان أو نتحدث مع من نشاء .
إن بعض النزاعات التي تعكر من صفو الحياة الزوجية إنما تنشأ بسبب إهمال هذه الضوابط ، إذ أننا نجد البعض ـ رجلاً أو امرأة ـ يقيم علاقات محرمة مع بعض الأفراد في نفس الوقت الذي يقوم فيه بتقطيع كل الأوامر مع زوجه ، ولا تستمر الحال هكذا إذ سرعان ما تتحطم حياة كل منهما وتذهب أدراج الريّاح .
2 ـ الاشتراك في الحرام :
عادة ما تقود الشهوات إلى الوقوع في الحرام ، وبالطبع تكون البداية حضور الحفلات المحرمة التي تلوّث الإنسان تدريجياً ثم سرعان ما يجد المرء نفسه في أحضان الرذيلة ، وبمرور الأيام يزيّن رفاق السوء له هذه الحياة فيفضّلها على حياة الزواج والجو العائلي ، وعندها يولّي ظهره لزوجته ولأبنائه ويتضاعف الخطر عندما يدمن ذلك الإنسان على القمار أو الشراب أو تعاطي المخدرات إذ لا يكون همّه سوى الحصول على المال عن أي طريق ، وعندها تتهاوى الأسرة وتتحول إلى مجرد أنقاض آدمية .
3 ـ التجمل والزينة :
يحث الإسلام على أن يتزين الزوجان لبعضهما ويظهرا بالمظهر اللائق ، وفي مقابل ذلك وضع الإسلام حدوداً لذلك تمنع من الإفراط الذي يقود إلى السقوط الأخلاقي ، وذلك عندما يتحول الرجل أو المرأة إلى العوبة أو دمية تقلّبها عيون الناظرين .
فالإسلام يمنع لباس الشهرة أو أن تتزين المرأة ثم تخرج من دارها . الإسلام يمنع المرأة من التبرج لغير زوجها أو أن تتعطر ثم تخطر في الشوارع ، كل هذا من أجل صيانة الإنسان أخلاقياً وحمايته من السقوط أو الوقوع في شباك الشبهات .
إن رعاية هذه الضوابط ضرورية في حياة المجتمع لكي يبدو أكثر طهراً أو صفاء . إن المهم في حياة الإنسان ليس جماله الظاهري بل نقاء الباطن وصفاؤه وسلامة الفكر والروح .
4 ـ حب حتى العبادة :
يعيش بعض الشباب هاجس الطفولة بالرغم من تخطيهم ذلك السن وعبورهم تلك المرحلة ، فهم ينشدون من أزواجهم ـ مثلاً ـ حباً عنيفاً يصل درجة العبادة ! وأي ( تقصير ) أو إهمال قليل في تلك ( الطقوس ) يجعلهم يشعرون بالمرارة والحزن والألم ، الذي سرعان ما يفجر حالة من العدوانية والتنازع .
وينبغي على من يعاني من هذه الحالة أن يخلو إلى نفسه قليلاً في محاولة لاستكشاف الباطن وتصفيته من تلك الميول اللامعقولة .
بواعث تلك الرغبات :
هناك من الأسباب والبواعث ما لا يمكن حصرها إلا أننا نذكر أهمها وهي كما يلي :
ـ غياب النضج الكافي واعتماد العواطف .
ـ انعدام التجارب الحياتية وغياب الرؤية الصحيحة .
ـ الإحساس بالرتابة المملة والرغبة في خوض تجربة جديدة .
ـ استمرار حالة الطفولة .
ـ اللامبالاة وعدم الالتفات إلى المسائل العميقة للحياة .
ـ تناسي الهدف من وراء الحياة .
وأخيراً الوقوع في أسر الحياة العابثة واللهاث وراءها .
الرغبات والحساسيات :
إن السقوط في أسر الأهواء له آثاره المدمرة التي تطال الزوج وشريك حياته .
إن أكثر الممارسات التي تنبعث عن الحساسية تضاعف من الآلام ، ذلك أن الرجال الذين يغارون على زوجاتهم ، وكذلك النساء الغيورات ، لا يمكنهم السكوت تجاه أزواجهم حتى لو اقتصر الأمر على مجرد ابتسامة لشخص ليس من المحارم .
ومن وجهة نظر شرعية فإن حدود علاقاتنا مع الآخرين واضحة تماماً ، وفي ما يخص الزي الذي نرتديه فمسألة قد يدخل العرف في تحديدها أيضاً في حدود يرسمها الشرع ايضاً ، وأن كل أمر يؤدي إلى إثارة الظنون أو الشبهات أو يعتبر مقدمة للإنحراف والسقوط هو حرام ، ذلك أن مقدمة الحرام حرام أيضاً ، كما تقرر ذلك القواعد الشرعية .
ضرورة مراجعة النفس :
ربما يغفر الله ما ارتكبناه من ذنوب في حياتنا الماضية شرط أن نعود إلى أنفسنا ونفكر فيما ينبغي أن نفعله مستقبلاً . إن العودة إلى النفس ضرورية لأسباب منها :
ـ تحقيق حالة من الطمأنينة من خلال السعي إلى التكامل الروحي .
ـ إن أبناءنا بحاجة ماسة إلى آباء وأمهات في مستوى المسؤولية .
ـ إن الأفراد في المجتمع الإنساني مسؤولون أمام بعضهم البعض ، كل حسب موقعه ، لتحقيق حالة من الاستقرار والسعادة .
إذن فنحن في حالة من الحركة ينبغي علينا خلالها الالتفات إلى أنفسنا والانتباه إلى ممارساتنا وأعمالنا والسعي الدائم لتجنب السلوكيات المنحرفة والضارة ، نصلح ما اعوجّ منها ونعتبر بما يواجهنا من خطر .
إن التهافت على الشهوات والرغبات سيمنعنا من الوصول إلى نبع السعادة ، ولذا فإن علينا أن نعزز من سلطة العقل ، وأن نحدد ما استطعنا من نفوذ العاطفة ، ذلك أن الحياة تحتاج في إدارتها العقل لا العواطف والأحاسيس .
المراقبة :
الزواج هو عهد المسؤولية وزمن الحساب ، فلقد ولّت حياة الضياع ، ودخل الزوجان عالماً جديداً ودنيا جديدة يتحمل فيها الطرفان الأعباء سوية ، ويتقاسمان فيها المسؤوليات كلّ حسب إمكاناته وقابلياته التي أودعها الله فيه .
ولذا فإن تواجدنا في المنزل في ساعة معينة لا يعتبر منقصة لنا ، وكذلك فإن خروج المرأة من المنزل ينبغي أن يتم بموافقة زوجها حفظا لها وصوناً لعفّتها وسمعتها . فالرجل يعتبر زوجته رمزاً لكرامته ، وهو المسؤول الأول عنها . لذا فقد ورد في الأحاديث إن الملائكة ما تزال تلعن المرأة التي تخرج دون إذن زوجها حتى تعود .
احترام الحقوق ورعايتها :
قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) : « أعظم الناس حقاً على المرأة زوجها » [1] ، وقال ( صلى الله عليه و آله ) : « ما زال جبريل يوصيني بالمرأة حتى ظننت أنه لا ينبغي طلاقها » [2] .
من بواعث النزاع في الحياة الزوجية هو انعدام تلك العلاقة الصميمية والمودة بين الزوجين ، في نفس الوقت الذي ينفتحان فيه على الآخرين بعلاقات غير صحيحة مما يؤثر سلباً في نفسيهما ويضاعف لديهما العقد .
التعفف :
تعتبر المحافظة على العفة واحدة من أنجع الوسائل والسبل في منع وقوع النزاع بين الزوجين . إن صيانة النفس عن الانحراف والوقوع في الحرام هو من خصال العفة وطهارة الثوب ، فالزينة والتجمل مطلوب على أن ينحصر ذلك بين الزوجين فقط .
قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) : « أيما امرأة استعطرت فمرّت على قوم ليجدوا منها ريحها هي زانية » [3] .
ينبغي أن تكون العلاقة بين الزوجين علاقة صداقة وحب ، كما أن هدف كل منهما أن يكون صاحبه ملكاً خالصاً له لا يفكر بغيره ولا ينظر إلى سواه ، وفي هذه الحالة فإن التجمل والزينة والمعاشرة الحرة مع الآخرين سيلقي ـ شئنا أم أبينا ـ ظلاله السوداء في القلوب ويكون باعثاً على سوء الظن مما يؤدي بالتالي إلى إضعاف واضمحلال العلاقة الزوجية .
إن العفة والتعفف ، وإضافة إلى ما ذكرنا ، حصن حصين يحمي الإنسان من الوقوع في شباك الماكرين المنحرفين الذين لا همّ لهم سوى استغلال بعض الثغرات والولوج إلى حرم الحياة الزوجية وتلويثها ، وبالتالي تدميرها ، وعندها لا ينفع ندم النادمين .
التعاليم الإسلامية :
من مزايا الإسلام الحنيف أنه يعيش مع الإنسان جميع لحظاته وسكناته ، وهو كالبوصلة التي تشير دائماً إلى الاتجاه السليم ، حيث يبدأ عملها منذ اللحظة الأولى للقيام بعمل ما ـ أعني منذ انعقاد النية ـ ولذا نشاهد أن الإسلام ـ مثلاً ـ لا يجيز لنا القيام بعمل من شأنه أن يضعنا في موضع الشبهات ويثير سوء الظن حولنا .
وفي هذا المضمار تؤكد وصايا الإسلام اجتناب كل الأعمال التي تؤدي إلى تفجر النزاع في الحياة المشتركة وضياع كل الجهود في مهب الرياح .
علينا أن نفكر وأن نضع أنفسنا مكان أزواجنا عندما نريد القيام بعمل ما ، فإننا وإن تمكنا من استغفال أزواجنا في ذلك فإن الله سبحانه هو شاهد على جميع أعمالنا .
الفصل الخامس
عقدة التفوق :
يطمح كل إنسان إلى حد ما لأن يرى نفسه متفوقاً حتى لو استدعى الأمر أن يعيش في عالم الخيال الجميل ، ومن خلال ذلك يخامره شعور بالعظمة التي تبعث في نفسه الفرحة والأمل بالحياة .
ولكن ما يبعث على الأسف أن البعض من الناس يتجاوز الحد إلى فرض هذه الرؤية على الآخرين .
وفي استقرائنا للعلل والأسباب التي تؤدي إلى نشوب النزاع في بعض الأسر ، واجهنا بعض النماذج من الناس الذين يحاولون حتى في إطار الأسرة إثبات تفوقهم المستمر بطريقة أو بأخرى ، فهناك ـ مثلاً ـ التدليل بالثراء أو المستوى العلمي أو حتى بالمناصب والوجاهات لبعض أقاربهم وزجّهم في هذه المسألة لإثبات تفوّقهم أمام أزواجهم !.
وربما يصل الأمر حداً ، ومن خلال الإيحاء المستمر إلى شعور البعض بأنهم قد خسروا الكثير في زواجهم وأن شأنهم ومنزلتهم لا يتناسب والحياة مع هكذا أزواج . ولذا ، ومن خلال هذه التصورات ، يشعر بالحسرة على نفسه ، وفي أحسن الأحوال يتغير شعوره تجاه زوجته فإذا هو ينظر إليها على أنها مجرد سكرتيرة أو خادمة . وقد نرى هذه الحالة المرضيّة لدى المرأة أيضاً إذ تخلط في تعاملها مع زوجها كما لو كان خادماً لديها !.
الأزواج المعقّدون :
تنشأ هذه الحالة بسبب بعض العقد النفسية التي هي في واقعها وليدة
لمرض معين أو تربية خاطئة تسبب في تعكير صفو حياتهم وحياة الآخرين ، وهؤلاء لا يعيشون سوى تلك الهموم التي تجعلهم ينظرون بتشاؤم إلى الآخرين ، فهم يشعرون بالأسف لجهل الآخرين منزلتهم وبقاء شخصيتهم في الظل ، ولذا فهم يشعرون بالوحدة والشقاء الذي تتضاعف حدّته يوماً بعد آخر .
فهم لا يملّون الحديث عن إنجازاتهم وعن ذكائهم الخارق أو عن درجاتهم العلمية أو ثرائهم ، ويودّون أن يتحدث الناس عن مناقبهم لكي يرووا ظمأهم من الزهو بأنفسهم . وقد يصل الحد بهم إلى أن يذيقوا أزواجهم المرارة والعذاب مما يؤدي في النهاية إلى تقويض أركان الأسرة .
وفي التعامل الزوجي :
عادة ما يرى أولئك الأشخاص أنفسهم أكبر من حجمهم ، ولذا فهم يعرضون أنفسهم على أنهم أعلى منزلة من الآخرين ، وبمرور الزمن تتحول أفكارهم تلك إلى نوع من التكبر والغرور فيحاولون من خلال ذلك تحديد علاقاتهم وحصرها في « عالم الكبار » ـ إذا صح التعبير ـ فترى أحاديثهم « بالونية » الحجم والمحتوى . وإذا كانت لديهم إيجابية في صفة أو عمل فإنهم يضعونها تحت المجهر ويسهبون في الحديث عنها ويطنبون .
وقد يتعذر عليهم ذلك خارج الأسرة فيحاولون إفراغ هذه الشحنة وتعويض هذا النقص داخل أسرهم ، مع أزواجهم وأبنائهم ، ويتحدثون عن شأنهم وعلوّ منزلتهم ، فإذا لم يجدوا ما يتحدثون به عن أنفسهم فتحوا دفاتر الأقرباء يقرؤون ويشرحون ، وإذا تطلب الأمر بادروا إلى السحب من أرصدتهم « المصرفية » وتوقيع الصكوك تلو الصكوك .
وهذه الحالة من الزهو التي قد تنشأ في الأيام الأولى من الزواج في محاولة استعراضية ، تجد الزوجة فيها نوعاً من الحديث العذب ، تتسبب في إثارة الصداع لديها إذا ما تكررت وأصبحت عادة متجذرة ، وقد تفسّرها على أنها نوع من الإهانة الموجهة إليها وإلى كرامتها ليجرها بالتالي إلى البحث عن العيوب والمثالب في محاولة للرد بالمثل إذا صح التعبير .
البواعث :
ومن أجل البحث في بواعث هذه الحالة ومعرفة الأسباب التي تكمن وراءها في محاولة للحد منها أو التخفيف من آثارها على الطرف الآخر لا بد من الإشارة إلى ما يلي :
1 ـ الغرور الفارغ :
ربما تدفعنا بعض المجالات الخاصة إلى الإحساس بالغرور الفارغ ، فربما نحصل على ثروة من « إرث » الآباء أو الأجداد ، أو عن طريق آخر كالرشوة أو الاختلاس باسم الحق ثم نظن أن هذه الثروة تجعل لنا حقاً استثنائياً في استرقاق الآخرين ؛ أو نحصل على شهادة علمية ، ربما جاءت في بعض الأحيان عن طريق الغش أو ترديد بعض المعلومات المدرسية ، ثم نرتقي بسبب ذلك منصباً معيناً فنتصور الآخرين أقلّ فهماً وإدراكاً منا وأن عليهم أن يكونوا تابعين لنا في آرائنا وأفكارنا وخططنا دون أن نفكر بأن أزواجنا وأولادنا لا ذنب لهم لكي يكونوا ـ دائماً ـ عبيداً تابعين .
2 ـ حب السيطرة :
من العادات الخاطئة التي تترسب في نفوسنا منذ أيام الطفولة ، وقد ترافقنا إلى نهاية العمر ، هو الدلال الذي اعتدنا عليه في أيام الصغر ، والذي قد يصور لنا الآخرين مجرد خدم لا شغل لهم سوى تلبية طلباتنا .
ومما يزيد الطين بلّة هو استمرارها حتى بعد الزواج إذ نتصور الطرف الآخر خادماً لنا ينبغي عليه أن يلبّي كل ما نطلبه منه ، غافلين عن كونه إنساناً له كرامته وشخصيته التي تأبى عليه أن يكون عبداً لا أهمية له .
وهذه الظاهرة في حقيقتها مرض أخلاقي أو نفسي ينبغي علاجه ، لأن استمرارها ستكون له آثاره المدمرة ، خاصة في الحياة الزوجية .
3 ـ النرجسية والأنانية :
من دواعي الأسف أن الكثير منا ما يزال أسيراً لهوى نفسه يلهث وراء رغباتها ولا يرى شيئاً ولا أحداً سوى نفسه فقط .
وإذا كان لهذا المرض آثاره السلبية في الحياة الاجتماعية فإن له آثاراً مدمّرة في الحياة الزوجية لأنه يتناقض تماماً مع متطلبات الحياة المشتركة والاعتراف بحقوق ورؤى وآراء الطرف الآخر ، ولا يتوقف خطر ذلك على الزوج أو الزوجة بل يمتد ليشمل مصير الصغار أيضاً .
إن الأنانية والنرجسية تجعل الحياة ضيقة خانقة بالنسبة للأزواج الذين قد يتحملون ذلك لاعتبارات عديدة ولكن مع تحمل الآلام والمرارة إضافة إلى سقوط شخصية الأنانيين في نظر أزواجهم ونظر الجميع .
4 ـ الشعور بالنقص :
قد يكون التكبر نتيجة للشعور بالنقص ، وفي محاولة لتعويض ذلك يجنح الإنسان للسير في خيلاء مصعّراً خده للآخرين ، في حين يعاني في أعماقه خواءً وإحساساً بالحقارة .
ولعل للأزمات التي تعصف في حياة بعض الناس وعجزهم عن الدفاع والمقاومة دوراً في ظهور هذه العقد في نفوسهم ، وتؤدي بهم في النهاية ـ وفي محاولة التعويض عن هذا الإحساس ـ إلى الميل للتكبر والاستعلاء على الآخرين . وعادة ما يعاني المتكبرون من خواء نفسي وشعور بالمهانة يتحمل آلامها أولئك الذين يرتبطون معهم برباط الزواج ، إذ عليهم أن يتحملوا ألواناً من الممارسات المعقدة التي تشف عن تلك المشاعر المريضة .
أما أولئك الذين يتمعتون بغنىً روحي فعادة ما يكونون على جانب كبير من اللياقة التي تؤهلهم لإدارة أنفسهم وجلب احترام الآخرين لهم .
تقييم الذات :
القليل من الناس من يعرف قدر نفسه ويتصرف على ضوء ذلك ، بينما يخطىء الكثير في تقييم ذواتهم أو يرونها بغير حجمها الطبيعي ، الأمر الذي يؤدي إلى ظهور عقدة الغرور .
وفي الحياة الزوجية تتجلى ضرورة الرؤية السليمة للطرفين لنفسيهما
ولكل منهما ؛ والأساس في ذلك أن تستند تلك الرؤية إلى الاحترام الكامل للطرف الآخر على أساس إنسانية الإنسان .
ولا مجال هنا لأي محاولة أو سعي لإثبات خطر التفوق والشعور بالاستعلاء الذي يهدد سلامة الحياة الزوجية .
إن حلاوة الحياة المشتركة هي في تلك الألفة والمودة التي تربط الطرفين بوشائج متينة حيث تذوب جميع الفروقات بينهما في اتحاد فريد . وعندما يبدأ الزوجان في المقارنة بينهما عندها تقرأ الفاتحة عليهما وعلى حياتهما معاً .
ومن الخطأ الجسيم أن يحاول المرء توظيف موقعه ـ مهما بلغ من العلو ـ في علاقاته مع زوجه وشريك حياته ، أو يسعى إلى تحقير الطرف الآخر الذي يجد نفسه مضطراً للبحث عن عيوبه وبثّها هنا وهناك .
ضرورة التغيير :
إن مصلحة الحياة الزوجية تتطلب من الزوجين البحث عن السبل التي تؤدي إلى الاتحاد بينهما والتضامن بروح المحبة . ينبغي عليهما أن يلاحظا ذلك في أحاديثهما ، وفي طريقة تفكيرهما ومواقفهما . ينبغي أن يكون سلوكهما باعثاً على الأمل في الحياة والمستقبل .
أية لذة يجنيها الزوج الذي يحوّل زوجه إلى إنسانة تشعر بالحقارة والمهانة والصغار من أجل أن يروي ظمأه وتعطّشه للتفوق والاستعلاء ؟! وأي مجد سيحصل عليه إذا جعل من زوجه بوقاً يسبح بحمده وثنائه ليل نهار ؟!.
نعم إن الرجل سيد الأسرة ، ولكن عليه أن يعي مسؤوليته جيداً في إدارة الأسرة كهمّ كبير ، لا كمنصب يستعدي التفاخر والاعتداء ..
إن أدبياتنا كمسلمين تدعونا ـ ومن أجل إسعاد الآخرين ـ إلى أن ننأى بأنفسنا عن كل أشكال الأنانية ، والعمل بكل ما من شأنه أن يفيد المجتمع ويجعل الحياة فيه بسيطة وجميلة .
طريق الحياة المشتركة :
أن يتجمل الزوجان لبعضهما أمر حسن ولا يحتاج إلى بحث أو نقاش ، وأن يكون أحدهما في نظر الآخر عزيزاً غالياً ـ هو الآخر ـ لا غبار عليه . ومن وجهة نظر الإسلام كنظام اجتماعي يحث المرء بعد الارتباط بالزواج أن ينظر إلى شريكه في الحياة على أنه المعشوق الوحيد في هذا العالم .
على أن هذا لا يستدعي التمثيل والتظاهر بل ينبغي أن تكون العلاقات صميمية يسودها الصفاء والسلام . ينبغي أن يكون هناك تعاون في كل شؤون الحياة .. أن تكون هناك مشاركة مخلصة بين الزوجين وتقاسم للحياة بكل حلاوتها ومرارتها .
لقد منح الله الإنسان العديد من النعم التي لا يمكنه إحصاؤها فضلاً عن استقصائها ولا يليق بالإنسان ـ كإنسان ـ أن يوظف تلك الهبات والمزايا في طريق الآثام ، ناهيك عن الأضرار الجسيمة التي تؤدي إلى تدمير حياته .
اجتناب المعاملة الفظة :
وأخيراً ؛ يوصي الإسلام الزوجين بتعزيز الألفة والمحبة بينهما وأن لا يتوقف الزوجان عند مسألة الذوق ـ مثلاً ـ أو الرؤية بل يسعيان ما أمكنهما ذلك إلى توحيد ذوقهما وطريقة تفكيرهما بعيداً عن روح التفوق والسيطرة التي تتناقض مع الحب والمودة .. ينبغي أن يكون البيت الزوجي عشاً دافئاً زاخراً بالمحبة والحنان لا معسكراً تدوّي فيه صرخات الأوامر التي لا تقبل النقاش .
إن الإحساس بالغرور ، والفظاظة في التعامل يحول الحياة الزوجية إلى جحيم لا يطاق ، ولذا فإن طريق الحياة المشتركة يحتاج إلى اعتدال وتحمل وتسامح . وإذا كان هناك تفوّق في شأن يمتاز به أحد الزوجين على الآخر فإن هذا يستدعي الشكر الله والثناء عليه لا أن يكون سلطة يستخدمها لقمع زوجه وشريك حياته .
الفصل السادس
تعيين الحدود :
الحرية من نعم الله الكبرى التي تنشدها الإنسانية في تاريخها الطويل .. الحرية هي تلك الكلمة التي تطفح بالمعاني الجميلة والأحلام ، وتلك الأمنية التي من أجلها تثور الشعوب وتقدم ـ من أجل تحقيقها ـ الغالي والنفيس .
للحرية جذورها في أعماق الإنسان بل وحتى الحيوان ، فالطائر السجين في القفص يضرب بجناحيه القضبان هنا وهناك بحثاً عن نافذة أو كوة يمكنه من خلالها الخلاص من الأسر والعودة إلى دنيا الحرية . وما أكثر الطيور التي ماتت في أقفاصها حزناً وكمداً .
أما الإنسان فهو أكثر تعلقاً بالحرية وتشبّثاً بها من كل المخلوقات ، فهو دائم السعي للحفاظ عليها وصيانتها ، حتى إذا شاهد يوماً عائقاً يقف في طريقه حاول إزالته وإزاحته جانباً لكي يستأنف تقدمه نحو الهدف المنشود .
الحياة العائلية والحدود :
لا ريب في أن يتزوج ويدخل عالم الحياة المشتركة مع إنسان آخر ، هو بحد ذاته نوع من التقيّد ببعض الحدود والضوابط التي تستدعي منه مراعاتها . وعليه يفقد المرء جزءاً من حريته لصالح الطرف الآخر الذي يشاركه حياته ؛ وإذن فإن حرية المتزوج تنتهي عندما يبدأ حق الآخرين ، فهناك ما يقيدها ويجعلها في إطار محدود خدمة للصالح العام ـ إذا صح
التعبير ـ ذلك أن الأسرة ، وإن بدت كمجتمع صغير ، إلا أنها تحمل كل مقومات المجتمع الكبير .
فلو أن كان عضو في الأسرة يعمل ويتحرك في ضوء أهوائه وأذواقه دون أن يأخذ بنظر الاعتبار « الآخرين » في ذلك ، ستعمّ الفوضى وسيطغى الاضطراب ، وبالتالي ستتفكك الأسرة .
وإذن فإن هناك حداً للحريات والطموحات الشخصية التي ينبغي أن تنتهي عندما تصطدم ومصلحة الأسرة والحياة المشتركة . وقد تكون المرأة معنيّة أكثر بهذا الموضوع باعتبار أن الرجل أكثر ميلاً للاستمتاع بالحرية وقد يشعر بالغضب عندما يرى أن حريته تتعرض للقيود ، وفي هذه الحالة على المرأة اتخاذ أسلوب مناسب يعتمد المداراة والتخفيف من حدة بعض الالتزامات ريثما تتوفر الأرضية المناسبة ، وفي غير هذه الصورة سوف يجنح الرجل إلى الاستبداد في رأيه وربما النزاع . وفي هذه المناسبة ينبغي أن نذكر الرجل أيضاً بأن زمن الحرية المطلقة قد انتهى وأن الزواج بداية لعهد من المسؤوليات التي تتطلب منه غض النظر عن كثير من الأمور والحريات .
على هامش الحدود :
من أجل الإشارة إلى مدى نطاق هذه الحدود يمكن إدراج ما يلي :
1 ـ تنظيم الحضور :
وهذه من أبرز المسائل وأكثرها حساسية ، وينبغي للزوجين الاتفاق عليها بعد أن اختارا الحياة سوية في بيت واحد وتحت سقف مشترك ، ولذا فإن على الرجل أن ينظم وقته بحيث يكون له حضور في المنزل إلى جانب زوجته وأولاده بمعدل يقترب من نصف ساعات اليوم ، ذلك أن المرأة ترغب في تواجد زوجها مثلما يرغب الرجل في حضور زوجته وتواجدها داخل البيت .
ومن الخطأ أن يبعثر الزوجان وقتيهما خارج المنزل هنا وهناك دون أن يفكرا بمسؤولياتهما تجاه الأسرة . وخلاصة المسألة أنه ينبغي على الزوجين
تنظيم وقتيهما دون حساسية أو انزعاج من سؤال أو استفسار ؛ وفي المقابل إذا ما حدث وخرق أحد الطرفين عادته في عودته فلا ينبغي أن يكون هذا مثاراً للجدل أو النزاع .
2 ـ المعاشرة :
المرأة والرجل أحرار في التعبير عن آرائهما في الحياة المشتركة وأسسها وما يتعلق بها ، غير أننا نجد ـ ومع الأسف ـ ممارسات قمعية لدى أحدهما تقذف الرعب في قلب الآخر وتمنعه من أبداء رأيه في شؤون الأسرة . فقد نجد لدى أحد الطرفين رغبة في الحديث عن شأن ما تمنع من ظهورها الخشية من حدوث نزاع ، أو يود أحدهما لو أبدى رأيه في مسألة من المسائل ولكنه يخاف أن يكون عرضة للسخرية فيجنح إلى الصمت المطبق ، محتفظاً بآرائه لنفسه يعالج همه في أعماقه دون أن يفصح عن أسرار ألمه إلى أحد .
3 ـ التقيد في الإجراءات :
قد نرى التقيد في بعض الأحيان في إجراء يتخذه الأب ـ مثلاً ـ لتأديب ابنه عندما يرتكب خطأً يستحق العقوبة ، وفي هذه اللحظة بالذات تظهر الأم كحاجز يوقف تنفيذ الإجراءات مما يؤدي إلى النزاع والمواجهة .
قد يتخذ بعض الآباء إجراءات غاية في القسوة ربما تعرض إلى مخاطر كبرى ، وفي هذه الحالة على الأم أن تتدخل لمنع إجراء كهذا .
إن التدخل من قبل أحد الطرفين في شؤون وأعمال الطرف الآخر خطأ كبير يقود إلى النزاع ، وعوضاً عن هذا الأسلوب الصدامي ينبغي على الزوجين أن يفكرا بوسيلة مناسبة في تقديم النصح اللازم تحفظ للطرفين جميع الحقوق والاعتبارات .
4 ـ في الميزانية :
ربما يقتضي الجانب الاقتصادي في حياة الأسرة أن يبسط الرجل في الإنفاق وأن تكف المرأة يدها في الاستهلاك . إن الكرم والسخاء في حياة
الرجل صفة طيبة ومحمودة ، ولذا فعليه أن يوسّع في الإنفاق على عياله وأسرته ، وأن لا يقصر في ذلك ما أمكنه ، وعلى المرأة أن تدير شؤون منزلها حسب الإمكانات المتوفرة وأن لا تتخطى الحد المعقول في ذلك .
إن البخل في حياة الرجل خصلة مذمومة كما الإتلاف في حياة المرأة . إننا ـ ومع الأسف ـ نجد بعض الرجال الذين وهبهم الله من نعمه ولكنهم يبخلون على أهليهم وأنفسهم ويكدّسون الأموال فوق بعضها تحسّباً لفقر محتمل ، في حين يعيش أهلهم وأبنائهم في فقر مدقع صنعوه بأنفسهم !.
5 ـ الطمأنينة وراحة البال :
نجد في بعض الحالات نزاعاً ينشب في الأسرة بسبب شعور أحد الطرفين بالتهديد المستمر من قبل الطرف الآخر ، فمثلاً نجد زوجاً يقضي جل نهاره في العمل والكدح خارج المنزل ثم يضيف إلى ذلك أعمالاً أخرى إضافية من أجل تأمين دخل يغطي مصروفات عياله ، وعندما يعود إلى المنزل من أجل التقاط أنفاسه إذا به يواجه امرأة ناكرة للجميل تحول ساعة إستراحة إلى جحيم لا يطاق .
أو بالعكس ، حيث تجد امرأة تنهض للعمل في المنزل مع خيوط الفجر تدير شؤون بيتها وترعى صغارها وتغسل الثياب وتطهو الطعام ، وعندما يحل المساء وتحاول أن تستريح إذا بالرجل يصرخ في وجهها : لماذا لم تغسلي الثوب الفلاني ؟ أو تطوي القميص العلاني ؟ لماذا طعامك مالح ؟ أو عديم المذاق ؟ غافلاً عن أن زوجته لم تفعل ذلك عمداً أو لم تجد الوقت الكافي لكي تطوي له ثيابه ـ مثلاً ـ .
إن محاولات كهذه وإن بدت بواعثها صغيرة وتافهة إلا أنها تهدد الكيان الأسري بالخطر .
6 ـ طرح الأسئلة :
تنشب النزاعات في بعض الأحيان إثر إلحاح في الأسئلة التي يطرحها
أحد الطرفين ، وبصورة غالبة الرجل حتى يتحول الأمر في بعض المرات إلى محضر تحقيقي ، تحسّ فيه المرأة بشكل أو بآخر بأنها نابعة من سوء ظن أو شك ، وعندما تعتقد المرأة ببراءتها فإنها تشعر بالمرارة لذلك . وقد تتراكم تلك المرارات في أعماقها وتتفاقم ، وعندما تجد فرصة مناسبة تتفجر عن نزاع رهيب يهدد الأسرة بالدمار .
وعادة ما تثير الأسئلة المكررة نوعاً من الحساسية وتزرع في النفس نوعاً من سوء الظن حتى لو كانت نابعة عن حسن ظن ، ولذا فعلى الرجل أن يلتفت إلى هذا الجانب في حياة المرأة لأن صفاء البيت في الواقع يعتمد على صفائها ، وعندما يتعكر مزاجها فإن صفاء الأسرة برمّته يتعرض للخطر .
الأسباب :
ومحاولة للإشارة إلى بواعث تلك القيود يمكن الإشارة إلى ما يلي :
1 ـ الجهل :
قد تتصور المرأة أن عمل زوجها خارج المنزل هو ضرب من ضروب التسلية والمتعة ، غافلة عن مصاعب عمل زوجها والإرهاق الذي قد يشعر به ، وفي مقابل ذلك يتصور الرجل أن زوجته ناعمة البال في مأمن من هجمات البرد وضربات الحر ، وأن المنزل مجرد مكان للإستراحة والاسترخاء .
ولو اطلع كل منهما على معاناة صاحبه لتصححت رؤيتهما ولارتفع رصيد كل منهما لدى الطرف الآخر ، ولارتفعت الكثير من القيود التي يحاول كل منهما فرضها على الآخر .
2 ـ سوء الظن :
قد تبرز القيود في بعض الأحيان بسبب سوء الظن الذي قد ينجم عن الخيال أو سوابق الماضي . ومن الضروري للزوجين أن يجعلا أنفسهما محلاً للشبهات ، إذ أن من السهل جداً أن يتهم الإنسان بشيء ما ولكن من الصعب إزالة آثار هذا الاتهام . وإذن ينبغي أن تكون المعاشرة والممارسات بعد
الزواج بشكل لا يستثير الظنون والشكوك وذلك صوناً للسعادة الزوجية وحفاظاً على البناء الأسري .
3 ـ إيحاءات الآخرين :
ربما تنشأ القيود والحدود نتيجة لإيحاءات الآخرين الخاطئة انطلاقاً من نوايا مغرضة وحتى بسبب الجهل ؛ فقد نشاهد ـ ومع الأسف ـ بعض الأفراد الذين يحاولون مغرضين تقويض بناء أسر تعيش في حالة من الصفاء والمودة ، ومما يزيد الطين بلّة بساطة بعض الأزواج وسرعتهم في التأثر بتلك الإيحاءات مما يؤدي إلى تزلزل الحياة العائلية ونشوب حالة النزاع . وفي هذه الحالة ينبغي على الزوجين المنع والتصدي لمثل هكذا محاولات خبيثة وتفويت الفرصة على هؤلاء في إثارة الفتن والمشكلات .
4 ـ النرجسية :
وأحياناً نشاهد بعض الذين لا يرون سوى أنفسهم ولا يقيمون للآخرين أي حساب ، إنطلاقاً من اعتبار أنفسهم في مستوى يفوق الآخرين في كل شيء ، ولذا فهم يرون من حقهم الإمساك بزمام الآخرين من أعضاء الأسرة وقيادتهم ، بالرغم من أن بعضهم إنما يفعل ذلك بنوايا حسنة باعتبارهم يفوقون الباقين في مستوى تفكيرهم ومعرفتهم ، ولذا فمن حقهم فرض رؤيته على الآخرين .
5 ـ غياب الحب :
وأخيراً يقف غياب الحب كسبب وراء بعض القيود والضغوط التي يمارسها أحد الزوجين من أجل إجبار الطرف الآخر على الفرار وإخلاء الساحة ، ولذا يوجه أحدهما أسلحته بكلمة جارحة بإهانة مقصودة أو بفرض بعض الحدود لحمل الطرف الآخر على التفكير بالانسحاب والفرار .
ونحن هنا لا نتهم الرجل أو المرأة بذلك ، فقد يكون ذلك رغبة من الرجل في التخلص من زوجته أو ميلاً من المرأة للخلاص من زوجها ، وكل هذا إنما ينبعث من عدم الإحساس بالمسؤولية وعدم إدراك الواجب
الملقى على عاتق الزوجين إزاء حياتهما المشتركة .
إن الحياة الزوجية تتطلب من كلا الطرفين تجاوز بعض المسائل من قبيل الحرية ، الأنانية ، التكبر والإعجاب بالنفس لكي يتسنى لهما الحياة في ظلال من المحبة والسلام .
ضرورة استمرار الحياة الزوجية :
ينبغي أن نذكّر البعض من الرجال أو النساء ممن يهدفون ـ ومن خلال التنازع مع أزواجهم وفرض القيود عليهم ـ إلى العيش بسلام في منازلهم أو منازل أخرى بأن المستقبل مجهول تماماً ولا يمكن التنبؤ به أبداً .
وأيضاً نذكّر بعض الأزواج الشباب الذين يحاولون ـ ومن خلال التهديد المستمر واستخدام القوة ـ انتزاع حماية الطرف الآخر لهم ، بالحقيقة التي تفرض نفسها بقوة وهي أن العنف لا يمكن أن يولّد الحب .. الحب الذي ينهض على أساسه البناء الأسري والعائلي .
إن الحياة الزوجية تستلزم شكلاً من أشكال التضحية والإيثار والحب وأن يتجاوز الطرفان عن بعض رغباتهما وأهوائهما من أجل الآخر ، لكي يمكن الحصول على دعمه وتضامنه وولائه .
الفصل السابع
تحمّل الآخر :
من أجل تشكيل الأسرة ينبغي البدء بحياء الألفة ، حيث يعتبر الزوجان أنفسهما مسؤولين عن بعضهما ، وعليه ينبغي أن يتحمل أحدهما الآخر ويصبر عليه ، لكننا ـ ومع الأسف الشديد ـ نجد البعض ـ وبسبب التحريضات أو ضغوط العمل والحياة ـ يفتقد هذا الجانب في حياته ، فلا يعود يتحمل صاحبه وشريك حياته ، ويثور من أجل سبب تافه مما يعرّض الحياة المشتركة للزوجين إلى الخطر .
وفي هذا الفصل سوف نتعرض إلى البحث في جذور هذه المسألة والإشارة إلى الأسباب التي تقف وراء عدم تحمل الأزواج من الشباب لأخلاق بعضهم البعض انطلاقاً من أن معرفة الداء يساهم في اكتشاف الدواء إلى حد ما .
صور متعددة :
تزخر الحياة بصور متعددة من السلوك والممارسات والمواقف ، ويمكن القول إن لكل إنسان طريقة عمل وسلوك معين ، وفي عالم الحياة الزوجية يتصرف بعض الأزواج كما لو كانوا سادة يصدّرون الأوامر إلى عبيدهم ، وما على شركاء حياتهم إلا الطاعة والتسليم .
فقد نرى زوجاً يتصرف مع زوجته ويعاملها كما لو كانت خادمة أو جارية لا حظّ لها بشيء سوى الطاعة ، يثور من أجل كل شيء وبسبب أي شيء .. لماذا لم تقومي بالعمل الفلاني .. ولماذا الطعام الفلاني غير
جاهز .. لماذا ولماذا ؟؟ غافلاً عن أن الزوجة ومن وجهة نظر شرعية وقانونية ليس مكلّفة أبداً بالقيام بهذه المهمات ، وأن تعهدها بذلك هو عمل إنساني نبيل تستحق من أجله التقدير والإجلال والثناء .
وفي مقابل ذلك نرى نساءً يعاملن أزواجهن كما لو كانوا عبيداً أذلاء يتحركون كما تتحرك بيارق الشطرنج وفق حساب معين أو أمر معين أو نهي محدد ، فإن كان الزوج فقيراً ذكّرته بذلك مراراً وتكراراً وأشارت إلى ثرائها وغناها ومنّت بالحياة معه .
إن مثل هكذا ممارسات لا تتفق مع حقيقة الإنسانية وأصول وأسس الحياة المشتركة التي يدلّ اسمها على الاشتراك في كل شيء .
سوء الخلق :
إن سوء الخلق والفظاظة في التعامل وعدم تحمل الآخرين يقف وراء الكثير من المشاكل والنزاعات التي تعصف بالحياة الأسرية ، بل يمكن القول بأنها نار مجنونة تلتهم الأخضر واليابس وتحوله إلى هشيم تذروه الرياح .
لقد أثبتت الدراسات إن سوء الخلق والإساءة في التعامل وعدم التحمل يؤدي إلى الشيخوخة حيث يغزوه الشيب قبل وقته ، كما أثبتت البحوث أيضاً أن أكثر أمراض القلب وأمراض العصبية إنما تنشأ بسبب النزاعات وعدم التحمل ، خاصة لدى الأزواج المغامرين ، إضافة إلى أن الحياة تفقد معناها إذا تحولت إلى جحيم مستعرة بسبب هذه الأخلاق .
إن الأجواء المتشنجة والمتوترة التي يصنعها التعامل الفظ ، والأساليب القمعية في الأسرة تعرض الأطفال إلى خطر كبير ، حيث تتأثر نفوسهم الغضة ويصيبهم الدمار الذي لا يمكن إصلاحه ، كما يفقدهم الشعور بالطمأنينة التي هي أكبر حاجة لتنشئة الطفل نشأة سليمة ؛ هذا إذا لم يحدث الانفصال الذي يعرّض الأطفال إلى أخطار حقيقية مدمّرة ، وقد يسلمهم إلى الضياع والشوارع والليل .
البواعث :
للبحث في الأسباب التي تكمن وراء ما ذكرنا يمكن الإشارة إلى ما يلي :
1 ـ غياب التفاهم :
إن غياب التفاهم بين الزوجين وعدم إدراكهما الضوابط التي ينبغي مراعاتها في التعامل يؤدي إلى ظهور المشاكل العديدة ونشوء النزاع ، ذلك أن التفاهم هو الذي يهيء الأرضية اللازمة للبحث في الكثير من الأمور ذات الاهتمام المشترك . وتعدد أسباب عدم التفاهم والانسجام ، فمنها ما يعود إلى الاختلاف الفاحش في السن والتجربة والخبرة في الحياة ، ومنها ما يعود إلى اختلاف الأذواق بشكل يؤدي إلى التصادم العنيف . ومما يبعث على الأسف أن الزوجين ـ وبعد مضي شهور عديدة أو سنوات على حياتهما المشتركة ـ قد أخفقا في إدراك بعضهما البعض بشكل يمكن فيه تلافي الكثير من المشكل ببعض التحمل والمداراة .
2 ـ الفوضى في الحياة :
هناك الكثير من الأفراد ممن يهتمون بالنظام إلى حد يتحول فيه ذلك إلى هاجسهم الوحيد ، فأقل إخلال يدفعهم إلى الثورة والعصبية .
وفي مثل هكذا حالة ماذا يمكن أن يحدث لو عاد الرجل ـ مثلاً ـ إلى منزله وهو يتصور أن كل شيء على ما يرام ، وإذا به يرى الفوضى تعمّ كل شيء فلا يجد حتى مكاناً يستبدل فيه ثيابه .
ربما يعتبر البعض أن الأمر ليس بهذه الخطورة ولكن الحقيقة تقول عكس ذلك . إن ذلك يبعث المرارة في قلب الرجل ، بل ويهيء ظروف تفجر نزاع لا تحمد عقباه .
3 ـ الإجهاد في العمل :
ما أكثر الأشخاص الذين نراهم يثورون لأتفه الأسباب . وعندما نحاول البحث عن العلة في ذلك نجد أن العمل المتواصل والإرهاق قد أضعف
أعصابهم وأفقدهم القدرة على التحمل ، فإذا بهم يهاجمون أزواجهم بشراسة ودون رحمة دون سبب وجيه ولو في الظاهر .
وقد نرى هذه الظاهرة حتى لدى النساء من اللواتي يصل عملهن داخل المنزل حداً وسواسياً رهيباً يجعلهن في النهاية جنائز ـ إذا صح التعبير ـ حيث يفقدن القدرة على التعامل مع أزواجهن بلباقة وأدب .
إننا نوصي الأزواج ـ نساء ورجالاً ـ في اتخاذ جانب الاعتدال في العمل والحفاظ على الحدود التي تكفل التوازن المنشود .
4 ـ الاضطراب الفكري :
قد نجد أفراداً يعانون من اضطرابات فكرية ومن تشوش ذهني تعصف في رؤوسهم عشرات المسائل والمشاكل والهموم .
إن هذه المشاكل وما يتبعها من وسوسة فكرية تجعلهم سريعي الإثارة قليلي التحمل شديدي العناد ، ولذا فإنهم ينفجرون لأقلّ اصطدام مما يدفعهم إلى إفراغ ما في أعماقهم من ثورة وغضب .
5 ـ عوامل خارجية :
قد ينشأ النزاع في الأسرة بسبب عوامل خارجية ، فمثلاً يعمل الزوج في مكان ما ثم يحصل له نزاع مع زملائه في العمل مما يخلّف في نفسه شعوراً بالمرارة يدفعه إلى إفراغ غضبه في محيط أسرته لسبب أو غير سبب .
أو نجد إحدى السيدات تتطلع إلى حياة جارتها المرفهة فلا تملك نفسها ، حيث تتولد في أعماقها الحسرة التي تعبر عن نفسها أحيانا بالتشكي والبكاء .
ولعل الشباب يدركون مدى وضاعة مثل هذه التصرفات عندما يواجه أحدهم مشكلة في الخارج فينطوي على نفسه ، فإذا عاد إلى منزله يحاول إفراغ همّه وصبّ غضبه على أفراد لا ذنب لهم في ذلك .
6 ـ عدم التحمل :
قد يفقد المرء صبره أمام أسئلة توجهها زوجته إليه فيثور في وجهها . قد تكون تلك الأسئلة بريئة ولكنه ينزعج منها ويصرخ : لماذا لا تكفي عني .. دعيني وشأني .
وقد تنجم المشاكل بسبب نوايا حسنة تماماً ، مثلاً ينتظر الزوج طعاماً ولكن الزوجة ، ومن أجل إعداد طعام لذيذ ، تتأخر قليلاً ، عندها يثور الزوج فيقيم الدنيا ولا يقعدها . وربما يكون المرض علة وراء عدم التحمل أيضاً ، حيث تتأمل الزوجة في ملامح زوجها وتتساءل خائفة : لماذا وجهك مصفّر .. أو لماذا تبدو هكذا ؟ فيتأفّف الزوج ثم سرعان ما يثور معبّراً عن استيائه وغضبه من تلك الأسئلة التافهة .
7 ـ انعدام التوازن النفسي :
نصادف بعض الأحيان أزواجاً يفقدون التوازن النفسي ، الأمر الذي يجعلهم مهزومين نفسياً ، كما أن بعضهم يعاني من إحساس بالصغار والذلة ، ولذا فهم يفرغون عقدهم تلك في محيط أسرهم ، فترى أزواجهم وأولادهم يعانون الأمرّين في ذلك ، وقد يعاني بعضهم من هوس نفسي يفقدهم حالة الاستقرار الروحي المطلوب فيصبون غضبهم على هذا وذاك ، كما نجد البعض مصاباً بنوع من الساديّة حيث يتلذذ بتعذيب الآخرين من خلال السخرية بهم ، فإذا لم يمكنهم ذلك مع الناس أفرغوا عقدهم تلك داخل البيت على أسرهم .
ولا شك أن ما ذكرناه هو حالات مرضيّة تستدعي العلاج ، غير أن المشكلة تكمن في أن أولئك لا يدركون أنهم يعانون من حالة مرضية ، وإلى أن يفهموا ذلك يكون الوقت قد فات .
8 ـ غياب المداراة :
وأخيراً : فإن عدم اعتماد المداراة في التعامل واحترام مشاعر الآخرين يؤدي إلى نشوب الكثير من المنازعات التي يمكن تجنّبها بشيء من اللباقة .
الصراحة صفة حميدة إذا لم تخرج عن دائرة الخلق والأدب ، كما ينبغي أن يؤخذ بنظر الاعتبار الطرف المقابل وقدرته على التحمل .
يقوم بعض الأزواج ـ ومع الأسف ، وحيث لم تمر بعد إلاّ أيام معدودة على زواجه ـ بمصارحة زوجه بعيوبه ، الأمر الذي يجعل الطرف الآخر عرضة لتلقّي الطعنات ، فينطوي على نفسه حزيناً يتحيّن الفرصة للإنتقام في المستقبل .
أيّة صراحة هذه التي تؤدي إلى اشتعال النار لتحرق البيت ومن فيه ؟! وأية صراحة هذه إذا كانت تفعل في نفس الإنسان فعل الخنجر المسموم ؟!.
إن الحياة الزوجية تتطلب دقّة في الحديث وحذراً في التعامل ، وإذا كانت الصراحة تؤدي إلى ظهور آثار مدمرة فينبغي إقصاؤها بعيداً ، فهناك من الأساليب ما يغني عن ذلك ويؤدي إلى أطيب النتائج .
وفي كل ما ورد من أسباب يتحمل الرجل والمرأة مسؤوليتهما تجاه ذلك على حدٍّ سواء ، قد يتحمل الرجل في بعض الأحيان مسؤولية كاملة تجاه ما ينشب من نزاع وقد تتحمل المرأة المسؤولية كاملة ، ولكن في أغلب الأحيان يشارك الاثنان في صنع المأساة التي تشملهما معاً فيما بعد .
وفي كل ما ذكرناه يكمن غياب العقل كسبب مباشر في تلك النزاعات التي تعصف بالحياة الزوجية .
ففي بحث جميع تلك المشاكل يستلزم الزوجان فقط قدراً من التعقل لتنقشع جميع السحب من سماء الأسرة .
ضرورة ضبط النفس :
من الخطأ أن يقدم المرء على رد فعل عنيف تجاه ما يصدر عن زوجه من عمل خاطىء . إن المواقف المتشددة وردود الفعل المتشنجة تخلق في البيت حالة من التوتر الذي قد يفجّر الوضع في كل لحظة .
ولذا فمن الضروري جداً ضبط النفس ومراعاة حالة الزوجة ومحاولة
التعرف على السبب الكامن وراء ذلك العمل الخاطىء . إننا إذ نخاطب الرجل في ذلك لعلمنا جميعاً بأنه أقل عاطفية من المرأة .
وقد ورد في الروايات أن من يتحمل أذى زوجته لا يطلب في ذلك إلا مرضاة الله وهبه الله ثواب الشاكرين .
إن التحمل والتسامح مفتاح الكثير من المشاكل وجانب مهم في حياة الإنسان وقدرته على الإرادة .
السعي الدائم للتفاهم :
من الممكن جداً أن يعيش الزوجان حالة من المودة والصفاء إذا قرّرا ذلك .. فإرادتهما للتفاهم والسعي الدائم للتقارب الأخلاقي والروحي ومحاولة التركيز على النقاط الإيجابية المشتركة يمكّنهما من خلق الأرضية المناسبة لبناء علاقة وطيدة .
إن الرقّة في الحديث المتبادل وتركيز الزوجين على بعض النقاط وتسليط الضوء عليها على أساس أنها السبب في انتخاب بعضهما البعض يشجع الطرفين على التقارب أكثر فأكثر ، وتذويب الجليد الذي قد يقف حائلاً بينهما .
فقد تكون زوجتك عصبية المزاح ـ مثلاً ـ وفي هذه الحالة ومن خلال تحمّلك الإمساك بزمام الأمور دون حدوث مشكلة ما ، هذا إذا قررت العيش معها . فالإرادة دائماً وكما يقول المثل تصنع الوسيلة .
إن تعاطفك مع زوجتك وهي تمر في أزمة نفسية حادة يجعلها عصبية عنيفة سوف يخفف من حدتها ويهدأها شيئاً فشيئاً .
التأثير الأخلاقي :
من الجدير بالذكر أن الأخلاق لها قدرة فائقة في التأثير ، سواء كانت حسنة أم سيئة ؛ إن نشاطك وحيويتك سوف يؤثر على زوجتك دون أن تشعر بذلك ، وسرعان ما تبدو ملامح النشاط في وجهها ، وينعكس على تصرفها ،
وبالعكس ؛ ذلك أن النفس الإنسانية تبدو في بعض الأحيان وكأنها مرآة تنعكس فيها المؤثرات الخارجية بسرعة .
فإذا بدت زوجتك عنيفة حادة الطبع عصبية المزاح ، فإن ابتسامتك وطلاقة وجهك ستفعل فعلها وستدفع بها إلى التراجع والشعور بقدر من الحياء .
إن أفضل ما يقوم به الزوج تجاه زوجته هو ليس التشكّي بل السعي إلى الاقتراب من زوجته وفهم ما يدور في خلدها وما يعتمل في قلبها ، ولا شك أن إدراك سيساهم في حل المشكلة أو التخفيف من حدتها على الأقل .
الفصل الثامن
الأهداف المادية :
الزواج رباط الهي مقدس والحياة الأسرية حياة سامية ولذا فإن تشكيل الأسرة ينبغي أن ينهض على أسس رفيعة ومن أجل أهداف عالية ، لكي يمكن لها الديمومة والاستمرار والثبات .
إن ما ورد عن النبي ( صلى الله عليه و آله ) وكذلك ما أيّدته التجارب والمشاهدات اليومية ليؤكد بأن الزواج الذي يقوم على أساس الجمال أو الثراء هو زواج لا بد وأن ينتهي إلى الإخفاق والفشل ، ذلك أن هذه الأهداف قصيرة المدى ضعيفة الأساس خاوية المعنى ، وهي سرعان ما تنهار ، وبالتالي ينهار البناء برمّته .
إن الحياة الزوجية يجب أن تنهض على أساس الاحترام الكامل والمتبادل لكرامة الإنسان وإنسانيته ، وهو أمر ـ ومع بالغ الأسف ـ قد قوضّته إلى حد ما المدينة الحديثة .
وفي هذا العصر كثيراً ما نشاهد أزواجاً أو زوجات ، ومن أجل مظاهر الحياة الدنيا ـ يحولون بيوتهم ، التي ينبغي أن تكون أعشاشاً دافئة ، إلى ميادين للحرب والصراع ، حيث يكون همّ كلّ منهما قهر صاحبه .
تأمين الميزانية :
لا ريب في أن الحياة الأسرية تحتاج ، ومن أجل تسيير شؤونها اليومية إلى ميزانية يمكنها تغطية الحاجات الأساسية وغير الأساسية بشكل متوازن .
إن النظام الإسلامي يجعل هذه المسألة من مهمات الرجل التي لا تقبل
نقاشاً ، حتى لو بلغت المرأة من الثراء حداً يمكنها القيام بذلك ، ولذا فليس من حق الرجل أن يمدّ عينيه إلى ثروة زوجته أو يقرر له حقاً فيها أو يأمرها بالمساهمة في الإنفاق على شؤون الأسرة .
وفي مقابل هذا يوصي الإسلام المرأة أن تتكيف مع المستوى المعاشي لزوجها ، وأن تنتهج منهجاً معتدلاً في الإنفاق بما يتوافق مع إمكانات الرجل وأن لا تفعل ما من شأنه أن يدفع بالزوج إلى مضاعفة عمله والإجهاد من أجل تغطيه نفقات البيت أو يدفعه ـ لا سمح الله ـ إلى ارتكاب الحرام من أجل ذلك .
وهذه المسألة نراها واضحة جلية في حياة الأزواج من الشباب ، فمن أجل إثبات حبهم يتمسكون بهذا الجانب دون رعاية لوضعهم الاقتصادي .
وفي البحث عن الأسباب التي تؤدي إلى النزاعات ذات الصبغة المادية ، والتي غالباً ما تؤدي إلى شلّ الحياة المشتركة أو التفكير بالانفصال ، يمكن الإشارة إلى ما يلي :
1 ـ الوعود الكاذبة :
لقد أشرنا فيما مضى إلى أن بعض الزيجات تنهض على أساس خاطىء حيث يكون الهدف ـ مثلاً ـ كسب الثراء والتمتع بأملاك الطرف الآخر .
ومن أجل هذا يقوم البعض بدور الثري ويحاول من خلال ذلك النفوذ إلى قلب الفتاة وأهلها ، وبالتالي موافقتهم على الزواج على أساس بعض الوعود ، ثم سرعان ما تظهر الحقيقة كاملة ولكن بعد فوات الأوان وحينها ينشب النزاع .
وقد يحصل ذلك حتى بعد الزواج حيث تشترط الزوجة ذلك ، فيقوم الزوج ، ومن أجل إثبات حبه لها ، بإطلاق الوعود الذهبية التي لا تجد لها في أرض الواقع مكاناً مما يؤدي بالزوجين إلى النزاع .
2 ـ الكماليات :
من أسباب النزاع في الحياة الزوجية بل وحتى الوقوع في الحرام ،
خاصة لدى الرجال ، هي كماليات المرأة ، ذلك أن إنفاق الزوجة في هذا المضمار لا يكاد ينتهي بل إنه قد يسجل خطاً بيانياً متصاعداً بمرور الأيام ، مما يزيد في أعباء الرجل وإرهاقه بالطلبات المستمرة ، الأمر الذي يؤدي به في بعض الحالات إلى أن يمد يده إلى الحرام ، وهي بداية انهيار الرجل وسقوطه ، وبالتالي سقوط وانهيار الأسرة في النهاية .
إن اعتدال المرأة في الإنفاق والحد من شراء الكماليات هو دليل على حسن نواياها تجاه زوجها وأبنائها ، الأمر الذي يهيىء جواً من الصفاء الروحي والسعادة .
نعم ، إن المال يحل العديد من المشاكل ويطفىء الكثير من الرغبات الملتهبة ، ولكنه عاجز عن أن يهب الروح ذلك الشعور الهادىء بالطمأنينة والسلام .
3 ـ هاجس المادة :
قد ينشب النزاع أحياناً بسبب هاجس الحياة المادية ، فقد يشعر البعض لدى سماعهم أو مشاهدتهم حياة الآخرين بالحقارة فيسعى ، ومن أجل التنفيس عن عقدته تلك ، إلى تفجير الوضع مع زوجه ، أو ربما يجنح الخيال ببعضهم فيصور أنه قد خسر في زواجه الكثير ، وأنه قد تحطم ، ولذا يسعى إلى الانتقام من خلال النزاع مع شريك حياته ، وأنه بذلك سيسترد كل ما قد خسره غافلاً عن أن النزاع سيأتي على البقية من عمره ، فمسلسل النزاع لا ينتهي ، وإذا انتهى فإلى الطلاق والانهيار الشامل للوجود العائلي .
4 ـ المظاهر الفارغة :
يعصف النزاع في بعض الأحيان بسبب المظاهر الفارغة التي تنشأ عادة عن التنافس وهاجس التقدم والتحرك في ضوء ما تفرضه الموديلات الحديثة ، والخوف من التخلف في هذا الميدان !.
فمثلاً يسعى أحدهم لشراء ساعة جميلة ، ذلك أن ساعته تبدو قديمة في مقياس موضة اليوم .
أو تسعى إحداهن لشراء تحفة تضعها في أحد الرفوف تزيد في المنزل جمالاً وتكسبه رونقاً ، في غفلة عن أن جمال البيت الحقيقي هو في شيء آخر ينبض بالحياة لا في تلك الأشياء الميّتة .
إن اللهاث وراء المظاهر الفارغة لا يكسب المرء شأناً ولا يمنحه قيمة ، بل أن بعض النزاعات التي تحطّ من قدر الإنسان وسمعته إنما تنشأ بسبب تلك المظاهر التافهة .
5 ـ الطموح اللامعقول :
هناك بعض النساء يطمحن إلى أشياء لا يمكن تحقيقها ، إذا أخذن بنظر الاعتبار وضع أزواجهن المعاشي ، ولذا فإن طلباتهن لا تنتهي ، ولا تقف عند حدّ معين ، ولأن تنفيذ هذه الطلبات خارج عن إمكانات الزوج عند ذلك يبدأ النزاع .
من الخطأ أن تمد المرأة يدها دائماً إلى الرجل وتطلب منه أن ينفّذ لها ما تطمح إليه . إن عزة المرأة وكرامتها تكمن في استغنائها عن الرجل وعدم الإلحاح عليه في الطلب . لقد ورد في كتب التاريخ أن فاطمة الزهراء لم تطلب من زوجها ـ سلام الله عليها ـ شيئاً .
إن الرجل العاقل ليدرك ما تطمح إليه زوجته ، ولذا فهو يسعى ـ حتى إذا لم تطلب منه ذلك ـ إلى تحقيق طموح زوجته .
ما جدوى الطموحات التي تكون آثارها معاناة وعذاباً للطرف الآخر أو ربما سقوطه في بؤرة الحرام ؛ كل ذلك من أجل تأمين تلك الطلبات وتحقيق تلك الطموحات .
6 ـ سوء الظن :
قد يعصف النزاع في الحياة الزوجية ـ خاصة لدى الشباب ـ انطلاقاً من سوء الظن ، فقد نجد المرأة ـ مثلاً ـ تشكك بأن زوجها ينفق مرتبه أو ما يكسبه من المال في التسكع والعبث واللهو أو في موارد أخرى لا تعرفها .
وقد يظن الرجل بأن زوجته تنفق المال المقرر لتغطية نفقات البيت في موارد تافهة أو تدخره لأمور يرفضها تماماً ، ومثل هكذا مشاكل يمكن حلها من خلال حوار هادىء لحساب الدخل وما يتطلبه المنزل من نفقات ، كما يمكن القضاء على جذور الشك تماماً من خلال مصارحة الزوجين بعضهما البعض وعدم الاحتفاظ بالأسرار التي لا طائل من ورائها سوى النزاع والمشاكل .
7 ـ اللامبالاة :
نشعر بالأسف عندما نصادف أشخاصاً يعيشون في دنياهم دون شعور بالمسؤولية ودون أي اعتبار للآخرين ، وأكثر هؤلاء طبعاً إن لم نقل كلهم هم من المدمنين على الخمر أو المخدرات ، هؤلاء الذين لا هم لهم سوى أنفسهم ولا يحملون في أعماقهم الخاوية أي تفكير بأزواجهم وأولادهم .
إن أول بند في الحياة الزوجية هو الاشتراك والمشاركة في كل شيء ، فإذا كان هناك جوع فينبغي أن يجوع الجميع ، وإذا كان هناك فقر فينبغي أن يعم الجميع ، وإذا كان هناك أمل فيجب أن يضيء قلوب الجميع . الأسرة وحدة واحدة لا تتجزأ ، وعلى الرجل ـ باعتباره المسؤول الرئيس ـ أن يكون همه الأول زوجته وأبناؤه ؛ وعلى هذا فينبغي عليه أن يرفض حتى الولائم التي يدعونه إليها إذا عرف بأن أهله وعياله سيبقون دونما طعام ذلك اليوم . ليس من حقه أن يملأ معدته في حين يتضور عياله جوعاً . إن وجوده بينهم وتحمله للجوع والفقر باعث على بث الأمل والرجاء وروح التضامن في الأسرة .
لقد كان أمير المؤمنين علي ( عليه السَّلام ) امبراطوراً للشرق ولكنه كان يبيت جائعاً « فلعل بالحجاز أو اليمامة من لا عهد له بالشبع » .
8 ـ الفقر خنجر مسموم :
سرعان ما تلتئم جراح الجسد ولكن ما أصعب التئام جراح الروح . إن الفقر خنجر مسموم يصيب الكرامة في الصميم . ومع الأسف ، تقوم بعض النساء ، وبسبب فقر أزواجهن ، بصب اللعنات تلوَ اللعنات عليهم وتوجيه
ذلك السلاح الرهيب لتصيب منهم مقتلاً وتحويلهم بالتالي إلى مجرد عبيد لا حول لهم ولا قوة .
وإذا ما حدث وخامر البعض إحساس بالمهانة وقام ـ ومن أجل الخلاص من هذا الوضع المزري ـ بارتكاب عمل حرام كالسرقة أو الاختلاس ، فإن مسؤولية المرأة في ذلك غاية في الوضوح .
9 ـ عمل المرأة :
من أجل تغطية نفقات البيت ومواجهة أعباء الحياة تدخل المرأة ميدان العمل ، وبالرغم من أن هذا العمل سيعالج جانباً من المشاكل إلا أنه سيكون باعثاً لمشاكل أخرى ، ذلك أن غياب المرأة عن البيت يعني غياب الدفء عن المنزل ، وغياب ذلك الحنان الذي يضم بين حناياه الأطفال ، وسيحدث خلل في ميسرة الحياة داخل المنزل ، فعودة الرجل والمرأة إلى البيت وهما مرهقان ثم تناولهما طعاماً مؤلّفاً من عدة شطائر أحضراها خلال عودتهما من العمل ، سيخلف بعض التراكمات في النفوس ، كما أن غياب المرأة عن المنزل يعني حضور الخادم أو الممرضة أو .. ، وهذا أيضاً يضيف إلى المتاعب قدراً آخر مما يؤدي في المدى البعيد إلى انفجار الوضع وانهيار الأسرة .
10 ـ الشعور بالغربة :
هناك العديد من المشكلات التي تحدث في الحياة الزوجية من جراء الإحساس والشعور بالغربة ، فمثلاً يمد الرجل يده إلى شيء في البيت فتعترضه زوجته قائلة : إنه يتعلق بي . إنه ملكي ، ولا يحق لك أن تتصرف به أو حتى أن تلمسه .
وربما ودت المرأة أن تبدي رأيها في موضع ما فينهرها الرجل قائلاً : ليس من حقك التدخل في هذا الموضوع ، إنه لا يتعلق بك لا من قريب ولا من بعيد .
إن الحياة الأسرية تعني الحياة المشتركة تحت سقف واحد ، تعني
ذوبان الزوجين واشتراكهما في كل شأن وفي كل شيء .
إن أولى مستلزمات الحياة المشتركة هي غياب ضمير الأنا في التفكير والممارسة والحديث ، فالحياة الزوجية أشبه ما تكون برحلة يقوم بها صديقان حيث تتطلب منهما التعاون في كل شيء وفي كل عمل .
حديث في عمل المرأة :
لا يمنع الإسلام المرأة من العمل إذا تمكنت من رعاية الموازين الشرعية والأخلاقية ولم يكن هناك ما يخدش عفتها ، ومع كل ذلك فإن الآثار التي تترتب على عمل المرأة كغياب الدفء العائلي وإهمال الأطفال وتركهم ضائعين إن كل هذه الآثار ينبغي أن تؤخذ بنظر الاعتبار .
الرجل هو المسؤول عن تأمين الجانب المعاشي في الأسرة ، وللمرأة وظيفتها في إدارة المنزل ، وقد عيّن لها الشرع والقانون حقوقها كاملة ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فقد أثبتت الدراسات والبحوث أن عمل المرأة وإجهادها قد يصل بها إلى تجاوز الحياة الجنسية وإيثار النوم لتوفير ساعة من الراحة مما يترتب على ذلك الكثير من الآثار .
إن محاولة تغطية بعض نفقات البيت لا يبرر للمرأة إقدامها على العمل وضرب النظام وقيامها بعمل ليس من واجبها وتركها لواجب أهم بكثير مما تؤديه خارج المنزل . وإذا كانت المرأة تستهدف من وراء عملها توفير بعض متطلبات الحياة الأسرية فماذا تفعل إزاء النزاع الذي يهدد الأسرة كلها بالدمار ؟!.
لقد خلقت المرأة لتكون نبعاً فيّاضاً من الحنان والحب من أجل أن تقوم بواجبها في تربية جيل كريم وشجاع ، وأن بعض الأعمال تتناقض و واجبها الأصلي أو تقضي عليه .
قد تقتضي الضرورات أن تشارك المرأة وتدخل ميدان العمل في حقول التعليم أو الطب أو التضميد ، ومع كل ذلك ينبغي عليها مراعاة عملها الأساس في تربية أبنائها وتنشئتهم النشأة الصحيحة .
الاعتدال في الإنفاق :
ينبغي رعاية جانب الاعتدال في الإنفاق وعدم الإسراف ، واعتبار المال والطعام والكساء مجرد وسائل وليست أهدافاً تستحق اللهاث وراءها والسقوط في دائرة الحرام من أجلها ، وقد نهى الإسلام عن الإسراف في الطعام واللباس ودعا إلى سلوك الطريق الوسط فخير الأمور أوسطها ، وفي نفس الوقت الذي ينهي فيه عن الإسراف والتبذير ينهى أيضاً عن البخل والتقتير بل يعتبره سوء ظن بالله سبحانه .
وفي هذا الجانب تلعب المرأة دوراً بارزاً حيث تقوم ، ومن خلال حسن إدارتها ، بتوفير أشياء كثيرة بوسائل بسيطة مما يمكنها من توفير بعض المال تحسّباً للمستقبل .
وعلى الرجل إذا كان متمكناً أن لايقصّر في الإنفاق على زوجته وأولاده وفي الحدود المعقولة .
تحمل أعباء الحياة :
الحياة نوع من الواجب الذي ينبغي تحمله بالرغم من كل المعاناة في ذلك ، ومن الخطأ أن نتّكل على غيرنا في تحمل أعباء الحياة أو نطلب من الآخرين ـ أصدقاء وأقرباء ـ أن يحملوا عنا همومها .
صحيح أن الفقر يجعل من الحياة مرة صعبة التحمل ويخلق نوعاً من المعاناة ، إلا أن هناك الكثير من الشباب الذين تزوجوا انطلاقاً من الأخلاق والروح ، يحب بعضهم بعضاً إلى درجة العبادة بالرغم من أن أغلبهم يبيتون دون طعام أو يكتفون بكسرة خبز .
الفقر وضيق ذات اليد قد يتسبب في إيجاد المعاناة ولكنه ليس مبرراً للنزاع ، وأن على الرجل والمرأة أن يتحملا أعباء الحياة وأن يصبرا على الجوع والظمأ ، وأن يجعلا رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) وأزواجه نصب أعينهم دائماً ، فقد كانت بعض نسائه يبتن جائعات لأنهن لم يكن ليجدن ما يسد به الرمق ، بل قد تمر أيام فلا يشاهد أثر لدخان طبخ .
وهذا الجانب يحظى بأهمية فائقة في الحياة الزوجية إذ ينبغي أن تكون أسس الزواج أسمى من كل الحاجات المادية وأن يواجه الزوجان كل مصاعب الحياة بروح من الصبر والتحمل وأن لا تكون مظاهر الحياة الفارغة التافهة سبباً في تقويض الأسرة والعائلة ، وأن تكون الآية الكريمة في قوله تعالى : ( إن مع العسر يسرا * إن مع العسر يسرا ) نصب أعينهم على الدوام .
الفصل التاسع
الزواج الثاني :
تتطلب الحياة المشتركة في الأسرة انسجاماً في الفكر ورعاية كل من الزوجين للطرف الآخر ، ذلك أن السعادة في الحياة العائلية إنما تقوم على التسامح والتضحية والحب ، فالرجل يتحمل في ذلك مسؤولية كبرى ، كذلك المرأة لها دورها الفاعل في إشاعة الدفء في الجو العائلي وتربية الجيل .
فالحياة الزوجية والأسرة تحتاج في تنظيم روابطها إلى اعتماد الأسس والضوابط الشرعية والعقلية بعيداً عن جموح الرغبات والطموحات الفارغة ؛ فمنطق العقل ضروري جداً في إشاعة الاستقرار العائلي حتى لو اصطدم ببعض الرغبات والمشاعر .
الزواج الجديد والنزاعات :
من القضايا التي تؤدي إلى تفجير النزاع في الحياة الزوجية هو إقدام الرجل على الزواج مرة أخرى ، وقد يتفاقم الوضع ليتخذ شكلاً أكثر خطورة عندما نشاهد بناء أسرة جديدة على أنقاض أسرة أخرى . ولقد أيدت الشواهد أن النساء قد يتساهلن في العديد من المسائل ولكن عندما يصل الأمر إلى إقدام الرجل على الزواج الثاني فإنهن يرفضن ذلك بشدة ، إذ أن المرأة تعتبره شكلاً من أشكال الخيانة التي لا يمكن تحملها أو السكوت عليها .
وما أكثر الأسر التي تقوضت وعصفت بسعادتها الرياح بسبب إقدام الرجل مرة أخرى ، ذلك أن المرأة تعتبر قدوم الزوجة الأخرى سيفاً مسلّطاً فوق رغبتها ، كما أنها تنظر إلى الرجل من خلال ذلك باعتباره مجرد
متصاب يحاول استعادة أيام الشباب . ويبقى إقناع المرأة بذلك بالرغم من احتمال وجود مصلحة شرعية واجتماعية وأخلاقية أمراً صعباً إذا لم نقل مستحيلاً ، فلقد بقي حل تلك المعضلة العويصة مستعصياً على الرجال طوال التاريخ .
أسرار النزاع :
ما أن تحل الزوجة الجديدة حتى يسود المنزل جو متوتر وهدوء مشوب بالحذر ، ثم سرعان ما ينفجر الموقف ليكون بداية لنهاية مأساوية .. وإذا ما أردنا الغوص في بواعث النزاعات التي تنجم عن الزواج الثاني فيمكن الإشارة إلى ما يلي :
1 ـ طبيعة المرأة :
إن المرأة ذلك المخزون الهائل من العاطفة والحنان الذي تتجلّى عظمته في تربية الجيل لا يمكنها تحمل منافس أو شخص يحاول القيام بدورها أو تقويض نفوذها في المنزل ، ولذا ـ ومع دخول المرأة الأخرى إلى منزلها ـ يستقيظ في أعماقها الحقد والغيظ ولا يمكن السيطرة عليه ، بل أن الأمر قد يصل حداً يمنعها حتى من الترحيب بذلك الضيف الجديد إن لم نقل رفضه ومواجهته بأعنف الوسائل .
2 ـ خمود الحب :
للحب دور فاعل في تعزيز وتمتين الروابط الأسرية ، ذلك أن الألفة والأنس إنما ينبعثان من الحب ، كما أن كل تضحية وفداء وتسامح يقف وراءه الحب كدافع أساسي في ذلك .
ولذا فإن الإقدام على الزواج الثاني سوف ينسف هذه القاعدة المتينة ، ذلك أن المرأة ستتصور نفسها وقد أخفقت في علاقتها وأن زوجها لا يضمر لها أي قدر من الحب ، وعندها تتحفز روح المقاومة في نفسها ويبدأ عهد جديد من الحياة القلقة المتزلزلة .
3 ـ الشعور بالضعف :
تشعر المرأة بالانهيار النفسي والعجز لدى إقدام زوجها على الارتباط بامرأة أخرى ذلك أنها تشعر وكأنها قد فشلت فشلاً ذريعاً في الاحتفاظ برجلها مما مكّن الآخرين من اختطافه ، وهذا ما يولّد في نفسها الشعور بالضعف والخور فتتجه إلى نفسها باللوم أو تتوجه به إلى زوجها وتتهمه بعدم الوفاء ، وبالتالي بدء عهد من المشكلات والنزاعات .
4 ـ الغضب :
تشعر المرأة بالغضب عندما ترى زوجها ولا همّ له إلا تلبية رغباته والبحث عن امرأة أخرى ولديه من المال والثراء ما يمكنه من تحقيق رغباته وشهواته ؛ ويقوم الرجل من أجل تحقيق أهدافه تلك بالتضييق على زوجته وافتعال المشاكل أو خداعها بمختلف الوسائل ، وهناك الكثير من النساء من هن خبيرات بذلك فيعمدن إلى المقاومة والاستعداد للنزاع .
5 ـ استغلال القوة :
قد تنشأ النزاعات بسبب محاولة الرجل استغلال القوة في تنفيذ إرادته وإشباع رغبته في التسلط ، فيبدأ ـ مثلاً ـ بإعلان عزمه على الزواج من امرأة أخرى ثم يبدأ بتنفيذ وعيده دون اكتراث بموقف زوجته ورأيها في ذلك ، وهكذا يبدأ العراك والصراع وينقلب نظام البيت رأساً على عقب ، كل ذلك من أجل تنفيذ رغبته في التسلط والسيطرة .
6 ـ غياب العدالة :
تعود جذور العديد من النزاعات إلى الظلم وانعدام العدالة في الحياة الزوجية ، ولعل المسألة تتجلى بوضوح لدى إقدام الرجل على الزواج الجديد ، فالقضية ليست بهذه السهولة التي قد يتصورها البعض حتى أننا نرى القرآن الكريم يحذّر من الزواج إذا انجر إلى الظلم وانعدام العدالة ؛ قال تعالى في محكم كتابه : ( وإن خفتم ألاّ تعدلوا فواحدة ) .
إن الزواج الجديد لا بد وأن يزلزل الزوجة الأولى ويزحزحها عن موقعها السابق ، ولا بد أن يكون هناك غياب في العدل في التعامل بين الزوجين ومعاشرتهما ، وحتى في توفير بعض مستلزماتهما ، وإذا أمكن لأحدهم أن يكون عادلاً في كل ما ذكرناه فكيف له أن يعدل في حبّهما ومودّتهما ، وهذا القرآن يصرح في قوله تعالى : ( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم ) وفي الروايات تحذيرات شديدة من الظلم في الحياة الزوجية ، خاصة في هذا الجانب البالغ الحساسية .
7 ـ الحياة القلقة :
ما أكثر النزاعات الزوجية التي تنشب إثر الزواج الجديد ، فتتحول معاملة الرجل لزوجته الأولى إلى شكل من أشكال التعذيب النفسي ، حيث يبقيها معلّقة لا هو يمسكها بمعروف ولا هو يسرّحها بإحسان ، وعلاوة على أن هذه المعاملة تعتبر عملاً جباناً فإنها تخلق لدى المرأة الشعور بالمهانة والإذلال المتعمدين مما يدفعها إلى التمرد والنزاع في محاولة لدفع الرجل إلى الشعور بمسؤوليته تجاهها أو تقرير مصيرها على الأقل .
8 ـ تحريض الآخرين :
ربما يشتعل النزاع بسبب تحريضات يقوم بها الآخرون ، كما نشاهد ذلك لدى بعض النسوة سواء كن جاراتها أو من صديقاتها أو قريباتها ، وعندما تصغي المرأة إلى مثل هؤلاء فإن مشاعرها تتغير تدريجياً تجاه زوجها ، الأمر الذي يهيء الظروف لنشوب نزاعات لا حد لها ولا نهاية .
وينبغي مكافحة مثل هذه التحريضات كما تفعل المبيدات بالحشرات السامة والضارة . إن البعض من الناس ـ ومع الأسف ـ يرى سعادته في مشاهدة الدموع في مآقي الآخرين ، ويرى راحته في سلب الراحة من بيوت الآخرين .
آثار النزاع في الأسرة :
تؤدي النزاعات بشكل عام إلى القضاء على حالة المودة والألفة التي
تسود الأسرة ، إذ يحل محلها الضغينة والحقد ، وإذا ما استمرت هذه الحالة فإن تراكم ذلك سوف يهدد أمن الأسرة واستقرارها . هذا على صعيد الزوجين ، أما على صعيد الأطفال فإن الآثار تتخذ أشكالاً تهدد تربيتهم وتنشئتهم في الطريق المنشود ، فالنزاع يسمم جو الأسرة كما أن دخان المعارك لا بد وأن يحرق عيونهم إن لم نقل بأنه سيخنقهم ويقضي على مستقبلهم .
إن النزاع في الحياة الزوجية يهدد شعور الأطفال بالأمن ويخلق لديهم حالة من الشعور بالخوف مما يشكّل خطراً على نموهم الروحي .
وتحدث الطامّة الكبرى عندما يؤدي النزاع إلى الطلاق والانفصال ، إذ يصل الأمر أخيراً إلى أخطر مراحله ويفقد الأطفال تماماً شعورهم بالأمن ويسلبهم ذلك الجو الدافىء الذي كانوا ينعمون في أحضانه ويتحولون إلى كرات يتقاذفها هذا وذاك ، يقضون وقتهم بانتظار من يمد لهم يداً تساعدهم أو تمسح على رؤوسهم .
حق المرأة :
إن تعدد الزوجات لا يعد امتيازاً للرجل إذا انطوى على مصلحة اجتماعية وأخلاقية ، فتعدد الزوجات يمكن تفسيره على أنه حق للمرأة أيضاً إذا أخذنا بنظر الاعتبار المسألة الاجتماعية كلها لتشمل الدائرة نساء المجتمع ، وعلى المرأة أن لا تفكر بنفسها فقط ، فهناك من لا تجد من يعيلها ، وهناك من لا تجد المأوى الذي تلجأ إليه ، أليس من واجب المرأة هنا أن تفسح مجالاً لغيرها ؟ أليس من حق كل امرأة أن تشكل الأسرة ؟ إذا أضفنا هذا الجانب إلى جميع حسابات المسألة فيمكن أن نطرح تعدد الزوجات على أنه حق للمرأة وليس حقاً للرجل فقط .
المبررات :
هناك مبررات عديدة لتعدد الزوجات منها : المرض المزمن ، العقم ، صيانة المرأة من الانحراف والسقوط الأخلاقي ، ومع كل ذلك تعتبر بعض
النساء وفود المرأة الأخرى بمثابة احتلال ، ويتحول المنزل إلى ساحة حرب مدمرة . إن على المرأة أن تحكّم عقلها في هذه المسألة وأن تأخذ مصلحة أطفالها بنظر الاعتبار ، ذلك أن الرجل إذا ما شعر بحاجته إلى امرأة أخرى فمن الأفضل أن يتمّ الأمر بعلم زوجته وإلا فإنها سوف تفاجأ ذات يوم بما لا يحمد عقباه لأن الرجل سوف يجنح إلى وسائل عديدة لتأمين حاجته تلك وقد ينتهي بعضها بفضيحة مخجلة للأسرة كلها .
مساوىء المنع :
إن رفض المرأة لإقدام زوجها على اختيار امرأة أخرى لن يحل المشكلة بل سيعقدها ويجعل من الحياة الزوجية سلسلة من النزاعات والصراعات المريرة ، إضافة إلى أثره في نشر الفساد الأخلاقي والأمراض النفسية ، وقد يؤدي الأمر في بعض الأحيان إلى فرار المرأة من المنزل ، إن موافقة المرأة على خطوة زوجها ربما يعتبر أفضل الحلول لحفظ الاسرة من الأنهيار إضافة إلى أثره في الحد من توسع الفساد الخلقي والفحشاء .
حديث مع الرجال :
تعتبر المرأة وفود أخرى ومشاركتها لزوجها تهديداً مصيرياً ، ذلك أنها تنظر إلى زوجها وكأنه قد اعتبرها مجرد سلعة قديمة أو شيئاً استنفذ أغراضه ، ومع الأسف فهناك من الممارسات ما يؤيد هذه النظرة . إن انعدام العدالة في التعامل ، والظلم الذي يرتكبه الرجل بحق الزوجة الأولى هو أساس أكثر النزاعات التي تنشب في الحياة الأسرية .
إن تعامل الرجل يجب أن يكون بمستوى الإنسانية على الأقل وأن لا يقدم الرجل على جرح عواطف زوجته أو يعرّضها وأولادها إلى الشعور بالضياع والحرمان ؛ وأخيراً فإن إقدام الرجل على اختيار امرأة أخرى لا يعني أهمال زوجته الأولى وحرمانها من حقوقها ، وسقوطها من قائمة الحسابات .
الفصل العاشر
بواعث أخرى :
استعرضنا في فصول سابقة جانباً من الأسباب المهمة التي تؤدي نشوب النزاع في الحياة الزوجية ، وفي هذا الفصل سوف نتناول طائفة من إلى الأسباب الأخرى التي يمكن أن تكون باعثاً على النزاع بين الزوجين وخاصة لدى الشباب ، وقد تبدو هذه الأسباب ثانوية أو هامشية إلا أنها تكشف عن الجانب العجيب في الطبيعة البشرية .
أ ـ على صعيد الممارسة الذاتية :
1 ـ عدم القناعة :
عدم القناعة قد يرافق الإنسان منذ طفولته ، إذ أننا نشاهد أفراداً لا يقنعون بحقهم بل أنهم يتجاوزون حدهم ويطلبون من الآخرين أن يوافقهم في ذلك ، فإذا ما حدث العكس ثاروا في وجوههم وكأنهم أصحاب حق ، فيبدأ فصل من النزاع .
2 ـ البحث عن العيوب :
قد ينشب النزاع في بعض الأحيان بسبب البحث عن العيوب أو التنقيب عن النقائص فترى أحد الزوجين ولاهم له سوى نصب الكمائن والترصد ومراقبة الطرف الآخر فإذا وجد زلّة شهّر به وهذه العادة تدفع بالزوج أو الزوجة إلى الكراهية والحقد والعداء ولا ينجم عنها سوى الشعور بالمهانة والإذلال وربما دفعت بالضحية إلى التمرد والنزاع .
3 ـ التقريع واللوم :
أن نتصور الزوج أو الزوجة إنساناً معصوماً عن الخطأ أمر بعيد عن الواقع ، فالإنسان مخلوق يخطىء ويصيب ، يمشي ويكبو ، بالرغم من السعي نحو الكمال والتكامل ومحاولة الحد من الأخطاء ، وإذن فإن احتمالات الخطأ واردة وهي طبيعية جداً فإذا صدر خطأ ما فلا يستحق الأمر تقريعاً أو لوماً يعكر من صفو الحياة .
4 ـ الطموح اللامعقول :
وهذا أمر عادة ما يقود إلى نشوب النزاع ، فقد يؤكد أحدهما مثلاً على ضرورة الإفراد في التمجيد والاحترام ، والمظاهر الفارغة ، وتقليد الآخرين والزواج الجديد ، والإفراط في مسائل الذوق .
ب ـ على صعيد العلاقة المشتركة :
ينبغي أن تكون العلاقة الزوجية قائمة على المودة والألفة والطمأنينة وتربية الجيل ، غير أن هناك أسباباً صحية أو اجتماعية تؤثر على مستوى العلاقة الزوجية وتقود أحد الزوجين إلى تناسي الآخر وعدم الاهتمام به ومن بينها العجز الجنسي وغياب الانسجام ، واضمحلال العاطفة الأمر الذي يؤدي إلى التنازع .
كما أن الإعراب عن الاستعداد لتلبية الحاجة الجنسية قولاً وعملاً أمر ضروري ، حتى لو كان هناك إرهاق بسبب العمل أو السفر ، وأن يكون هناك نوع من التضامن بين الزوجين ومحاولة كل منهما دعم الآخر ، فالمكاسب التي يحصل عليها أحد الطرفين لا بد وأن تشمل الآخر .
إن روح الاستعلاء والرغبة في إبراز النفس حالة تدعو إلى النفور ، خاصة في الحياة الزوجية ، ذلك أن هذه الروح تقضي على الصميمية في العلاقات .
إن محاولة أحد الطرفين لإثبات قدراته وامتيازاته يفجّر في قلب الآخر الشعور بالحسد والحقد ، الأمر الذي يجد إلى النزاع .
ج ـ مسائل خارجة عن الإرادة :
قد يحدث النزاع بسبب أشياء ليس للإنسان دخل في صنعها ، فمثلاً تنجب المرأة بنتاً في حين يرغب الرجل أن يكون المولود صبياً مما يدفعه إلى لوم زوجته والحط من شأنها ، في حين أن الأمر برمّته خارج عن إرادتها ، كما أن الوليد هو هبة من الله سبحانه سواء كان ولداً أم بنتاً .
وربما يحاول الأب وانطلاقاً من إيمانه بضرورة تنبيه ابنه أو ابنته كأسلوب تربوي ، ولكنه يجد زوجته تقف سداً حائلاً دون ذلك ، فإذا حصل وارتكب الطفل خطأ ما صب الأب لعناته على زوجته واعتبرها السبب في كل ذلك .
د ـ الحياة الاجتماعية :
كثيرة هي الأسباب التي تفجر النزاع في الحياة الزوجية في هذا المجال ، ومن جملتها :
1 ـ الفضائح :
إن قيام أحد الزوجين بكشف أسرار الآخر عند الآخرين أو محاولة تضخيمها مما يتسبب في إحداث فضيحة الأمر يؤدي إلى تزلزل الحياة الزوجية وتعريضها إلى الخطر .
لقد صوّر القرآن الكريم العلاقة بين المرأة والرجل بأدق التصاوير وذلك في قوله تعالى ( هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهن ) ، فالمرأة ستر للرجل كما أن الرجل ستر للمرأة ، أحدهما يستر عيوب الآخر ونقائصه ، ولذا ففضح الأسرار تترتب عليه آثار لا تحمد عقباها أبداً .
2 ـ المضايقات :
قد ينشب النزاع بسبب المضايقات المستمرة كإقدام الرجل ـ مثلاً ـ على فتح أبواب منزله لمن هبّ ودبّ من الأصدقاء والمعارف ما يحمّل المرأة أعباء استقبالهم والقيام على خدمتهم .
أو تقوم المرأة بدعوة أهلها وأقربائها باستمرار مما يؤدي إلى إرهاق الرجل اقتصادياً ، ولذا فمن الواجب مراعاة هذه المسألة وأخذ الإمكانات بنظر الاعتبار واحترام الزوجين لمشاعر بعضهما البعض .
3 ـ العلاقات الاجتماعية :
وهي مسألة ينبغي أن تخضع لضوابط عديدة ، وعلى الزوجين مراعاة ذلك ، خاصة في ما يتعلق بالروابط ومعاشرة الآخرين ؛ فليس من حقّ الرجل أن يقضي جلّ وقته مع هذا وذاك بعيداً عن المنزل ، فلا يعود إلا بعد منتصف الليل دون أن يحسب لزوجته حساباً ؛ كما ليس من حق المرأة أن تصرف أوقاتها مع هذه وتلك دون أدنى احترام واهتمام بزوجها أو منزلها . ومن الطبيعي أن تقود مثل هذه الحالات إلى البرود في العلاقات الزوجية ، ومن ثم تفكك الأسرة .
4 ـ الانحرافات :
يتفجر الخلاف بين الزوجين أحياناً عندما يتعرض أحدهما إلى اتهام بالانحراف عن الطريق ، حيث يثور الآخرين من أجل كرامة الأسرة ، وقد ينشب العراك إذا فكّر أحد الطرفين بالانتقام من صاحبه ، وعلى أساس ما يسمعه من القال وسوء المقال ؛ وفي مثل هذه الحالات ينبغي التحقق بهدوء وموضوعية ومعالجة الأمر بتعقل بعيداً عن التوتر والتشنج .
5 ـ تدخل الآخرين :
إن السماح للآخرين بالتدخل في الحياة الزوجية هو من أكبر الأخطار التي تواجه الأسرة ، خاصّة تلك التدخلات التي تتخذ جانب التحريض والإيحاء السلبي ؛ وفي هذه المناسبة سنشير إلى بعض صور هذا التدخل .
1 ـ الإعلان عن الرأي :
حيث يقوم والد المرأة أو الرجل بإسداء النصح فيما ينبغي فعله ، وقد تصطدم هذه الآراء مع آراء أحد الطرفين ، وعندها ينشب النزاع .
إننا ننصح الآباء والأمهات وحتى الأخوة والأخوات بعدم التدخل في شؤون الأسرة التي تشكلت حديثاً ، وأن يعطوا للزوجين فرصة لانتخاب
الحياة التي يفضلانها . إن الهمس والتحريض والنصح الذي لا يجد تجاوباً من أحد الطرفين لا يؤدي إلى شيء سوى تفجير الوضع وخلق جو متوتر في حياة الأسرة الجديدة .
2 ـ الحسد :
وقد يأتي التدخل انطلاقاً من الشعور بالحسد ، فهناك ـ ومع الأسف ـ أفراد لا يمكنهم تحمل سعادة الآخرين ، ولذا يبدأون تحركهم لتعويض تلك السعادة من خلال التدخلات في حياة زوجين مما يخلق حالة من النفور بينهما ، وهناك الكثير من الوسائل الشيطانية التي يمكن من خلالها تعكير صفو الأسرة الناشئة :
3 ـ إظهار التعاطف :
يتخذ التدخل أحياناً شكلاً من أشكال التعاطف مع أحد الزوجين إذ يقوم أحدهم بإظهار تعاطفه وصداقته وحبه لأحد الزوجين لاكتساب ثقته ، وبعدها يقوم بعمله من خلال ذلك ؛ فمثلاً يقول للمرأة : منذ زواجك وحالتك الصحية تسير نحو الأسوأ .. إن زوجك لا يليق بك أبداً .. إنه يؤذيك ولا يعرف قدرك .. لو كان يعرف قدرك لفعل هذا ، وجاء بذاك .
إن الإصغاء لمثل هذه الأحاديث المسمومة تؤدي بطبيعة الحال إلى إضعاف العلاقات الزوجية وخلق حالة من أزمة الثقة وبالتالي بداية نشوب النزاع في الحياة الأسرية .
4 ـ انتظار الفرص المناسبة :
ربما يحصل سوء تفاهم بين الزوجين يصل إلى إسماع الآخرين حيث تتنوع المواقف وتختلف ردود الفعل بين ناصح ومشفق وبين حاسد لا يبغي سوى تقويض العلاقات بينهما ، ولذا فهو يعتبرها فرصة ذهبية للهجوم على أحد الزوجين ونعته بأقذع الكلمات واتهامه بأنه لا يعرف قدر زوجه أبداً ، الأمر الذي يرضي الطرف الآخر ، وفي نفس الوقت يكون قد دقّ إسفيناً في حياتهما المشتركة ، وعندها تتعقد المشكلة ويصعب حلّها .
و ـ عوامل أخرى :
وهناك جوانب أخرى تؤدي إلى النزاع ، منها الإصغاء لآراء الآخرين ؛ الميل وحب النزاع ، الجهل ، وجود بعض المشاكل ؛ الأمراض المزمنة التي تضعف من قابلية الإنسان على التحمل ؛ الشعور بالمرارة التي تنشأ عن الخلافات خارج الأسرة ؛ وأخيراً الرغبة في التسلط وإثبات القدرة .
توصيات عامة :
الحياة الزوجية المترعة بالآلام والمشاكل ، الزاخرة بالنزاعات والأحقاد ، التي لا أثر فيها من حب أو احترام أو مودّة ؛ لا يمكن أن نعتبرها حياة ، فضلاً عن اعتبارها حياة أسرية ؛ ذلك أنها تفتقد مقومات الأسرة ، حيث يغرق الطرفان في بحر من المآسي ويغرقان معهما أطفالهما .
إن على الزوج إذا كان يحب زوجته أن يقرر استيعابها وتحملها ، وانتهاج الطريق السليم الذي يصلحها ؛ وعلى المرأة إذا كانت تفضل الحياة مع زوجها أن تتحمل بعض أخطائه من أجل أطفالها على الأقل .
إن تربية الأطفال ورعايتهم مسؤولية كبرى يجب أن يضحي الزوجان في سبيلها وأن يتحمل أحدهما الآخر من أجلها .
وأخيراً ، فإن النزاع ليس الوسيلة الوحيدة التي من شأنها إصلاح الأسرة بل هو معول هدّام لا يرحم ، يقوّض أساس الأسرة ويؤدي إلى انهيارها .
القسم الثالث
مواقف في قبال النزاع :
ما هو الموقف الذي ينبغي اتخاذه إذا حاولت زوجتك فرض حالة النزاع عليك ؟ لسنا بصدد طرح الأسئلة ، خاصّة في قضايا حساسة كهذه ، لكننا نحاول البحث عن المواقف المطلوبة لتسوية النزاع أو التخفيف من حدّته أو محاولة تلافي وقوعه .
إن الحياة المشتركة تتطلب في البداية السعي لتصفية التناقضات التي تؤدي إلى وقوع النزاع ، ذلك أن علاج المسألة من جذورها هو الضمان الوحيد للقضاء عليها وعدم ظهورها أو تجددها في المستقبل .
ويعتبر هذا الإجراء مرحلة أولية في محاولة الحدّ من النزاع ، وفي المرحلة الثانية تتوفر لدى المرأة الشجاعة الكافية للاعتراف بالخطأ ، ذلك أن اعترافك بخطئك لا يعد ضرورة فحسب بل واجباً اجتماعياً يصب في مصلحة الأسرة ، ويحول دون وقوع كارثة محتملة .
كما أن تحملك وصبرك وتسامحك وتضحيتك ورغبتك في استمرار الحياة المشتركة هو خطوة إيجابية في طريق حل النزاع وإعادة روح الصفاء إلى جو الأسرة ؛ وإذا استعصى التفاهم فمن الممكن تحكيم طرف ثالث يتمتع بالمواصفات المطلوبة كالخبرة والنضج والجلوس معاً وحل النزاع بروح موضوعية هادئة .
الفصل الأول
تأمّل في بواعث النزاع :
أن توقع حياة زوجية خالية من كل مشكلة أمر خاطىء وبعيد عن الواقع . إن الحياة المشتركة التي تعني اشتراك إنسانين في الحياة تحت سقف واحد بالرغم من الاختلافات العديدة في الذوق والرأي والفكر ، يهيىء الأرضية المناسبة لحدوث التّصادم ؛ ولذا فإن المطلوب من الزوجين إدراك هذه المسألة واحترام كل منهما لذوق وآراء الطرف الآخر .
أن على الزوجين ـ وأعتباراً من اليوم الأول لبدء الحياة المشتركة ـ أن يفكرا بهذا الجانب وأن يقدما التنازلات لكي يمكنهما الوقوف على أرضية مشتركة تكفل لهما التّعايش بصفاء .
مواقف خاطئة :
نشاهد ـ ومع الأسف ـ العديد يستخدمون أسنانهم بدل أصابعهم لحل عقد الحياة وينتخبون طريقاً خاطئة للوصول إلى الهدف بدل الطريق الصائب .
إن إستخدام سياسة العصا الغليظة في الحياة يعتبر في الواقع حماقة لا تؤدي الاّ إلى نهاية بائسة ؛ وإذا كان هناك أسلوب صحيح يضمن سعادة الحياة الزوجية فإنما يكون من خلال المواقف الخيّرة .
يظن البعض خاطئين أن أفضل أسلوب لحل المشاكل هو الانتحار وعدم مواجهتها ؛ ولا يعتبر هذا بطبيعة الحال حلاً ، ذلك أن فرارنا لن يغيّر من الأمر شيئاً سوى إدخال السعادة على أعدائنا .
كما أن الانتقاد والإساءة في التعامل والنزاع والتناطح هو الآخر ليس حلاً للمشاكل ، إن أفضل الطرق لحل القضايا هو في قضاء ساعة من العمر في التأمل ومراجعة النفس والبحث عن الطريق الصحيح الذي يرضي الله سبحانه ، ذلك أن طريق الخير هو من أكثر الطرق يسراً وخلوّاً من العقبات .
البحث عن أهداف النزاع :
قبل اتخاذ أي موقف ينبغي السعي للبحث عن جذور وأهداف النزاع ، ذلك أن معرفة بواعث النزاع يساعد على اتخاذ الموقف الصحيح . إن المودة والحب المنشود في الحياة الزوجية لا يتحقق إلا بالقضاء على جذور النزاع ومعرفة البواعث والأسباب التي تكمن وراءه ، ومن ثم تقديم الحلول المناسبة .
كما أن بحث الأمر مع بعض الأصدقاء والمعارف ممن يثق برأيهم وعقلهم ، بل وحتى بحث ذلك مع الزوجة نفسها يساعد على حلحلة الكثير من المشاكل والعقد .
وللبحث في الأسباب والأهداف التي تكمن وراء النزاع يمكن تصنيفها في أربعة مجالات هي :
أ ـ ما يرتبط بك ، وعليه يتعين المبادرة لعلاج المسألة ذاتياً .
ب ـ ما يرتبط بزوجك وشريك حياتك ، وفي هذه الحالة يتعين عليك وعلى الآخرين الإقدام للإصلاح ومعالجة الأمر .
ج ـ ما يرتبط بالزوجين معاً ، وهنا ينبغي الإقدام سوية والعمل على تسوية النزاع من الجذور .
د ـ ما يرتبط بالآخرين وتدخلاتهم ، وفي هذه الحالة يتوجب اتخاذ ما من شأنه أن يمنع كل أشكال التدخل السلبي .
أ ـ ما يتربط بك :
تعج النفس البشرية بالكثير من العواطف والميول ، كما تموج بالعديد من الطموحات الخيالية ، ولذا ينبغي البحث دائماً عن جذور جميع المشاكل
في أنفسنا وأعماقنا ، وليس من حقنا أن نعتبر الطرف الآخر الذي يقاسمنا الحياة مسؤولاً عن كل ما ينشب من نزاع وكل ما يشتعل من عراك . لماذا لا نحاول أن نتأمل الأمور بموضوعية ؟ لماذا لا نبحث عن أخطائنا ؟ لماذا نغض الطرف عن مواقفنا ونطالب الآخرين بتنفيذ آرائنا والانصياع لنظرياتنا ؟ إن أوليات الحياة المشتركة تتطلب احترام الآخر ، احترام رغباته وميوله وأفكاره وإنه إنسان له شخصيته وكرامته وحقه في التعبير والمشاركة .
إن أقل الآلام التي تسببها للطرف الآخر قد يعصف بالحب الذي يربطك وإياه ، ذلك أنه لم يكن ليتوقع هذه الإساءة منك .
ينبغي أن تكون الممارسة بحيث لا تحرك غضب ، غيرة ، وحسد الطرف الذي يقاسمك الحياة .
إن ضبط النفس وصيانة اللسان عن الكلام الجارح من مقومات الشخصية الإنسانية ، خاصة في الحياة الزوجية .
دع البحث عن العيوب جانباً وابتعد عن الرغبات الخيالية ، وخذ حق بنظر الاعتبار واحترام آراءه : فهذه أوليات وألف باء الحياة الزوجية .
لا تحاول أبداً فرض نفسك على الآخرين ، ولا تتخذ من الممارسات السيئة أسلوباً في التعامل ، ولا تطرح نفسك ديكتاتوراً في الأسرة .
إن هذه الأمور تعمل عمل المعول في هدم الأساس الأسري .
ج ـ ما يرتبط بالزوجين معاً :
وفي هذا اشتراك واضح في خلق النزاع أو المشكلات ، فالرجل يتحمل نصيبه في إثارة الصراع وكذلك المرأة مسؤولة في تغذية ذلك النزاع أو استفحاله أو بالعكس ، وإذا أردنا أن نبحث في بواعث النزاع نجده فيما يلي :
التساهل في مسائل العفة والتقوى ، عدم رعاية الضوابط الأخلاقية ، الفوضى في المعاشرة ، عدم رعاية الحقوق المتبادلة ، انعدام الاحترام المشترك ، التدخل في الشؤون الخاصة ، غياب التحمل الناجم عن الإرهاق في العمل اليومي ، غياب الخبرة المطلوبة ، إثارة العيوب أمام الآخرين ، ومحاولة إثبات القدرة .
ومما لا شك فيه ينبغي في مثل هذه الحالات على كل من الطرفين السعي لإصلاح عيوبه قبل أن يفكر بإصلاح عيب الطرف الآخر ، إن الحياة المشتركة تعني الالتزام ببعض التعهدات المتبادلة ، ولذا فإن رعاية جانب العفة والتقوى ليس أمراً منحصراً بالمرأة فقط بل إن هذا الجانب يشمل الرجل أيضاً ، وما أكثر النزاعات التي تنشب بسبب غضب المرأة حيال تصرفات وسلوكيات زوجها .
وهذه المسألة كثيراً ما تطرح من قبل الزوجات ، حيث يشكين غياب التزام أزواجهن ، كما أن التدخل في الشؤون الخاصة هو الآخر يثير بعض الحساسيات التي تؤدي إلى النزاع .
إن واجبنا أن نحترم الطرف الآخر وأن نقدره لا أن نصب عليه اللعنات أو نهاجمه ، فإذا كان أحدنا قليل التحمل أو متعباً بسبب عمله اليومي أو يحمل بعض عقد الماضي فليس لزوجته ذنب في ذلك .
د ـ ما يرتبط بالآخرين :
تناولنا في بحوث سابقة أن بعض الأفراد وانطلاقاً من حسدهم وجهلهم وميلهم إلى الانتقام يتدخلون في شؤون الأسر في محاولة لتقويضها ، بل أن بعض التدخلات تسفر عن نتائج سلبية بالرغم من النوايا الحسنة التي تدفع بعض الخيّرين لإصلاح ذات البين .
حديث مع الشباب :
ينبغي أن نذكر الشباب من الذين ولجوا عالم الحياة المشتركة ببعض النقاط المهمة ، واعتبارها كمعالم في طريق حياتهم الزوجية .
1 ـ إن اعتبار الرجل قيّماً على الأسرة ورئيساً للعائلة لا يعني منحه سلطة مطلقة تتحكم في مصير أفرادها .
2 ـ على المرأة أن لا تستغل هدوء الرجل أو سكوته وحلمه في كثير من الأمور فتدمر هذه الصفات السامية فيه .
الفصل الثاني
الاعتراف بالخطأ :
في الحياة الاجتماعية يمكن لإنسانين أو حتى لفئتين اختلفتا وانفصلتا عن بعضهما البعض ، يمكن لهما الجلوس على مائدة واحدة والتحاور بينهما وتسوية ما حصل من نزاع بقليل من المحبة والتسامح . وقد يعقب هذا الحوار الهادئ ، ليس عودة العلاقة كما كانت عليه ، بل وربما عودتها أقوى وامتن من ذي قبل ؛ وهذا لا ينطبق على عالم الصغار والشباب بل يتعداه إلى دائرة أوسع وأكبر .
إن ما يبعث على الأسف حقاً وجود بعض الأفراد الذين يعيشون سوية ويشتركون في الحياة معاً ، ولكنهم يمضون حياتهم بالآلام والمتاعب دون أن يفكروا باتخاذ المواقف الصحيحة تجاه بعضهم البعض أو أن ينتهجوا السلوك السليم الصائب ، بل إنهم وبدل ذلك يزيدون الطين بلّة باتخاذهم المواقف الخاطئة ، وبعدها يتمنون الخلاص من هذه الحياة الجهنمية التي صنعوها بأنفسهم !
نعم إنه أمر يبعث على الأسف حقاً أن يقوم زوجان ، وفي مقتبل حياتهم المشتركة ، وبسبب جهلهم وانعدام خبرتهم في اتخاذ المواقف ، بتحويل عشهم الدافئ إلى جحيم مستعر . وبالرغم من ادعائهما النضج الفكري فإنهما يسدّان جميع الطرق التي تؤدّي إلى أن يعيشا بسلام وطمأنينة .
إن ارتكاب أحد الزوجين لخطأ ما لا يبرر للآخر إعلان « الحرب » وتحويل المنزل إلى ساحة للعمليات والقتال ؛ والمطلوب من الزوجين أن
يحلاّ مشاكلهما واختلافاتهما في جوّ من التسامح والمحبة والتضحية . . وهذا هو الطريق الذي يؤديّ إلى السعادة .
واجبات التربية :
لا تنحصر الواجبات الزوجية في تلك العلاقات المشتركة بينهما ومسؤوليتهما في تربية أبنائهما ، بل إن هناك من الواجبات الأخرى ما يفوق ذلك حجماً .
إن واجباتهما تجاه بعضهما البعض تربوياً وأخلاقيا مسألة جوهرية بالرغم من عدم وجود ما يشير إلى ذلك في عقد الزواج .
إن الرجل والمرأة مسؤولان عن إصلاح أفكار وآراء وسلوك بعضهما البعض . إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الواجب على جميع المسلمين يشمل ـ أيضاً ـ الحياة الزوجية ، بل إن الحب الحقيقي يتجسد في موقف الرجل تجاه زوجته وموقف المرأة تجاه زوجها ومحاولة كل منهما إنقاذ شريك حياته من سوء العاقبة وهدايته إلى الطريق الذي يؤدي به إلى السعادة في الآخرة .
وإذن فإن الرجل هو المسؤول المباشر عن زوجته في مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وكذا فإن المرأة هي الأخرى مسؤولة أيضاً .
أخطاؤنا :
كل ابن آدم خطّاء ، ليس هناك من لا يخطئ حتى أولئك الذين وصلوا المراتب العليا من الحكمة والعلم ، والقلة القليلة جداً من البشر التي تخلو حياتهم من الأخطاء .
إن الأخطاء التي تحدث في الحياة الزوجية هي بمثابة نقاط سوداء تشوّه وتعكّر صفو الحياة المشتركة ، بل وتهدد الأساس الأسري بالإنهيار . إننا ، وبسبب جهلنا ، وتربيتنا الخاطئة ، وعدم تحملنا ، وعقدنا المختلفة ، نتسبب في إيذاء أزواجنا من خلال كلام جارح أو وجه عابس أو إشعارهم
بالمنّ عليهم مما يعرض توازنهم النفسي إلى الخطر ويؤدي بهم إلى الشعور بالذل والمهانة .
مواقف مختلفة :
في قبال تلك الحالة هناك موقفان لا ثالث لهما وهما :
1 ـ المكابرة والعناد :
والتي تنطلق من أنانيتنا وغرورنا لا غير . إن ارتكابنا للخطأ ثم إصرارنا عليه باعتباره موقفاً صحيحاً وأسلوباً صائباً في التعامل هو في الحقيقة نرجسية لا جدوى من ورائها سوى إيذاء أزواجنا وشعورهم بالتأسف على مصيرهم .
إن هكذا موقف هو بعيد كل البعد عن الإنسانية عندما لا يرى المرء سوى نفسه فقط ولا يفكر إلا بنفسه بل لا يشعر بوجود الآخرين من حوله ؛ إن حياةً تقوم على هذا المنطلق ، وعلى هذه الرؤية ، حيث تكون السيادة للأقوى ، لا يكتب لها الاستمرار بل لا يمكن اعتبارها حياة إنسانية . . إنها أشبه ما تكون بالحيوانية .
مسألة الكرامة :
قد يفكر البعض بأن الاعتراف بالخطأ سوف يوجّه ضربة إلى كرامتهم ويحطّ من قدرهم أمام أزواجهم .
غير أن العكس هو الصحيح ، ذلك أن اعتراف المرء بخطئه لا يعدّ منقصة له أبداً ولن يجعله صغيراً أو حقيراً بل سوف يكبر في نظر الآخرين ، وسيضيف إلى شخصيته بعداً آخر يجعله مثلاً أعلى . وإذا افترضنا إن ذلك سيحطّ من شأنه أمام زوجه ولكنه سيجعله كبيراً أمام الله سبحانه .
إن عدم اعترافك بالخطأ سيعرضك إلى عذاب نفسي وروحي ينغص عليك حياتك ، فما هو الضرر إذن في أن تبادر إلى إرضاء ضميرك ووجدانك ، وسعيك إلى ضبط نفسك تجاه زوجك ومراعاة العدل والإنصاف في تعاملك مع شريك حياتك .
بعد النظر :
ينبغي على الزوجين أن ينظرا ويفكرا في المدى البعيد إلى آفاق المستقبل ، فإذا بادر أحدهما إلى الإعتذار عن خطئة فإن على الآخر أن يفتح له قلبه وذراعيه وأن لا يعتبر ذلك فرصة للتنكيل به والانتقام منه ، بل ينبغي غض النظر عن أخطائه تلك .
إن أقدام أحد الطرفين على الاعتذار من شريك حياته يحب أن يعتبر خطوة إيجابية تستحق التقدير لا اللوم والتنكيل .
إن الحياة الزوجية لا تنهض على الانتقام ؛ ما هي المصلحة التي تجنيها المرأة إذا أصبح زوجها رجلاً ضعيفاً محطّماً يتحمل أنانيتها وغرورها .
اعتذار المرأة :
كذلك نحذر الرجل فيما إذا أخطأت زوجته أن لا يلجئها إلى الاعتذار مما بدر منها من سلوك ، ذلك أن للمرأة كبرياءها وكرامتها وعاطفتها التي قد تأبى لها مثل هذا الموقف .
إن من المصلحة عدم الإصرار عليها ، فجرح كرامتها سوف تكون له انعكاسات وخيمة على تربية الأطفال ، إضافة إلى الفتور في علاقتها مع زوجها ؛ ذلك أن شخصية المرأة تكمن في تلك العاطفة المخزونة ، كما أن شخصية الرجل تكمن في ضبطه نفسه .
إنها زوجتك فدعها تشعر بالأمن في قربك . دعها تشعر بأنك ملجأها الوحيد الذي يحميها من تقلبات الزمن . دعها تضع رأسها المثقل بالهموم على رأسك لتشعر بالراحة وتغفو .
ولو جرحت كرامتها وحطّمت كبرياءها عندها لن تكون زوجة محبّة لك ولن تكون أيضاً حضناً دافئاً لأبنائك .
تجنب الاعتراف في غير موضعه :
ربما نشاهد بعض الأزواج الذين يبادرون ، ومن أجل وضع حد للنزاع والعراك ، إلى الإعتراف بأخطاء لم يرتكبوها ؛ وعلاوة على ذلك فإنهم يعتذرون إلى أزواجهم . ولعل هذا الإجراء فوائد آنية معينة ، ولكنه على المدى البعيد له آثاره التخريبية السيئة .
إننا نؤكد على الحفاظ على الدفء في الجو العائلي ، ولكنا لا نقول أن ينذر أحد الزوجين حياته من أجل الآخر ، ذلك أن كلاً منهما إنسان ، وهو مسؤول أمام ربه قبل أن يكون مسؤولاً أمام زوجه ، وأن عقيدتنا الإسلامية لا تسمح لنا بإذلال أنفسنا إلى أي إنسان كائناً ما يكون ، فالقيم الإنسانية يجب أن تكون في مأمن من التدمير ، وأن تملّق الظالم ، حتى على مستوى الأسرة ، أمر لا يسمح به الدين ولا يتساهل فيه .
نعم ، هناك الإعتراف بالخطأ . . الإعتراف بالظلم . . وهو أمر لا يسمح به الإسلام فحسب بل ويحث عليه لما فيه من الشجاعة والشهامة وما فيه أيضاً من تكامل الشخصية .
أما إذا انتفى الخطأ فلا معنى للاعتذار ، وينبغي هنا الإصرار والسعي لإثبات البراءة .
السلوك الهادئ :
ينبغي على كلا الطرفين الالتزام بضبط النفس سواء في حالة الاعتذار أو في حالة سماع الاعتذار ، ذلك أن الهيجان وعدم فسح المجال للآخر بالاعتذار سيكون سباحة في وجه التيّار مما يفوّت الفرصة على عودة الصفاء العائلي .
إن السلوك الهادئ يبعث الشعور بالطمأنينة في القلب وينمّي القوى العقلية والفكرية في النفس ، فالرجل يطمح أن يرى في زوجته حضن الأم الدافئ ، كما أن المرأة تتمنى أن تجد لدى زوجها رعاية الأبوة وحنان الوالد .
ينبغي أن يكون سلوكك مع زوجتك عين ما تتمناه منها ، وأن تكون لها ملجأ آمناً يمنحها الشعور بالطمأنينة والسلام . إنك إذا أخفقت في ذلك فقد تفكر زوجتك وبدافع غريزة الخوف إلى البحث عن ملاذ آخر مما يعقد الحياة الزوجية ويعرضها إلى أخطار كبيرة .
وأن المرأة تتمنى أن تكون لزوجها ذلك الحضن الدافئ الذي يشعره بالحنان والحب فإذا أخفقت المرأة في ذلك خطر للرجل أن يفكر في البحث عن ذلك الحضن الذي افتقده لدى زوجته .
وفي كل تلك المراحل ، علينا أن ندعو جميعاً أن نكون أزواجاً طيبين نتحمل في سبيل أسرنا كل متاعب الحياة لينشأ أطفالنا في ظلال وارفة من الحب والمودّة والصفاء .
الفصل الثالث
التسامح والصبر :
الحياة الزوجية ، كما عبروا عنها ، تآلف روحين وتجانس قلبين ، حيث يستعد كل منهما للتضحية بكل شيء في سبيل الآخر ، وبهذا تبدو الحياة الزوجية جميلة ورائعة ومملوءة بالأمل .
إن تحول الأسرة إلى ساحة للحرب والمنازعات والاشتباكات يجعل من الحياة مريرة تغتال أجمل شيء فيها وهو الأمل ، ذلك أنها تقف سداً يحول دون تكامل الإنسان ، كما أن عبادة الله سبحانه تستلزم شعوراً براحة البال واطمئنان الخاطر ، في حين يسلب النزاع العائلي ذلك ويشغل بال الإنسان بتلك الخلافات التي تقف عند حد وتأخذ من المرء جهده وأعصابه ووقته غافلاً عن كثير من واجباته في هذه الدنيا بل إنها قد تقوده إلى الهاوية والسقوط .
الحياة وتغيراتها :
إن بعض الناس يتصورون الحياة ـ عن جهل ـ عالماً وردياً جميلاً ، طافحاً بكلّ ألوان السعادة ، وبهذه الخيالات يقدمون على الزواج ، غافلين عن أن المرء لا بد وأن يواجه في طريقه ألواناً من المتاعب والمشكلات ؛ ولذا فإننا نراهم ينكصون على أعقابهم ويستسلمون لدى أول تجربة مرة في هذا الطريق وإذا بالأسرة التي تشكلت حديثاً تنهار وتتفكك وتنتهي إلى مأساة .
الحياة زاخرة بالمتاعب طافحة بالآلام ، وعلى الإنسان أن يشق طريقه
خلال طبق ضوابط معيّنة تكفل له تحمل كل ذلك ومقاومته لنيل السعادة المنشودة .
إن تصور الحياة خالية من الآلام والمتاعب هو تصور خيالي تماماً ، والقليل جداً من الناس ممن عاشوا تلك الحياة ومع ذلك فلا يمكن اعتبارهم سعداء ، ذلك أن تكامل الإنسان وتقدمه مرهون بمقاومته المتاعب واجتيازه الامتحان بنجاح .
وشخصية الإنسان تصنعها الحوادث وتصقلها المشكلات فيتخرج المرء وهو أقوى روحاً وأطول نفساً وأكثر تحملاً ومقاومة أما الأمواج والعواصف .
ضرورة الصبر :
لا تنسجم الحياة الزوجية مع الدلال أبداً . إنها تتطلب إنساناً صبوراً لكي يمكنه خوض التجربة بنجاح ، أمام أولئك الذين يفتقدون الصبر فإنهم لا بد وأن يخفقوا في ذلك لدى أول مشكلة تواجههم ، ينبغي عليهم أن يدعو الدلال جانباً لكي يمكنهم مواجهة المتاعب .
إن الذين أخفقوا في حياتهم الزوجية والذين غرقوا في خضم النزاعات والخلافات مع أزواجهم كان ينقصهم شيئاً واحداً وهو الصبر والتحمل .
وفي أدبياتنا ـ كمسلمين ـ نجد اهتماماً كبيراً بالصبر ، فالقرآن الكريم يحث على الصبر في نواحي الحياة ، ونبينا العظيم يأمرنا بالصبر ، وكذلك نجد هذه المسألة تأخذ جانباً واسعاً في أحاديث الإمام علي وخطبه .
قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) : « من صبرت على سوء خلق زوجها أعطاها الله مثل ( ثواب ) آسية بنت مزاحم » بحار الأنوار ج 103 ص 347 .
الحياة والتسامح :
لا يمكن للحياة الزوجية أن تستمر دون رعاية للحقوق الزوجية التي يحدّدها القانون والمجتمع ، وهي في كل ذلك تحتاج إلى التضحية والتسامح
والخلق الرفيع . ذلك أن عدم التسامح في الحياة يخلق العديد من المشاكل التي يكون المرء في غنى عنها .
إن قانون الحياة يقوم على الصبر وتحمل المشكلات خاصّة إزاء ما يصدر عن زوجتك من سلوك . إن غض النظر قليلاً ومعالجة الوضع بروح من الصبر والنفس الطويل هو في صالحك وصالح أبنائك وأسرتك ، ذلك أن الحياة لا يمكن احتمالها بغير ذلك .
كما أن الحد من طموحاتك تجاه زوجتك وتوقعاتك إزاءها يمنحك القدرة في استيعاب بعض ما ينجم عن الحياة المشتركة ، فلست علياً في مثال الكمال وزوجتك ليست فاطمة في سمو المقام ؛ وإذن فلا ينبغي التشدد مع زوجتك وأن يكون هناك نوع من التساهل إزاء ما يصدر عنها من أخطاء .
إن فن الحياة هو قدرتك على إرساء السلام وإشاعة الود في محيط الأسرة ، وهذا يتأتّى من قدرتك على ضبط النفس وأن يسبق عفوك غضبك وأن يكون التّسامح شعارك في كل ذلك ، وعندما تصبح بهذا المستوى فإن ثمار السعادة تكون في متناول يديك .
المرأة والدفء العائلي :
من الضروري هنا أن يكون لنا حديث مع السيدات وهو أن الدفء الأسري إنما ينشأ عن عطف وحنان المرأة وأن جمال المرأة الحقيقي إنما يكمن في تلك الأعماق المتفجرة بالحب لا بذلك المظهر الفارغ ، وأن الرجل إنما يهفو إلى هذا الجانب الزاخر بالعاطفة الفياضة .
وأن الأساس في دور المرأة كزوجة ناجحة أن تنفذ إلى قلب زوجها وروحه وأن تشعره بالحب والمودة ؛ فمن المتحمل أن يكون الزوج رجلاً يسيء معاملتها ولكن من الممكن تطويعه من خلال مرونتها معه وحسن سلوكها تجاهه .
إن على المرأة أن لا تشتكي سوء زوجها وأن تسأل نفسها أولاً هل هي أحسنت معاملته ؟ هل ألانت له القول ؟ وهل أجملت في الحديث ؟
إن الحياة العائلية إنما تتبلور في ظلال الحب والعاطفة ، وأن البيت إذا أقفر من الحب والصفاء فلا يمكن العيش فيه ، وأن الإنسان يعتبر نفسه قد أخفق إذا آل الأمر إلى ذلك المصير ؛ ولذا فإنك تكونين قد أخفقت في إشاعة الدفء في الأسرة والبيت الزوجي ؛ وإذا شعر الرجل بدفء الحب هوى قبله إليك وإلى لقائك في المنزل كما تهفو الطيور إلى أعشاشها .
المرأة وتحمل الحياة :
يحتاج الإنسان في تسيير شؤون حياته إلى قدر من المال ، ولكي يعيش سعيداً فإنه لا يحتاج إلى ثروة طائلة بل إلى قدر من الأخلاق الرفيعة ، ذلك أن الخلق الكريم يفوق في قيمته الثراء آلاف المرات ، وأن النجاح في الحياة إنما يتوقف على صبر الإنسان وتحمله ومواجهته أعباء الحياة بروح عالية .
إن شخصية الإنسان تصنعها الحوادث وتصقلها الشدائد ولا يتحمل ذلك سوى النساء اللاتي وصلن إلى درجة الملائكة وسوى الرجال المؤمنين الذين آمنوا بالأسرة وحرمتها ، ولذا فهم يتحملون في سبيل صيانتها كل المتاعب والآلام .
وهذا ليس مستحيلاً ، لأن الله قد خلق الإنسان ـ امرأة ورجلاً ـ ومنحه القدرة على الصبر والتحمل إزاء ما يواجهه من محن ومصائب .
مرونة الرجل :
تنشب النزاعات في بعض الأحيان بسبب إهمال المرأة بعض مسؤولياتها في الحياة الزوجية خاصة في الأيام الأولى ، ولذا نوصي الأزواج أن يبدوا قدراً من المرونة إزاء ذلك ، حتى إذا لمسوا بعض العناد . إن تسامح الرجل ضروري جداً في إرساء دعائم الأمن والسلام في الحياة المشتركة .
وقد أوصى نبينا الكريم بالإحسان في معاملة المرأة ، وكذلك وردت توصيات عديدة في أحاديث الإمام علي (ع) في مداراة والتجاوز عن أخطائها وهو يتبعها : « ألا تحبّون أن يغفر الله لكم ؟ » .
عليكم أنتم أيها الرجال تحمل مسؤولياتكم خاصة في المنعطفات الخطيرة وأن تمارسوا نوعاً من ضبط النفس إزاء انفعالاتكم . إن الله قد منحكم قوة عضلية تفوق المراة ولكن ذلك لا يعني أنه يغفر لكم باعتدائكم على أزواجكم بالضرب والشتم .
إن حسن أخلاقكم من شأنه أن يقضي على كل جذور الفتنة قبل أن تنمو أشواكها . أما إذا أصبحت الحياة حجيماً لا يطاق ، جحيماً لا يمكن احتماله فإن الله قد فتح لكم عند ذلك باباً للخلاص .
انتظارنا من المرأة :
لا بأس من الإشارة هنا إلى انتظار شريعتنا وعقيدتنا من المرأة ، إذ ليس المطلوب منها تجنب النزاع مع زوجها فحسب بل ينبغي لها أن تكون ملاذاً له وسكنا يشعره بالطمأنينة والأمن والاستقرار . لقد كانت فاطمة الزهراء المثل الأعلى للزوجة المخلصة ، وكان زوجها العظيم يشعر بالسعادة وهو يجلس إلى جانبها ويتجاذب معها أطراف الحديث ، وكان قلبه المثقل بالهموم يهفو إلى المنزل كلما داهمته الكروب . لقد كانت عليها السلام تشارك زوجها السراء والضراء وتعينه على طاعة الله سبحانه ، فكانت مثالاً سامياً للمرأة فتاة وزوجة وأمّاً .
تصحيح الذات :
إننا ـ وفي بعض الحالات ـ نجد أنفسنا تحلّق عالياً في عالم الخيال ، نطمح إلى تحقيق رغباتنا بالرغم من صعوبتها . إننا لا نقول ينبغي أن نغض النظر عن جميع طموحاتنا وأن نطفىء شعلة الأمل المتوقدة في أعماقنا ، بل نقول يجب أن نأخذ بنظر الاعتبار منطق الواقع في كل ذلك ، وحتى لو فرضنا إمكانية تحقق تلك الطموحات ، فإننا ينبغي أيضاً أن نأخذ بنظر الاعتبار قيمة ذلك وهل تساوي أن يضحي الإنسان من أجلها باستقرار الأسرة .
ينبغي على المرء أن يهذب نفسه ويمسك بزمامها وأن لا يدع الأهواء تسيطر عليه .
إن للتشاؤم وسوء الظن حداً أيضاً وتحمّل زوجتك هو الآخر له حدوده أيضاً ، فلا تحمّلها ما لا تطيق .
إن الدين هو أعظم مدرسة لتربية النفس وأن الخلوة مع الله سبحانه والتضرع إليه يهب النفس الشعور بالطمأنينة والسلام .
الفصل الرابع
التحكيم :
إن الأصل في الحياة الزوجية هو رعاية الحقوق المتبادلة والعدل والمساواة والاحترام ، ولذا فإن استمرارها وديمومتها إنما يتوقف على هذه الأسس والمبادئ .
ولذا يحتاج الأمر إلى تفهم من قبل الطرفين إلى ذلك وإلى إدراك أحدهما أخلاق الآخر واحترام شخصيته كانسان أولاً وكشريك في الحياة ثانياً ؛ ذلك أن أقل محاولة لفرض الرأي بالقوة وعدم مراعاة تلك الأسس سوف يضر بالحياة الزوجية ويعرّضها إلى القلق وعدم الاستقرار .
إننا نشاهد البعض وبسبب النزاعات الزوجية يقدمون على الطلاق الذي هو أبغض الحلال عند الله .
وبالرغم من شرعية الطلاق في الإسلام إلا أنه يعتبر آخر الوسائل التي يضطر المرء إلى استخدامها إنها آخر وأخطر عملية جراحية يقوم بها الزوج عندما تعجز جميع الوسائل الأخرى .
إن على الزوجين أن يمنعا نفسيهما ما أمكن من التفكير في الطلاق والانفصال وأن على الذين يمتلكون وسائل مؤثرة منع الزوجين من الإقدام على الطلاق ما أمكنهم في ذلك .
التنازلات :
ما أجمل الإنسان عندما يرى الأوضاع متأزمة في الأسرة وأن النزاع سوف ينفجر في المنزل وهو يقوم بالتنازل عن بعض حقوقه مقابل تثبيت
دعائم الأسرة . . ما أجمل الإنسان وهو يضحي في سبيل الله من أجل سعادة أبنائه .
ينبغي على الإنسان أن يتحمل وأن يكون طويل النفس . . بعيد النظر . . يغض النظر عن بعض الأخطاء التي يراها . . يتظاهر بعدم سماعه لكلمة جارحة . . يحتوي غضبه ويمنعه من الانفجار . . ذلك أن أكثر المسائل سوف تحلّ في المستقبل عبر التفاهم وعبر إصلاح الطرف الآخر وعودته إلى جادّة الصواب ، وعندها يكون المرء قد أحرز على نفسه انتصاراً كبيراً يكون أجره السعادة ورضوان من الله أكبر .
إننا ـ ومع الأسف ـ نشاهد البعض وقد مرّ على زواجه الأعوام والسنون ، ولكنه يجد نفسه عاجزاً عن تحمل شريك حياته عاجزاً عن ضبط نفسه في المنعطفات الحادّة والحساسة من حياته ، وعندما يقدم ـ وبسبب غضبه الأعمى ـ على ارتكاب خطأ يندم عليه فيما بعد ، وحينها لا ينفع الندم .
التفاوض :
إن من أنجح السبل في حل النزاع في الحياة الزوجية هو الجلوس للتفاوض حول المشكلة بأعصاب باردة وهدوء كامل ، والاستماع إلى الشكوى بقلب واسع رحيم لا يهدف سوى الخير والصلاح ، فربما كان هناك ما يدعو إلى الشكوى حقّاً أو ربما هناك ما كان خافياً عليك من الأمور وإذا بساعة من الحوار تكتسح جميع الغيوم من سماء الأسرة فتشرق شمس المحبة من جديد .
إن على الزوجين المبادرة إلى كسر الحاجز الذي يحول بين تفاهمهما وأن يذيبا تلك الثلوج التي تفصل بينهما ، فليس هناك ما هو أخطر من الغرور والتكبر في حلّ المسائل العالقة ، وأن يحل بدل ذلك التفكير بالسعادة ، فسعادة الرجل من سعادة زوجته وسعادة المرأة في سعادة زوجها .
فإذا حصل خطأ ما من أحد الطرفين فعليه أن يبادر إلى الاعتذار من صاحبه وعلى الآخر أن يقبل اعتذاره ويستقبله بالأحضان . على الزوجين أن يتجاوزا ذلك بسرعة ؛ إنها مجرد غيمة صيف عابرة ما أسرع أن تمر ويصحو الجو مرة أخرى .
إن الحياة المشتركة تعني المشاركة في كل شيء ، يعني تنوع الأذواق واختلاف المشارب وتعايش كل ذلك في جو من التفاهم والاحترام الكامل والمتبادل .
ينبغي أن يكون هناك تفاهم قبل اتخاذ أي قرار يهمّ الأسرة ، وينبغي أن يستشير أحدهما الآخر في كل شيء يهمهما معاً ، ذلك أن التفاهم والتشاور يعزز من أسس البناء العائلي ويشيع الدفء في الأسرة ويشعر الطرفين معاً بالقوة .
ضرورة التحكيم :
ربما ينشب النزاع ويعلو صوت العراك بين الزوجين حتى ليضيع صوت أحدهما أمام صراخ الآخر ويضيع صوت العقل بينهما ويختفي دوره تماماً ، وإذن فلابد هنا من انتخاب حكم يفصل بينهما بعدما طغت المشاعر والعواطف ، ولم يبق من أمل في التفاهم بينهما معاً بمعزل عن الآخرين ، فكل منهما يعتقد بأن الحق إلى جانبه وأن الآخر هو المعتدي .
ومهما بلغت تجربة الرجل وخبرته في الحياة فإنه يبقى جاهلاً بعض نواحيها ، وهو إذن يحتاج إلى من يرشده في بعض الأمور .
إن تحكيم إنسان مجرّب له خبرته في الحياة يهيىء فرصة ذهبية لحلّ النزاع وإقناع الطرفين به ، وهذا ما أوصى به القرآن الكريم وأوجبه بعض الفقهاء كأمر ضروري قبل الإقدام على الطلاق الذي يعتبر في الواقع كارثة اجتماعية لها آثارها الوخيمة .
فكرة التحكيم :
إن فكرة التحكيم هي لجوء المرأة والرجل وبعد اشتداد النزاع ووصوله
حداً يستحيل فيه التفاهم بينهما إلى شخص يتمتع بالمؤهلات المطلوبة وذلك لفض النزاع والوصول إلى الحل المنشود .
إن اشتداد النزاع لا بد وأن يعمي الطرفين عن رؤية الحق والحقيقة ، واكتشاف الحل ، فلكل منهما قناعاته وأحكامه المسبقة في ذلك وكل منهما وبسبب توتر أحاسيسه وتأزم مشاعره يعتبر الحق إلى جانبه وأنه الطرف المظلوم في القضية ، ومن هنا تأتي فكرة التحكيم لتهيىء رؤية أكثر وضوحاً للمسألة وتوفر كذلك الموضوعية في وضع الحلول المطلوبة لإصلاح ما فسد من الأمور وإعادة المياه إلى مجاريها .
إن على من يقوم بهذه المهمة أن يكون ممثلاً حقيقياً للطرفين دون أدنى تحيز لأحدهما على حساب الآخر وأن يكون همهم الأول والأخير هو الإصلاح ووضع حدّ لكل أشكال الاستبداد في التعامل وأن يضع يده على أصل المشكلة ، فقد يعامل الرجل زوجته كما لو كانت جارية لديه ، أو تعامل المرأة زوجها كما لو كان خادماً لديها .
إن المرأة والرجل يجب أن يسلما لأوامر القرآن في تسيير حياتهما المشتركة ، وليس من حق أيّ منهما الاعتراض بعد ذلك على ما يصدر من رأي في حل خلافاتهما .
ولذا فإن فكرة التحكيم إنما تأتي من انسداد جميع الطرق الأخرى في حلّ النزاع ، وهذه المسألة تعكس مدى اهتمام الإسلام بالأسرة ككيان اجتماعي ينبغي صيانته من خطر التفكك والانحلال .
المقومات :
وفيما يخص من يقع عليه مسؤولية التحكيم ، وكما أشار إليه القرآن الكريم في انتخاب حكم من قبل الزوج يمثله في المفاوضات مع آخر يمثّل الزوجة بغية بحث أسس النزاع والتوصل إلى نتيجة ترضي الطرفين .
ولذا فإن من مقومات ذلك الحكم أن يكون محيطاً بالحوادث والمشاكل ، وعلى بيّنة من الأسباب وبواعث نزاع الزوجين وخلافاتهما وله
خبرة وتجربة في الحياة تؤهله لذلك العمل الحساس ، ذلك أن الحكم سيكون موضعاً لجميع الأسرار والعلل الحقيقية التي أدّت أو تؤدي إلى توتر العلاقات الزوجية .
وعلى الحكم أن يكون إنساناً جديراً عاقلاً وورعاً تقياً وموضوعياً في بحثه لا يبغي سوى العدل والحق وأن يكون همه الأول والأخير هو الإصلاح .
الخيارات :
وهنا يختلف الفقهاء في مدى صلاحيات الحكمين ودائرة تحركهما ، فالقرآن الكريم يشير إلى دائرة الإصلاح وهكذا كان تحرك الأئمة من أهل البيت في هذا المضمار ، ولذا فإن مهمة الحكمين هي التحرك في حدود ما يصلح الحياة الزوجية وترميم ما هدّمه النزاع من علاقات وما ضيع من واجبات وحقوق لكي تستأنف الأسرة مسارها الطبيعي مرة أخرى .
ولا تنحصر مهمّة الحكمين في بحث النزاع بينهما فقط بل وإقناع كل من الطرفين بأخطائه وضرورة تصحيحها لكي تعود الحياة إلى مجاريها الطبيعية ، ولذا فليس من حق الحكمين أبداً اتخاذ قرار بالطلاق دون علم الزوجين ، وإذا حدث وتوصل الحكمان إلى هذه النتيجة فعليهما إعلام الزوجين بذلك فقط ، ومن ثم الانسحاب وترك القرار لهما إلا إذا طلب الزوجان منهما ذلك .
تأخير الطلاق :
إن مهمة التحكيم هي السعي إلى اصلاح ذات البين ورفع الخلافات وحلّ النزاعات ، ولذا فإن على الحكمين أن يتمتعا بنفس طويل في هذه المهمة ، ذلك إن بعض الخلافات تستلزم وقتاً طويلاً من أجل حلّها وإزالتها .
ومهمة الحكمين بالدرجة الأولى تنصبّ على تأجيل الطلاق وإقناع الطرفين باستبعاده عن دائرة تفكيرهما آخذين مصلحة الأطفال بنظر الاعتبار .
وإذا نجح الحكمان في هذه الخطوة فإنهما يكونان قد قطعا منتصف الطريق في حل الأزمة ، فالتريث في اتخاذ قرار الطلاق ودراسة ذلك من جميع الوجوه سوف يوفر فرصاً كبيرة للحلّ ، ولذا فإن الإسلام يؤكد على من يتم على يديه إجراء الطلاق أن يوضح للزوجين خطورة ما يقدمان عليه ويعرّفهما بواجباتهما وحقوقهما الزوجية وأن يتجاوزا خلافاتهما والعودة إلى بيت الزوجة .
قبول التحكيم :
إن مسألة التحكيم ، وكما أشرنا إلى ذلك هي انتخاب ممثل ينوب عن الزوجين ، وطرح مسائل النزاع على بساط البحث ، ولذا فإن على الزوجين قبول النتائج دون عناء ومكابرة . إن عليهما أن يسلما لحكم الشرع والعقل وأن لا يركبا رأسيهما عنادا وتكبّراً .
ينبغي أن يدع المرء في مثل هذه الحالات أنانيته وغروره جانباً وأن يترك للحكمين المجال ويفتح أمامهما الطريق في مهمتهما الإصلاحية ، وأن يقبل النتائج حتى لو جاءت في غير مصلحته ، بل حتى لو جاءت خلافاً لما هو واقع ، إذ ينبغي قبولها تأدباً واحتراماً .
حذار من الشيطان :
الخطر كل الخطر من الشيطان إذا ركب أحد الزوجين أو كلاهما وأعماهما عن الرؤية الواضحة ، ذلك أن تغير نظرة الرجل إلى زوجته ورؤية نفسه أعظم منها وأكرم لدى الله أو العكس سوف يجر وراءه المشاكل والمتاعب .
إن كلا الزوجين يتمتعان على حد سواء بكرامة الإنسانية وهما عضوان من أعضاء المجتمع وكلاهما أيضاً عبدان من عباد الله .
فدعوا المن والأذى ودعوا الجارح من الكلام واجتنبوا الضرب وابتعدوا عن حياة العراك ، إذ ليس من اللائق أن يترك الإنسان التفاهم بمنطق العقل واللجوء إلى التفاهم باليدين .
إن ضعف أحدكما لا يبرر استبداد الآخر وتحوله إلى دكتاتور وأن الله للظالمين بالمرصاد . أسأله تعالى أن يمنّ على الجميع بالعمر الهانئ الطويل والحياة الطبية النابعة من راحة الضمير .
القسم الرابع
نتائج النزاع :
تحدثنا في فصول سابقة عن البواعث التي تكمن وراء النزاع ومواقف الزوجين تجاه بعضهما البعض ، وفي هذا القسم سنتحدث عن نتائج النزاع وما يترتب على ذلك من آثار نفسية وأخلاقية وأخروية .
كما سنتحدث عن الطلاق وآثاره الخطيرة وما ورد من روايات وأحاديث تحذر من الإقدام عليه ، وما يترتب على ذلك من نتائج خاصة على الأطفال الذين يجدون أنفسهم بعيدين عن حنان الوالدين خاصة حنان الاُم الذي لا يمكن التعويض عنه بشيء آخر .
الفصل الأول
مرارة الحياة :
الزواج طموح بالسعادة يسعى الزوجان من خلال ارتباطهما معاً إلى تحقيقه على أرض الواقع ، ذلك أن الحياة دون زواج معناها القلق والشعور بالوحدة والحرمان .
فالحياة المشتركة في ظلال الزواج توفر شعوراً عميقاً بالاستقرار ، غير أن الاختلاف في وجهات النظر بين الزوجين وسعي أحدهما أو كلاهما إلى فرض نفسه ومحاولة السيطرة على الآخر يؤدي إلى فشل هذه المؤسسة ومن ثم انتفاء الثمار المتوخاة من ورائها .
إن فشل الزواج لا يعني فشل مشروع اجتماعي فحسب ، بل يؤدي إلى إخفاق إنساني أيضاً يحوّل الرجل والمرأة إلى مجرد هيكلين ميتين تحركهما أمواج الحياة ؛ ربما يعيش الزوجان في أيامهما الأولى مشاعر السعادة ذلك أنهما ما يزالان يعيشان رؤاهما وأحلامهما ولكن وبعد أن تمر الأيام وبسبب تصادمهما لسبب أو آخر تظهر بعض الإنحرافات وتتحول تلك الجنة الصغيرة إلى جحيم لا يطاق .
وعندما يكون الإنسان جاهلاً فإن بإمكانه أن يحوّل جو الأسرة الهادئ إلى مسرح رهيب مليء بالمرارة واليأس ، يفقد الإنسان خلالها إقباله على الحياة بل وحتّى ميله للطعام ويحول المنزل إلى مكان يضم أناساً غرباء منسحبين على أنفسهم يعالجون أحزانهم ويعيشون معاناتهم .
آثار النزاع :
إن النزاع بين الزوجين يختلف تماماً عن أي نزاع آخر ينشب بين شخصين غريبين حيث ينتهي كل شيء بعد ساعة ويمضي كل منهما في طريقه ، أما في الحياة الزوجية التي تعني حياة مشتركة تحت سقف واحد بين شخصين اختارا تلك الحياة معاً فإن أي نزاع قد ينشب بينهما يترك مضاعفات خطيرة ومريرة في عدة أصعدة يمكن الإشارة إلى بعضها كما يلي :
1 ـ في شكل الحياة :
إن النزاع يترك آثاره في شكل الحياة داخل المنزل ويتحول الزوجان إلى شخصين غريبين يعيشان معاً كما يشعر الصغار بالقلق وإحساس بالخوف من نشوب معركة بين الوالدين لا تعرف عواقبها ، وهكذا يخيم صمت ثقيل في جنبات المنزل ينزوي فيه الأطفال خائفين في جو يشوبه الحذر .
2 ـ في قوة العلاقات :
يسيطر نوع من البرود القاتل على العلاقات الزوجية إثر نشوب الخلاف بينهما وينظر كل منهما إلى الآخر على أنه السبب في شقائه وتعاسته ، فتزول مشاعر الثقة بينهما ويحل مكانها شعور بالعداء حيث يحاول كل منهما تحقير الآخر وإذلاله ؛ كما يذهب ضحية النزاع ذلك الشعور بالاستقرار والطمأنينة حيث تحل مشاعر القلق والتحفز للنزاع والمواجهة ، ومحاولة كل من الطرفين إلحاق الأذى بالآخر .
3 ـ في الجانب النفسي :
من الطبيعي أن يخلّف النزاع في الحياة الزوجية آثاراً خطيرة في الجانب النفسي ، وقد يبدو النزاع نوعاً من التنفيس عن بعض العقد النفسية ولكنه في الواقع يغطي عليها ويزيدها تجذراً في الأعماق مما يضاعف من خطرها في المستقبل .
إن النزاع لا يؤدي إلى تصدع العلاقات الزوجية فحسب بل تتعدى آثاره إلى إحداث تصدع فكري وتمزق نفسي .
وبالرغم من إحساس أحد الزوجين بأنه يرد اعتباره أو أنه يحقّق وجوده من خلال إيذاء الآخر إلا أنه في الواقع يؤذي نفسه أيضاً ، وأنه يوجّه إليها طعنات نجلاء سوف تظهر آثارها في المستقبل ، ذلك أنه يقضي على مشاعر الحب وينابيع المودّة في أعماقه ، والتي هي أساس السعادة في الحياة .
4 ـ تأنيب الضمير :
وقد يصل الإيذاء والظلم الذي يمارسه أحد الزوجين بحق الآخر حداً يدفعه لارتكاب عمل ما يتصور خلاصه فيه ، وعندها تحدث هزّة عنيفة يستيقظ فيها الضمير ، فيعيش حالة مأساوية من عذاب الوجدان وتأنيب الضمير بسبب ما ارتكبه من خطأ فادح بحق شريك حياته ؛ وقد تتضاعف الحالة لتتخذ شكل مرض نفسي خطير .
إن النزاع الزوجي الذي يؤدي إلى ظلم أحد الطرفين أو تعريض سمعته للخطر سوف يحدث آثاراً لا يمكن تفاديها أبداً ، قد تقوده إلى الانتحار ووضع حدّ لحياته أو إلى إحداث شرخ خطير في شخصيته يهدد سلامته النفسية ، وهو أمر لا بد أن يجر من ورائه عقوبة الله بحق الظالم عاجلاً أم آجلاً .
5 ـ خلق حالة التشاؤم :
النزاع في الحياة الزوجية يخلق حالة من التشاؤم في الحياة ويجعلها سوداء خالية من كل المعاني الجميلة ، وفي تلك الأثناء يرى أحدهما الخلاص عن طريق البحث عن إنسان آخر يشاطره الحب ، وعندما يعثر على ضالّته تلك ، نلاحظ استمرار حالة التشاؤم لديه ، إذ لا يمكن التخلص منها بسهولة مما يجعل الحياة في رأيه خواء في خواء .
وإذن فإن النزاع في الحياة الزوجية وإن انتهى إلى بعض الحلول إلاّ أن آثاره النفسية تستمر مدة طويلة وقد لا تنتهي إلا مع انتهاء الحياة .
6 ـ تدمير القابليات :
ينمو الإنسان في الجو الآمن المطمئن وتنمو لديه قابلياته وتنفجر في داخله الاستعدادات والمواهب ، ذلك أن حاسّة الإبداع تترعرع في الحياة المستقرة الهادئة في حين أنها تتراجع وتذبل وتموت في الحياة المضطربة القلقة .
وما أكثر الأفراد الذين انحدروا بعد زواجهم وانحطّت قابلياتهم وتدنّت مواهبهم وذبلت استعداداتهم وانتهت قدراتهم . . كل ذلك بسبب حالة النزاع والمواجهة التي تسيطر على حياة الزوجين حيث يبقى الفكر مشغولاً والخاطر مبلبلاً والنفس مشوّشة لا تعرف الطمأنينة والراحة والاستقرار ، وقد تصل الأمور إلى حالة من الهذيان المستمر الذي يفقد الحياة معانيها الجميلة .
7 ـ الحرمان :
صحيح أننا لا نعيش من أجل أن نتمتع ونلهو في هذه الحياة ، وأن هدف الحياة أسمى من كل المتع الدنيوية ، وأن واجب الإنسان هو أداء واجبه في الحياة النزيهة بعيداً عن الآثام والمعاصي ، ولكن هذا لا يعني الحرمان ، فالحياة الإنسانية زاخرة بكل ألوان المتع البريئة ، زاخرة بكل ألوان السعادة ، وأن على الإنسان أن لا ينسى نصيبه في هذه الدنيا .
إن عمر الإنسان هو رأسماله في الدنيا والآخرة ، وعلى هذا فينبغي عليه أن ينفق عمره في ما ينفعه في دنياه وأخراه وأن لا يسمم حياته بعمل يجرّ وراءه القلق هنا والعذاب هناك .
إن من يخلو قلبه من حبّ الله لا بد وأن يتيه في دروب الضياع التي تقوده إلى السقوط والانحلال المادي والمعنوي ، وبالتالي العذاب في يوم القيامة .
8 ـ العقاب الأخروي :
وأخيراً فإن من آثار النزاع ونتائجه هو العقاب الأخروي الذي ينتظر الظالم ، فالله للظالمين بالمرصاد .
إن كل ظلم في الحياة الزوجية يعني ظلماً اجتماعياً بحق إنسان له كرامته ، وهو أمر لا يمكن تلافيه بالتوبة ، ذلك أن الله سبحانه قد يتجاوز عن الذنوب التي يرتكبها الإنسان بحق نفسه كشرب الخمر مثلاً ، ولكن عندما يشمل الذنب إيذاء الآخرين وظلمهم فإن المسألة هنا في غاية التعقيد .
ولذا ، فإن على الإنسان أن يحسب لذلك اليوم حسابه ، إذ لا يسوغ لأحد ، كائناً من يكون أن يستغل موقعه وقدرته في سحق الآخرين وإذلالهم ثم يكون في مأمن من عقاب الله .
قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) : ألا وأن الله ورسوله بريئان ممن أضرّ بامرأته حتى تختلع منه .
وقال أيضاً : من كان له امرأة تؤذيه لم يقبل الله صلاتها ولا حسنة من عملها .
وقال أيضاً : إني لأتعجب ممن يضرب امرأته وهو بالضرب أولى منها .
وقال علي ( عليه السَّلام ) : لا يكن أهلك أشقى الخلق بك .
عندما ينشب الخلاف :
من الطبيعي أن يصطدم الزوجان وأن يشتعل النزاع بينهما ، إلا أن من الضروري جداً ، عدم تجاوز الحدّ الطبيعي خلال ذلك ، أي أن لا يكون الهجوم ـ إذا صح التعبير ـ قاسياً بحيث يسحق الزوجة ـ على سبيل المثال ـ ويحطّم قلبها ، وبالتالي يصعب إصلاح الأمور وإعادتها إلى ما كانت عليه سابقاً .
ففي بعض الأحيان يكون النزاع من العنف بحيث يحطم صورة الحياة ويدمّر السعادة لدى المرأة ؛ وحتى لو كان هناك نيّة في الطلاق ، لمنافاته مع الجانب الإنساني ، ذلك أن الله خلق الإنسان وأودع لديه قدرة على بيان ما يبغيه أو يريده من خلال المنطق السليم ؛ ولذا ينبغي على الإنسان ، وحتى في أشدّ الساعات حراجة أن يتمالك نفسه وأن لا ينطق لسانه إلاّ بما يرضي الله ورسوله .
السعي من أجل إعادة الصفاء :
إن الأصل في الجو العائلي هو أن يسوده الصفاء ، فإذا حصل سوء تفاهم فينبغي عدم تصعيده إلى حالة من النزاع ، فإذا نشب النزاع فيتوجب أن يكون في مستوى بحيث يكون من السهل إصلاح ما فسد من الأمر ، إن من واجب الإنسان هو أن يعيش دنياه بسلوك يليق بإنسانيته ، لا أن يظلم ويفسد ويتهم الآخرين بالباطل ، ذلك أن الإنسان هو الذي يمنح الحياة جمالها من خلال إحسانه وهو الذي يسلبها تلك الصورة الجميلة إذا ما أساء في سلوكه وسيرته .
إن واجبنا الأخلاقي والشرعي يحتم علينا أن نسعى دائماً للحيلولة دون وقوع ما ينغص الحياة الزوجية ، وأن على الزوجين السعي إلى التفاهم دائماً ، فهو الأسلوب الوحيد لحل جميع المشاكل ، وأن يكون شعارهما دائماً العمل على اجتثاثها من الجذور قبل أن تستفحل وتشتد أشواكها وتكون عقبة كأداء في الطريق .
إن الحياة المشتركة تكشف للزوجين أخلاقهما وتعرّف أفكارهما ، ولذا فإن الرجل ، ومن خلال معرفته تلك . يمكنه العمل على تنمية الجانب الإيجابي في زوجته واحتواء جانبها السلبي في نفس الوقت ؛ وهذا الأمر ينسحب على المرأة ـ أيضاً ـ من خلال مداراة زوجها وتعاملها الحسن معه .
دعائم السلام :
ما هو الضرر الذي يلحق الرجل إذا ما أقدم على مصالحة زوجته ؟ ما هو الذي يمكن أن يلحق به لو غض النظر عن الإساءة ، وخطا الخطوة الأولى في المصالحة ؛ فقد تفعل الابتسامة ما لا تفعله جميع الوسائل في تحقيق وتثبيت دعائم الحب في الأسرة والعائلة .
إن الهدف من وراء الزواج هو الإلفة والإتحاد والاستقرار ، وبتعبير القرآن ، السكن . وإذن فإن ما يحقق تلك الأهداف هو الحب والمودّة والصبر والتحمل وكل المواهب الإنسانية السامية ، أما النزاع والمواجهة والغضب فلا عاقبة لها سوى الخسران .
الفصل الثاني
الشجار :
من الطبيعي جداً أن يصطدم الزوجان في أفكارهما وأذواقهما ، على أن هذا ليس مدعاة للشجار والنزاع ، بل ينبغي أن يتخذا مواقف مناسبة في علاج وحلّ المشاكل التي تنجم جرّاء ذلك الإختلاف الفكري أو الذوقي ، ولو حصل النزاع الذي لا مفرّ منه فيتوجب على كلا الزوجين عدم تصعيده ليشمل دائرة أوسع وحدوداً لا يمكن السيطرة عليها ، وأن يكون التفاهم نصب أعينهما دائماً .
إن وسائل حل النزاع الذي يهدد الحياة الزوجية ينبغي أن ينطلق من قاعدة الحب والصميمية ، أما إذا استمر الزوجان في عنادهما ولجاجتهما فإن زوبعة النزاع سوف تتحول إلى عاصفة مدمرة تقتلع البناء الأسري من جذوره .
الحياة صراع ، نعم ، هذا صحيح ، ولكنه صراع مع الحرمان ، صراع مع البؤس ، صراع مع الشر . . وفي كل ذلك تقتضي الضرورات أن يتّحد الزوجان وأن يضعا أيديهما في أيدي البعض ويشقّا طريقهما معاً في الحياة .
أساس المشكلة :
وأساس المشكلة هو في تفكير أحد الزوجين وشعوره بالتفوق على صاحبه والسعي من أجل قهره والسيطرة عليه ؛ وعندما يشعر المرء بأنّ من يشاركه حياته هو إنسان يتمتع بكرامته الإنسانية وأنه لا ينقصه أو يزيده شيء عندها تنتفي أغلب دوافع وبواعث النزاع في الحياة الأسرية .
فالبحث عن ذريعة النزاع ، والجدل وعدم تحمل الآخر ومحاولة سحقه أو الانتقام منه لا يؤدي إلا إلى التعقيد وتهديد حاضر الأسرة ومستقبلها ، وخلال ذلك لا يجني الطرفان سوى المرارة والألم والعذاب .
إننا نطلب من كلا الزوجين أن يتضامنا وأن يحمي كل منهما الآخر لا أن ينتقم منه .
اللوم :
لعلنا ننسى أو نتناسى بأن الكلام والقدرة على النطق واحدة من نعم الله التي لا تحصى ، وأن من موجبات الشكر أن يسعى الإنسان دائماً للإستفادة من هذه النعمة في ما يرضي الله سبحانه .
وإذن ، فليس من اللائق ولا من المفيد أن يلوم المرء زوجه أو يصب عليه ألواناً من التقريع والكلام الذي لا طائل من ورائه . فما أكثر الكلام الذي ينتهي في لحظات ، ولكن آثاره المريرة تبقى في القلب ، وما أكثر الكلام الذي يبني السدود الرهيبة والحواجز التي يتعذر هدمها بين الزوجين ، فإذا التقيا حدثت المواجهة وبدأ النزاع .
الهجران :
يؤدي النزاع في بعض الحالات إلى أن يهجر أحد الزوجين رفيقه ويتركه وحيداً ، وكان الأجدر بهما حل النزاع عن طريق الحوار والتفاهم ؛ ويمكن القول بأن هذه الحالة من السلوك هو امتداد لمرحلة الطفولة ، حيث « يزعل » الصبي أو البنت ثم يدير ظهره وينصرف ضارباً عرض الجدار اعتبارات الصداقة أو الزمالة غير آبه بما تتركه لدى الآخرين من الآثار والآلام .
إن القطيعة في الحياة الزوجية لا تعبّر عن نضج في السلوك إلا في بعض الحالات عندما تكون إجراء يوفّر للآخر فرصة لمراجعة نفسه ومواقفه ، أما أن تتحول إلى نوع من الضغط وممارسة للتعذيب فأمر يتنافى وأبسط المبادئ الزوجية .
تضييق الخناق :
لا يسفر النزاع في الحياة الزوجية إلاّ عن الألم والعذاب للطرفين ناهيك عن التقصير في أداء الواجب وضياع الحق ، وإذا بالمنزل الذي ينبغي أن يتحوّل إلى عش دافىء يصبح جحيماً يحرق الزوجين ويدفعهما إلى الفرار والخلاص ، وما أكثر الذين دفعهم هذا الإحساس إلى الإقدام على أعمال هي في حقيقتها ردود فعل متشنجة لا تخلّف سوى المرارة والألم .
تقاليد جاهلية :
بالرغم من التقدم الذي أحرزته البشرية في عصرنا الراهن ، إلا أننا ما نزال نشهد في السلوك الإنساني عادات جاهلية ومظاهر متخلّفة تدعو إلى التأمل ، فما زال البعض يتصرف انطلاقاً من قانون الأقوى أو قانون الغابة أو البقاء للأقوى ، إلى غير ذلك من العادات الجاهلية .
ويتجلّى قبح مثل هذه التصرفات في محيط الأسرة عندما يتحول الرجل ـ مثلاً ـ إلى جلاّد أو سجّان أو حاكم مستبد ، وعندها تنزوي كل الأشياء الجميلة في البيت الذي يتحول إلى مجرد سجن أو قفص يحلم ساكنوه بالخلاص منه ؛ ولا ننسى هنا المواقف المتشنجة التي يبديها الضحية والتي تزيد من تعقيد الأوضاع وتزيدها مأسوية .
وإذا كنا مسلمين حقاً فيجب أن نجعل ديننا مثلاً أعلى لثقافتنا ، وأن نزيح عن طريقنا كل العادات الجاهلية التي تصطدم مع السنن الإلهية والأخلاقية السامية .
الضرب :
إن ما يدعو للتأسف والمرارة هو وجود بعض الأزواج من الذين يفتقدون الشعور بالمسؤولية والذين لا يجدون أو يجيدون وسيلة للتفاهم مع شركاء حياتهم سوى الضرب جاعلين من البيت حلبة للملاكمة .
إن هذه التصرفات تتنافى مع إنسانية الإنسان ، إضافة إلى تناقضها مع ديننا كمسلمين لنا في رسول الله والأئمة من أهل بيته أسوة حسنة .
قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) : « إني لأتعجب ممن يضرب امرأته وهو بالضرب أولى منها » .
البيت دنيا المرأة ومملكتها التي تحيى فيها ومن أجلها وهي التي يمكنها أن تبثه دفئاً وتملأه عاطفاً وحناناً وتجعل منه عشاً .
إنك بضربك زوجتك إنما تسحق جميع تلك الأحاسيس وجميع تلك العواطف وتجعلها تحت قدميك ، وتجعل من شريكة حياتك إنساناً شقيّاً بائساً . وماذا يجديك من وجود امرأة مقهورة في بيتك ؟ وأي مجد تحصل عليه من وراء سحق كائن اختار الحياة معك وإلى جوارك ؟
إن المرأة ـ ذلك المخلوق الحساس ـ هي في حقيقتها أم تضم بين حناياها أطفالك ، فهل تدرك ماذا يفعل الضرب بأمومتها ؟ وأي آثار مدمّرة يلحق بها كزوجة تشاطرك هموم الحياة ؟
نتائج الضرب :
لا يسفر الضرب إلاّ عن قلوب محطمة ومشاعر جريحة وعواطف ممزقة ، كما أنك بضربك زوجتك تقضي على الاحترام المتبادل بينكما وتدق إسفينا في علاقتكما الزوجية الحميمة ، التي قد تتدهور وتنتهي إلى الطلاق .
ينبغي أن يتحول البيت الزوجي إلى عش دافىء وسكن وارف الظلال لا إلى حلبة للمصارعة والعراك أو غابة رهيبة يسودها قانون الأقوى . إنك بسلوكك هذا تنسف ذلك السكن الآمن والمأوى المطمئن وتمزّق ذلك الوجه الجميل للحياة الزوجية لتبدأ حالة من التشرد والضياع .
تعاليم الإسلام :
إن السلوك الفظ والمعاملة المذلّة تتناقض وتعاليم الإسلام الذي يأمرنا بالإحسان إلى المرأة ، فكيف إذا تعدى الأمر ذلك إلى الاعتداء عليها بالضرب ؟! أليس من القبح أن يضرب المرء زوجه وشريك حياته ورفيق دربه ؟!
قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) : « لا يخدم العيال إلا صدّيق أو شهيد أو رجل يريد الله به خير الدنيا والآخرة » .
وقال ( عليه السَّلام ) : « اتّقوا الله في الضعيفين : اليتيم والمرأة ، فإن خياركم خياركم لأهله » .
وقال ( صلى الله عليه و آله ) : « من حسن برّه بأهله زاد الله في عمره » .
ويعبر الإمام علي ( عليه السَّلام ) عن المرأة أنها ريحانة وليست قهرمانة .
إن الإسلام يأمرنا بمداراة المرأة والإحسان إليها وغض النظر عن بعض أخطائها .
العقاب الإلهي :
لا يختلف النزاع في الحياة الزوجية عن أي نزاع آخر إن لم يكن أسوأ منه ، وهو يعني وجود قضية معينة ووجود ظلم وظالم وبريء . وفي هذه الحالة فإن للشرع القول الفصل في ذلك .
الحق هو أسمى قيم الإسلام الحنيف كما أن القوة لا تبرر أبداً تجاوز المرء حدّه والاعتداء على الآخرين بالضرب والشتم .
فهذا رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) . يحذّر من الإساءة والعدوان على المرأة : « ألا وأنّ الله ورسوله بريئان ممن أضرّ بامرأة حتى تختلع منه » .
وفيما يخص عدوان المرأة على زوجها قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) : « من كان له امرأة تؤذيه لم يقبل الله صلاتها ولا حسنة من عملها » .
وإضافة إلى كل ذلك فإن الظلم يتسبب في تعذيب الضمير وقلق الوجدان وهو أمر يسلب من المرء إحساسه وبالسعادة وراحة البال واطمئنان الخاطر .
الاكتشاف :
وإذا كان للنزاع الزوجي من حسنات فإنها تكمن في وضع الزوجين
على المحك في اختبار دقيق يكشف أخلاقهما وتوجهاتهما وقيمهما وما تنطوي عليه من دوافع ، فالرجل يكتشف امرأته ، والمرأة تكتشف زوجها وتعرف إلى أي مدىّ يمكنها الثقة به والاعتماد عليه واللجوء إليه .
وما أكثر النزاعات التي تهبّ كأنّها عاصفة مدمّرة ولكنها تغادر بسرعة ، وتسفر عن استقرار نفسي مدهش ، حيث يولد حب عنيف يربط الزوجين بعلاقات وعرى وثيقة ، ولا ننسى ـ أيضاً ـ أن النزاع يساعد الزوجين على ترتيب مواقعها وإعادة حساباتهما ، ومن ثم التصرف بقدر من الحكمة أكثر ، مما يوفّر فرصة للتفاهم في المستقبل .
في طريق الإصلاح :
إنني أوصي جميع الأزواج رجالاً ونساءً بعدم الاختلاف والتنازع ولكن لو حصل ذلك فإني أؤكد على عدم توسيع رقعة النزاع لما في ذلك من الأضرار المدمّرة التي تؤثر في البناء العائلي من الأساس .
فإذا حصل وتأزّمت الأوضاع وتوتّرت الأجواء في البيت الزوجي فليحاول المرء أن يجعل من تلك البروق والرعود ، ومن تلك الغيوم مطر من الرحمة ، يغسل بمياهه آثار تلك العاصفة .
علينا أن نسعى دائماً لرفع الاختلاف وأن نصلح ذات بيننا ونرسي دعائم الحب وأن نرفع من شخصيتنا ونسمو بها إلى مراتب الكمال . وهل هناك ما هو أعظم من الإسلام طريقاً ومن الإسلام مدرسة تعلمنا أسلوب العيش وطرق الحياة .
الفصل الثالث
الطلاق :
الإنسان كائن اجتماعي بالطبع ، وهو يشعر بالحاجة إلى فرد من نفس نوعه يبثه همه ويرافقه في رحلته عبر الحياة أو يقف إلى جانبه وقت الشدائد فيحس فيها بالراحة والطمأنينة ؛ وهو بعد كل هذا حاجة طبيعية للتكامل الإنساني ، وبدون ذلك يراوح الإنسان في مكانه أو يتراجع إلى الوراء .
وعلى هذا ، فإن حياة المرأة أو الرجل ستكون في غاية الصعوبة بدون الزواج ، فحالة العزوبية هي حالة القلق وعدم الاستقرار ، ولذا فإن نداء الزواج نداء ينبعث من أعماق الإنسان وأن الإقدام عليه هو تلبية لحاجة فطرية وطبيعية موجودة في التكوين البشري .
وبالرغم من كل ذلك فإن التعايش في الحياة المشتركة للزوجين قد تخلق بعض التصادم وعدم الانسجام ، ولذا فينبغي إرساء العلاقة على أساس من معادلة الحقوق والواجبات المتبادلة ، كما أن عقد الزواج يختلف عن غيره من العقود فهو يمتاز بقدسية خاصة تجعله في منزلة سامية حتى أن العرش الإلهي ليهتز لدى إلغاء هذا العقد بالطلاق لما في ذلك من الآثار والأضرار والخسائر المدمّرة التي تنجم عنه أو تترتب عليه
مسألة الطلاق :
يؤدي النزاع بين الزوجين في بعض الأحيان إلى التفكير بالإنفصال والطلاق ، وقد يحدث أحياناً أن يكون التفكير في ذلك من جانب الرجل أو المرأة أو باتفاق الاثنين معاً .
ولو كانت الحياة المشتركة عقداً غير قابل للفسخ إلى الأبد فإن حالة النزاع المستمرة وغياب الانسجام سوف يحوّل الحياة الزوجية إلى جحيم لا يطاق ، وعندها سوف يجد أحد الطرفين نفسه محطماً تعصب بآماله وأحلامه رياح الزمن فتبددها هنا وهناك وستحيله إلى إنسان خاو خال من العاطفة والإحساس ؛ وقد تتصاعد حدّة الاختلاف والتوتر إلى موت أحد الطرفين عمداً أو خطأ أو بطيئا ، مما يوسع من دائرة الألم لتتعدى محيط الأسرة إلى المعارف والأقرباء ، حيث تبقى آثار ذلك مدّة من الزمن .
هواجس الطلاق :
قد يكون الطلاق في بدايته حلاً جذرياً للعديد من المشاكل الزوجية ، ولكن الطلاق ينطوي على شرور ومآس لا يمكن إسقاطها من الحساب .
إن اعتبار الطلاق حلاً مثالياً هو خطأ كبير يرتكبه العديد من الأزواج حتى بعد إقدامهم على الزواج مرّة أخرى . وقد أشار مسح ميداني أجري على مئة حالة طلاق اعتبر الغالبية فيها الطلاق أكبر خطأ ارتكبوه في حياتهم وأكد أكثرهم أيضاً على أنهم شعروا بالارتياح قد خامرهم في الأيام الأولى من الطلاق ولكن سرعان ما تبدد ذلك ليحل محله شعور عميق بالندم ؛ ذلك أن الطلاق لم يحل المشكلة أبداً حتى مع تجدد زواجهم .
وساوس الانفصال :
وبعد أن يتم الطلاق ويفترق الزوجان تبدأ مراجعة النفس ، ويبدأ تأنيب الضمير والتفكير في العوامل التي أدّت إلى انهيار ذلك البناء ، وفي أولئك الذين حوّلوا الأسرة إلى مجرد أنقاض ، وعندها تصبّ اللعنات تلو اللعنات على الذين وسوسوا لهما بذلك وحببوه إليهما .
حتى أولئك الذين اندفعوا لحماية الزوجة أو الزوج ومن نوايا حسنة ، لن يسلموا من تحمل المسؤولية وتحسين الطلاق في ذهن المرأة أو الرجل ، خاصة إذا كانت الحالة في زيجة عمرها شهور فقط ؛ فالشباب مهما بلغوا من النضج ليست لديهم التجربة الكافية ، فلا ينبغي لأيّ كان أن يتدخل في
شؤونهم الخاصّة ويشجعهم على اتخاذ قرار خطير كالطلاق .
ومسكينة تلك الفتاة وذلك الشاب عندما تصور الوساوس لهما بأن الطلاق فكاك من القيود وتتحول كلمات الآخرين المسمومة في خيالهم إلى طريق للحل ونافذة للخلاف .
تنطوي الاستهانة بالزواج كرباط مقدس إلى استسهال الطلاق ومن ثم ضرب كل الاعتبارات الإنسانية عرض الجدار ، ولذا فإن مثل هؤلاء الأفراد لا يرون سوى أنفسهم ومصالحهم دون أدنى اهتمام بالآخرين ، ناهيك عن أن جنوحهم نحو الطلاق سيلحق الضرر بأنفسهم هم أيضاً بالرغم من عدم إدراكهم ذلك إلاّ بعد فوات الأوان .
إن الإقدام على الطلاق إنطلاق من الأهواء النفسية فقط ، لا يتناقض مع الدين والعقل فحسب بل مع النمو والتكامل الإنساني ، ذلك أن الأهواء النفسية لا يمكن أن تكون طريقاً لبناء شخصية الإنسان .
مبغوضية الطلاق :
قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) : « ما أحلّ الله شيئاً أبغض إليه من الطلاق » .
وبالرغم من حلّية الطلاق إلا أن الأحاديث والروايات تحذر من الطلاق وتعتبره عملاً شائناً لا ينبغي القيام به حتى لو تم الأمر برضا الزوجين . وإذن فإن الحسابات الإلهية لا دخل لها برضا الطرفين أو عدمه ، فالطلاق يبقى إجراء لا يحظى برضا الله سبحانه أبداً ، ذلك أن الزواج يعني اتحاداً كاملاً بين الرجل والمرأة . . اتحاداً يصل حد الاندماج والانصهار في بوتقة واحدة . ولذا فإن إجراء أو عملا يفكك من هذا الاتحاد المقدس ويقضي عليه سوف يكون مبغوضاً ومؤلماً .
آثار الطلاق :
قد يبدو الطلاق في نظر الزوجين باباً للخلاص من الجحيم الذي صنعاه بأيديهم ، ولذا نراهما يتنفسان الصعداء عند افتراقهما ، ولكن هل يمكن أن تمضي الأمور بهذه السهولة ؟ هل يمكن للزوجين أن ينسيا كل
تلك الذكريات واللحظات الجميلة التي عاشاها معاً والأماكن التي زاراها معاً ؟!
إن الحياة الزوجية ليست تجربة عادية . إنها تجربة شاملة يعيشها الإنسان بكل جوارحه ومشاعره .
وإضافة إلى كل ذلك فإن الطلاق لا يمكن اعتباره شأنا شخصياً كما هو الزواج الذي تم بمباركة وسعي العديد من الأصدقاء والأقرباء ، وإذن فإن الطلاق سوف يمسهم جميعاً ولا يمكن ضرب عواطف ومشاعر من يهمهم الأمر عرض الجدار .
إن الطلاق يضع المرء أمام المسؤولية وجهاً لوجه ، وعليه أن يقدم جواباً مقنعاً لأبنائه ، وهو الضحية الأولى لقرار كهذا .
ولا ننسى ـ أيضاً ـ أن الطلاق لا يضع خاتمة للمشاكل بل إنه في أغلب الأحيان بداية سيئة لمشاكل ومتاعب أكثر تعقيداً من ذي قبل .
وصايا في ترك الطلاق :
تزخر الروايات والأحاديث الشريفة بالنهي عن الطلاق ، ويصب أغلبها في نصح الرجل بعدم الإقدام على الطلاق ودعوته إلى مداراة المرأة والإحسان إليها وعدم الإساءة في معاملتها .
قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) : « إن الله يبغض ـ أو يلعن ـ كل ذوّاق من الرجال وكل ذوّاقة من النساء » .
ولا يقتصر هذا الحديث ، كما هو واضح ، على الرجال فحسب بل ويشمل النساء أيضاً .
إن هذا التشديد الذي نلمسه في الإسلام بعدم الطلاق يعود إلى الاعتقاد بقدرة الزوجين على تجاوز خلافاتهما وقلب صفحة الماضي والبدء بحياة جديدة . . حياة مفعمة بالحب والتفاهم والإيمان ، إن الإسلام يؤمن بقابلية الإنسان وانطوائه على قدرات لا محدودة في حل ما يواجهه من
المشاكل والمتاعب ، فكيف إذا كانت المسألة تخص الأسرة وقد أودع الله في هذا الرباط المقدس نبعاً من المودة والحب ؟!
حلّية الطلاق :
بالرغم من التشديد الذي نلمسه في الشريعة الإسلامية بعدم الطلاق ، إلا أنها لم تحرّمه أبداً وأبقت الباب مفتوحاً إذا تعذرت الحلول وعجزت العلاجات ، ذلك أن الإسلام يمنح الأصالة لكرامة الإنسان امرأة كانت أو رجلاً ؛ وإذن فإن جميع تلك النواهي والتحذيرات تتوقف إذا تعلقت المسألة بالدين لأنه القيمة العليا في حياة الإنسان ، فإذا كان استمرار الزواج يعني انهياراً أخلاقياً وسقوطاً دينيّاً فإن الباب مفتوح للخلاص والنجاة ، وإذن فإن الطلاق يعني هنا نوعاً من العمليات الجراحية التي لا بد من إجرائها وبتر العضو الفاسد من أجل حماية الجسد من سراية المرض .
ومهما بلغ الزواج من قدسية فإنه لا يعني قدراً محتوماً لا يمكن لإنسان الخلاص منه ، فعندما يشعر المرء باستحالة الحياة الزوجية وأنه لسبب أو لآخر لا يمكنه الاستمرار في ذلك فإن الله سبحانه قد فتح الباب لمن يعيش مثل هكذا حالة أعلن أن ذلك لا يبرر للرجل أو المرأة انتهاج الأساليب الملتوية لحمل الطرف الآخر على طلب الطلاق ، فأما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان .
وإذن فلا يسوغ للرجل أو المرأة أن يؤذي أحدهما الآخر أو محاربته أو التشهير به من أجل حمله على الطلاق . وفي مثل هكذا حالة على المرء أن يتحلى بالشجاعة والشهامة والإنسانية .
المرأة والطلاق :
إذا كانت حلاوة الزواج قابلة للوصف فإن مرارة الطلاق أمر لا يمكن إدراكه إلاّ من قبل أولئك الذين خاضوا تلك التجربة المرّة .
لقد أصبح الطلاق ظاهرة اجتماعية خطيرة تهدد أمن وسعادة المجتمعات اليوم ، ولذا نرى اهتماماً بمعالجة هذه المشكلة من كافّة
المستويات ، فالدول والحكومات تسعى من أجل وضع حدّ لتنامي هذه الظاهرة لما لها من الآثار السيئة في البناء الاجتماعي ، ذلك أن الأسرة هي حجر الأساس في هذا البناء وعليها تتوقف متانته واستقامته .
فالطلاق هو بداية الانحراف والسقوط في الهاوية المخيفة ، حيث الفساد الأخلاقي والأمراض النفسية والضياع الشامل للإنسان .
وما أكثر أولئك الذين سقطوا وتاهوا في دروب الحياة فعاشوا الضياع وبقوا على هامش الحياة إلى أن لفظتهم كما يلفظ البحر الجثث الهامدة .
وإذا كان الجميع خاسرين في الطلاق فإن المرأة تعتبر الخاسر الأكبر ذلك أنها أكثر عاطفة ، فهي مرهفة الإحساس ، عميقة المشاعر ، تحتاج إلى من يمنحها الشعور بالأمن والسلام.
ولذا فإن على المرأة أن تكون أكثر وعياً لهذه المسألة وأن تكون أكثر صبراً ومقاومة وسعياً من أجل استمرار الحياة الزوجية بأي ثمن ، وعليها يتوقف أمن أطفالها وضمان تربيتهم تربية صالحة .
الفصل الرابع
الأطفال :
يعتبر الجانب العاطفي من أعظم الجوانب في علاقة الطفل بوالديه ، والطفل لا يمكن اعتباره فرداً عادياً من أفراد المجتمع يمكن التعامل معه بطريقة عادية ، إنه أمانة إلهية أودعها الله الوالدين ، ولذا فإن من واجبهما قبول هذه الأمانة العظيمة وتحملهما المسؤولية في ذلك .
إن الزواج ومن ثم إنجاب الأطفال لا يمكن اعتباره فخراً للمرء ، وإذا كان هناك ما يفتخر به فهو تربية هؤلاء الأطفال تربية حسنة وتقديمها إلى المجتمع كأفراد صالحين لائقين بمقامهم كخلفاء لله في الأرض .
ويعتبر المحيط العائلي أفضل وأعظم مدرسة لتربية النشء حيث يتلقى فيها الأطفال أولى دروس الحياة ، في حين يتحول سلوك الوالدين وتصرفاتهم ومواقفهم إلى نماذج ملهمة لهم ؛ ولذا فإن كل يوم يمر عليهم هو في الحقيقة درس لهم ؛ ولذا فإن على الوالدين مراعاة هذا الجانب والابتعاد عن كل ما يسيء إلى هذا الجو ومراقبته فكرياً وأخلاقيا .
الطفولة والمحيط العائلي :
يعتبر الأطفال الأسرة عالمهم الكبير ودنياهم الواسعة حيث يسبحون في عوالمهم الزاخرة بالأماني والأحلام الوردية ، ولذا فإن الأسرة بالنسبة للطفل تعتبر القاعدة الأساسية للانطلاق نحو المستقبل ، وفيها تتحدد توجهاته وترتسم ملامح شخصيته .
فإذا حصل اضطراب في محيط الأسرة انعكست آثاره مباشرة في نفس
الطفل وروحه ؛ وما أكثر الأطفال الذين ذهبوا ضحية للنزاعات الزوجية ، ذلك أن عدم الاستمرار والاضطراب يدمّر أول ما يدمر شعور الأطفال بالأمن ويزرع في قلوبهم الخوف ، الأمر الذي يزلزل شخصيتهم ، وبالتالي يعرضهم إلى الضياع .
إن مرحلة الطفولة هي أحلى وأجمل المراحل في حياة الإنسان ، وأنه مما يدعو إلى الأسف أن يقوم الوالدان ، ومن خلال نزاعاتهما ، بالإساءة إلى أطفالهم والقضاء على تلك البسمات البريئة التي ترتسم على شفاههم ليحلّ محلّها القلق والخوف والضياع .
النموذج السيئ :
يتعلم الأطفال منا أولى دروس الحياة ، كما تعتبر حياة الأسرة بالنسبة لهم مدرسة يتعلمون فيها كل شيء ، حيث تتراكم في نفوسهم القيم والمواقف والمشاعر والعواطف من خلال سلوكنا وتصرفاتنا ؛ ولذا فإننا سنكون نماذج وأمثلة يقتدون بها ويقلدونها ، حتى لو حاولنا منعهم عن ذلك . وفي هذه السن الحرجة فإن الأطفال سيكونون أشبه بأجهزة تسجيل دقيقة تضبط كل أقوالنا ومواقفنا ولذا فإننا سنكون نماذج سيئة إذا أسأنا التصرف قولاً وعملاً .
إن الحياة الزوجية التي يسودها الاضطراب والنزاع وعدم الاستقرار ستخلق أطفالاً مضطربين ومهزوزين نفسياً ؛ وفي هذه الحالة يتحمل الوالدان مسؤولية ما ينشأ عن ذلك من أضرار في بناء وتكوين شخصية أبنائهم .
آلام الاضطراب :
يعاني الأطفال الذين يترعرعون في محيط مضطرب آلاماً عنيفة ، فتختفي تلك النظرات البريئة والابتسامات المشرقة ليحل محلها إحساس بالحزن الممزوج بالخوف والقلق والدموع ؛ ولهذا يرتفع صوت الأطفال بالبكاء كلما اشتعل النزاع بين الوالدين ؛ إن حركاتهم هي بمثابة استغاثة للخلاص من الخطر المحدق بهم .
إن أولى حاجات الصغار في هذه المرحلة الحساسة هي الشعور بالأمن والطمأنينة ، ولهذا فهم يتلمسون خطاهم نحو المحيط الدافىء المفعم بالحنان والحب ، وأن ما يثير فزعهم ورعبهم هو رؤيتهم مظاهر العنف أو النزاع في المنزل ، الذي ينبغي أن يكون عشاً دافئاً يضمّ قلوبهم الصغيرة ويلفها بالعطف والمحبة والصفاء .
إن الطفل ليشعر بالألم يعتصر قلبه لدى رؤية والده وهو يصرخ أو لدى رؤية أمّه وهي تنتحب ؛ وكم رأينا بعضهم يشكو ذلك بالرغم من سنّه الصغيرة التي قد لا تتجاوز الأربع أو الخمس سنوات ، ومع ذلك فهو يتمتم : ليتني لم أكن موجوداً . . ليتني كنت ابناً لفلان . . وغير ذلك .
إن النزاع في الحياة الزوجية هو بمثابة خنجر مسموم يطعن قلب الطفل ويسبب له آلاماً مبرحة ، وعندها تنطفىء آماله وتنتهي أحلامه .
مسألة الإنفصال :
قد تصل الأمور في نظر أحد الزوجين أو كلاهما إلى الطريق المسدود ويحدث الطلاق ، وعندما ينفرط عقد الأسرة ويذهب كلّ في طريقه في حين يقف الأطفال في مفترق الطريق لا يعرفون أين ستكون وجهتهم ومع من يذهبون ! عيونهم على الأب وقلوبهم مع الأم ، وفي تلك اللحظة المشؤومة ، لحظة الطلاق ، يحدث ذلك التمزق العاطفي في أعماق الأطفال .
ولا يقتصر الطلاق والانفصال بين الزوجين فقط ، بل إن الأمر يتعدى إلى الأطفال أيضاً ، فلا بد أن يعرف الوالدان بأن شيئاً قد مسّ العلاقة بينهما وبين أبنائهما ، ولا بد أن يشعر الأب أو الأم بأن أطفالهما لم يعودا ملكاً خاصاً بهما فلكلٍّ نصيبه في ذلك . أما الأطفال فإنهم ينتظرون لقاءهم مع الوالدين كما لو كانوا في مهمة رسمية ، حيث تتولى المحاكم ترتيب هكذا لقاءات . ولا ينبغي أن نعتبر ذلك أمراً طبيعياً لدى الطفل يمر دون أن يحدث آثاره في نفسيته ، بل لا بد وأن تظهر في المستقبل .
الآثار النفسية :
ليس من الإنصاف أن يحترق الأطفال بنار نزاعاتكم ، وليس من العدل أبداً أن يشعروا بالمرارة والحرمان وهم في هذه السنّ المبكّرة حيث كل شيء بالنسبة لهم هو مجرد عالم وردي جميل وأطياف ملوّنة .
إن الأطفال الذين ينشأون في أسرة مضطربة قلقة يسودها النزاع لا بد وأن يشبّوا مهزوزين نفسياً ، يطل من عيونهم البريئة إحساس بالرعب وشعور بالحرمان حتى لو حاول الوالدان تقديم النصائح لهم فإن ذلك سوف يكون عديم الجدوى .
الابتعاد عن الأم :
ربما يتحمل الطفل بُعده عن والده ، أما أن يجد نفسه بعيداً عن أمّه ، ذلك الحضن الدافىء والصدر الحنون ، فإن ذلك سيكون بالنسبة له كارثة لا يمكن تحملها أبداً ؛ ذلك أن الطفل يهرع إلى أحضان أمّه لدى أقل إحساس بالخطر وعندها يشعر بالأمن والطمأنينة تغمران قلبه . وعندما يواجه الطفل عدواناً ما فإنه يسرع باللجوء إلى والدته وتقديم شكواه ضد ذلك الظلم الذي حاق به ؛ إذن لا يمكن للطفل أن يتحمل بُعده عن أمّه وافتقاده لحنانها ؛ ولو حصل ذلك جرّاء حادث ما فإنه سوف يعكس في نفسه آثاراً وتراكمات ومضاعفات تؤثر تأثيراً بالغاً في تكوينه الأخلاقي والروحي .
ولقد أثبتت الدراسات بأن أكثر من 80% من الاضطرابات العاطفية والنفسية لدى الأطفال أنما نشأت بسبب بعدهم أو فقدهم لأمهاتهم سواء أكان موتاً أو طلاقاً بل وحتى سفراً طويلاً .
نعم . إن المشكلة الكبرى هي الطلاق ، ذلك أنها تحرم الطفل من ذلك النبع الفياض بالحب والحنان .
وإنه لنوع من الأنانية أن يسعى كل من الزوجين إلى حل مشكلاتهما عن طريق الطلاق دون أن يحسبا أي حساب للمشاكل المعقدة التي سوف تواجه أطفالهما من جرّاء ذلك .
ولا يمكن للطفل أبداً أن يغفر لوالديه ما سبباه له من بؤس وحرمان .
الضياع :
ينشد الأطفال بطبعهم وفطرتهم المكان الآمن المفعم بالاستقرار لكي ينموا ويكبروا ؛ فهناك إحساس فطري بالخطر ، ولذا فإنهم يجدوا الطمأنينة في أحضان والديهم .
أما عندما يحدث الطلاق وينفرط عقد الأسرة فإنه يغمرهم إحساس بالضياع ، يجتاح تلك القلوب الصغيرة ، وعندها يجد الأطفال أنفسهم بلا معين وتملىء نفوسهم بمشاعر المهانة والإذلال ، ذلك أن أيّاً كان من الناس لا يمكن أن يحل مكان الأم أو الأب في رعايتهم والعطف عليهم وتربيتهم التربية اللائقة .
وإنه نوع من القسوة عندما يقدم الزوجان على الطلاق وتدمير ذلك العش الدافىء الذي ينعم به أطفالهم وتشريدهم هنا وهناك وتعريضهم إلى خطر الضياع والانحراف .
إن على المرء أن لا يكون أنانياً في بحثه عن الراحة والاستقرار فيحل مشاكله بطريقة مدمرّة تنشأ عنها مشكلات عديدة له ولغيره ممن لم يرتكبوا ذنباً في ذلك .
الأبوّة :
ما الذي حدا بك ـ أيها الأب المحترم ـ لكي تفقد صبرك وتحملك فتقدم على الطلاق ؟ هل تظن بأن مشاكلك قد انتهت أو أنك وجدت الحلّ الجذري والنهائي لكل متاعبك ؟ أما تفكر في المستقبل ؟ وهل أن هذه الدنيا تستأهل كل ذلك ؟ تستأهل التضحية بأطفالك الذين تتركهم يتلقون تلك الصدمة حيارى ينظرون إلى المستقبل بعيون قلقة وقلوب خائفة .
إن الرجولة لتتناقض مع هكذا عمل ، كما أن الأبوة المخلصة الحقة تتنافى معه . إنها تفترض العكس ؛ تفترض التضحية والصبر من أجل حماية الصغار وتربيتهم لكي ينشأوا رجالاً صالحين .
وأنت أيتها الأم :
هل تنسجم أمومتك مع تركك أطفالاً هم في أمس الحاجة إليك وإلى عطفك وحبّك . إن سمو الأمومة وعلوّ مقام الأم هو أكبر من ذلك ، أكبر من جميع الآلام والمصائب ، من جميع المحن والمتاعب ؛ فالأطفال ينظرون إلى أمهم كحضن دافىء ينشدون فيه كل ما ينشدونه من المحبة والعطف والحنان .
فالأم لا تغذي أطفالها اللبن فقط بل تغذيهم الحب والعاطفة ، وهي مسألة تحتل الأولوية في ذلك . وفي مقابل هذه الأهمية وهذه المسؤولية فإن على المرأة أن تنهض بدورها متجاوزة جميع المشاكل والعقبات . وعلى الأم أن يكون همها الأول هو مستقبل أطفالها ، فالأمومة هي المدرسة الأولى والمهمة في تربية الطفل وتعليمه المبادىء والأسس التي ينطلق منها نحو المستقبل المشرق .
حديث أخير :
وحديثنا الأخير هنا هو مع أولئك الذين أدّت ظروف الطلاق إلى أن يحلّوا مكان الأب أو الأم في رعاية الصغار . عليهم ألاّ يعتبروا هؤلاء الضحايا مجرد مزاحمين . . عليهم ألاّ يفرّقوا في معاملتهم أسوة بأبنائهم . . إنهم في الحقيقة أمانة إلهية في أعناقهم . . إنهم أطفالهم ، فقدوا عشهم فلجأوا إليكم ينشدون ما افتقدوه من الدفء والحنان .
إن الله سبحانه قد أمرنا بالإحسان إلى أسرانا في الحروب فكيف بهؤلاء الأطفال الأبرياء ؟!
إن ضربهم أو إهانتهم ستكون عميقة الأثر في نفوسهم الغضة وقلوبهم الطرية إنهم أمانة الله في أعناقكم وأنتم مسؤولون عنها يوم القيامة ، فأدّوا إليهم حقوقهم في المحبة والعطف والأمان .
القسم الخامس
في طريق تعزيز العلاقات الزوجية :
سنتحدث في هذا القسم عن جملة من المسائل التي تؤثر في تمتين العلاقات الزوجية بين المرأة والرجل باعتبارهما كائنين عاطفيين ، حيث يمكن لهذه المسائل أو العوامل أن تؤثر في تعزيز العلاقات بينهما . منها ما هو فطري ومنها ما هو اجتماعي .
فالاهتمام بالمظهر ومراعاة العادات والتقاليد الاجتماعية والأخلاقية والجمال الظاهري وكذلك إصلاح الباطن وتربية النفس والتقوى وكل ما من شأنه إغناء الجمال الباطني وجعله مرآة صافية ؛ وإلى غير ذلك من المسائل المهمة التي سوف نشير إليها باختصار . . لها آثار عميقة في تعزيز العلاقات بين الزوجين .
الفصل الأول
الجمال الظاهري :
بالرغم من كون التفاهم والانسجام الفكري هو الأساس في العلاقات الزوجية ، إلا أن المظهر الخارجي له تأثيراته التي لا يمكن التغاضي عنها ؛ فالمقولة التي تفيد بأن بعض عقول الرجال في عيونهم صحيحة إلى حد ما .
ولذا فإن على الزوجين ، وخاصة المرأة ، الاهتمام بهذا الجانب والسعي دائماً للظهور بالمظهر اللائق ؛ ذلك أن الحياة فن وعلى المرأة أن تحسن مثلاً كيفية الاحتفاظ بقلب زوجها وتفجير عواطفه تجاهها . وفي هذا البحث إشارة إلى جملة من الأمور المهمة التي ينبغي أخذها بنظر الاعتبار .
أ ـ إصلاح المظهر :
يظن البعض من الرجال والنساء أن الاهتمام بالمظهر يقتصر على الأيام الأولى من الزواج فقط ، أي في الأيام التي ينبغي فيها الظهور بأبهى ما يمكن من الزينة ، أما بعد أن يصبحوا « أهلاً » وأحبّة فإن المرحلة الجديدة تقتضي التصرف على الطبيعي دون تكلف ، وبالتالي الظهور بالمظهر العادي ، أو حتى إهمال هذا الجانب كليّة .
إن جمال الحياة ولطافتها تفرض على الزوجين الاستمرار في الظهور بأجمل ما يمكن ، والحديث الشريف الذي يقول : « إن الله جميل يحبّ الجمال » له مغزاه ودلالته . فليس من اللائق أن يكون اللقاء بين الزوجين في ملابس العمل وثياب المطبخ ، فالاحترام المتقابل يفرض على الزوجين اهتماماً أكثر
بمظهرها الخارجي ومحاولة إدخال الرضا في قلب كل منهما بما يعزز من مكانته لديه .
ضرورة ذلك :
وتتجلى أهمية هذا الجانب اليوم أكثر من أي وقت آخر ، فالعصر الحاضر يموج بكل أسباب الانحراف والضياع . فالمحيط الاجتماعي المفتوح ، وبكل ما فيه من إيجابيات ، يبعث في قلب المرء شعوراً بالميل إلى بعض المظاهر الخلاّبة ، ولذا فإن ضعاف الإيمان سرعان ما ينجرفون مع التيار بعيداً . وعلى المرأة أن تنتبه إلى هذا الجانب والاهتمام بمظهرها ، وبالتالي الإسهام في حماية زوجها من الانحراف . وهذه المسألة تنسحب أيضاً على الرجل ، إذ ينبغي له الظهور اللائق أمام زوجته بما يجذبها نحوه ويشدّها إليه .
والاهتمام بالمظهر الخارجي لا يعني فقط الثياب النظيفة والعطور الفوّاحة ، بل يشمل أموراً أخرى كالابتسامة المشرقة والحديث الحلو والمعاشرة الطيبة وإشادة كل منهما بذوق الآخر وإلى آخره .
أضرار التطرف :
« لا إفراط ولا تفريط » تكاد تكون هذه القاعدة شاملة لكل نواحي الحياة ؛ ففي الاهتمام بالجانب الجمالي ينبغي أن يكون الأمر في حدود المعقول ، فلا تفريط بالمظهر الخارجي وإهماله تماماً ، ولا إفراط بهذا الجانب والوصول إلى حدود غير معقولة ، بحيث تنفق المرأة ـ مثلاً ـ من الميزانية ، ما يهدد بقية الجوانب ، وبالتالي تفجير كوامن الغضب في قلب الرجل تجاهها .
إن أساس الحياة المشتركة هو التفاهم والانسجام الفكري ، ولذا فإن مسألة الجمال والزينة هي الأخرى تخضع لهذا القانون ؛ فالنفوذ إلى قلب الرجل أو المرأة لا يقتصر على الزينة الظاهرية فقط ، إنما يتطلب اهتماماً شاملاً بكل أركان الشخصية ، وبنائها المطلوب ؛ ذلك أن الجمال
الظاهري له تأثيراته المؤقتة ، والتي سرعان ما تنتهي ليبقى الجمال الحقيقي الذي يمكن في جمال النفس والروح .
ب ـ الحياة المنسّقة :
النقطة الأخرى التي لها أهميتها في تعزيز العلاقات الزوجية هي الاهتمام بنظام المنزل وترتيب شؤونه بما يدخل الرضا في أعماق من يعيش فيه ؛ وقد يعترض البعض بأن ذلك يحتاج إلى أن المال في توفير وسائل الراحة ، وقد يكون هذا صحيحاً ، إلا أن الفقر لا يمنع الإنسان من أعمال فكره واستخدام فنّه في مسائل لا تحتاج إلى مال بل تحتاج إلى مهارة وذوق فقط ؛ فالنظام والذوق والنظافة ، ربما تجعل من الغرفة البسيطة والمنزل البسيط آية في الجمال ، تغمر القلب بمشاعر الهدوء والسلام ؛ حتى أن المرء ليشعر بالروح تنبض في كل زاوية من زوايا المنزل وينظر إلى سيدته بعين الاحترام والإجلال .
كسر الرتابة والجمود :
إن عمليات التغيير في نظام البيت وتوزيع أثاثه بين فترة وأخرى يكسر في القلب ـ جدار الملل والرتابة ، ويبعث روحاً جديدة في زواياه .
فترتيب الديكور وتغييره ، وانتخاب نوع آخر من الزينة ، له آثاره النفسية في تجديد فضاء الحياة المنزلية .
وبالرغم من عدم جوهرية هذه المسائل إلا أن تأثيرها قد يصل في بعض الأحيان حداً لم يكن يتصوره أبداً ؛ فقد يعود الرجل من عمله متعباً ، وإذا به يجد كل شيء في استقباله . . كل شيء قد لبس حلّة جديدة . . يجد ابتسامة زوجته ، وطعاماً شهيّاً ، ومكاناً جديداً لاستراحته . . وعندها سيشعر بأن شريكة حياته تعمل المستحيل من أجل توفير كل ما يشعره بالرضا ، فتنفجر في قلبه مشاعر الحب والمودة ، ويصمم على ردّ الجميل في أقرب فرصة تسنح له .
ج ـ الجوانب المادّية :
إنها مجرد مزاعم عندما يدّعي البعض بأنّ النزاع الذي ينشأ في حياتهم الزوجية لا علاقة له بالمسائل المادّية ، كالطعام وتوفير جوّ من الراحة ؛ غير أن الحقيقة أن هذه المسائل ـ وبالرغم من كونها هامشية إلى حدّ ما إلا أنها قد تكون ذات تأثير بالغ في تفجير النزاع بين الزوجين ؛ ذلك أن الحياة لا تنفكّ عن هذه الأمور أبداً . فالجائع يكون عصبي المزاج ، خاصّة عندما لا يجد مكاناً لاستراحته فإنه سرعان ما يثور غاضباً . ولذا فإن على المرأة والرجل أن يوليا أهمية لهذه الجانب لما له من الأهمية في الحياة الزوجية .
فالرجل الذي يعود من عمله متعباً جائعاً ثم لا يجد طعاماً يسدّ به رمقه ، ولا يجد مكاناً مناسباً يأوي إليه ويستريح فيه ، لا بدّ وأن يحزّ في نفسه ذلك ويستنتج منه أن زوجته لا تقدر تعبه ولا تحترمه مما يولّد ضعفاً في عواطفه تجاهها ، وقد يثور في وجهها عندما تشتعل شرارة الموقف .
صحيح أنه ليس من واجبات المرأة تهيئة وإعداد الطعام ، ولكنه من دواعي اللياقة والأدب وحسن المعاشرة أن يكون هناك احترام للزوج ينعكس ويتجسد في توفير بعض متطلباته الضرورية .
فالمرأة الماهرة يمكنها وبقليل من المال ـ أن تهيىء طعاماً متنوعاً يثير شهية زوجها ويدفعه إلى إعجابه بزوجته التي تتفنن وتفعل المستحيل من أجله ، وهذا ما ينعكس في قلبه ويفجر مكامن الحب فيه تجاهها .
توفير الراحة :
لا شك في أن الرجل والمرأة يبذلان من طاقاتهما الكثير . هذا خارج المنزل يكدّ ويتعب من أجل توفير العيش الكريم ، وتلك تدور في المنزل هنا هناك تعدّ الطعام تارة ، وتغسل الثياب تارة أخرى ، وترتّب البيت أحياناً ، وتقوم على تربية الأطفال أحياناً أخرى ، وغير ذلك من شؤون المنزل .
وقد يتعب الرجل أكثر من زوجته ، فالرجل يهبّ لمساعدة زوجته
ويخفف عنها بعض عناء العمل ، والزوجة تهبّ لمساعدة زوجها في إنجاز بعض شؤونه وتوفير بعض مستلزماته وإشعاره بالدعم والمحبة .
فالتعب والحاجة إلى الاستراحة والتقاط الأنفاس قد يتسبّب في الشعور بالمرارة ، خاصّة إذا كان هناك إهمال من الطرف الآخر . وما أكثر أولئك الذين يتصورون البيت جحيماً لأنهم لا يجدون من يهتم بهم أو يلتفت إليهم .
فقد تتصور المرأة أنها لو بقيت في بيت أبيها لما عانت ما تعانيه من التعب والإرهاق ، ويتصور الرجل لو أنه يقضي وقته خارج المنزل لوجد له مكاناً يأوي إليه ويستريح فيه .
إن توفير جو من الراحة والهدوء هي من واجبات الزوجين تجاه بعضهما البعض ، فالقيام برحلة ممتعة حتى لو كانت قريبة ، وتغيير الجو كما يقولون ضروري بين فترة وأخرى .
كما أن زيارة الأصدقاء والمعارف وصلة الأرحام له تأثيره الإيجابي في إنعاش الحياة الزوجية ورفدها بدماء جديدة .
د ـ رعاية الأدب والأخلاق :
إن أسمى مقومات الحياة الزوجية إنما تتجسد في رعاية الزوجين للأدب والخلق الكريم ، وذلك الاحترام العميق ، والعلاقات الصحيحة في علاقة الزوجين بعضهما ببعض ؛ ذلك أن الخيانة والحسد وبذاءة اللسان والأنانية والكذب ، هي وقود النزاعات والخلافات في الحياة الزوجية .
إن جمال الحياة الزوجية يكمن في تلك الابتسامات المضيئة ، والمعشر الحلو ، والحديث اللطيف الهادىء ، والحب العميق . فالمرأة لا تنسى أبداً كلمات الحب التي يتمتم بها زوجها ، كما أن الرجل يشعر بالدفء وبالقوة أيضاً عندما يجد زوجته تقف إلى جواره وجانبه ؛ فالحياة المشتركة هي رحلة يقوم بها الرجل والمرأة معاً ، يداً بيد .
ضرورة ضبط النفس :
إن الحياة المشتركة تفرض على المرأة احترام مشاعر زوجها ، وتوجب على الرجل مداراة زوجته وعدم إهانتها أو توجيه كلمة تجرح قلبها ، فقد تفعل الكلمة القاسية ما لا يفعله خنجر مسموم من الألم والمرارة .
إن ضبط النفس والحديث الهادىء الذي يفيض حباً ومودة لا بدّ وأن يزرع في قلب الآخر شعوراً بالمحبة والصفاء ، ولذا فإن على المرأة مراعاة الحالة النفسية لزوجها ومن ثم التعامل معه في ضوء ذلك . وعلى الرجل رصد نفسية زوجته ، ومن ثم العمل على إدخال الفرحة إلى قلبها .
فكلمة حب دافئة ، وابتسامة مختصرة قد تساوي في نظر المرأة ملء الدنيا ذهباً ؛ كما أن الرجل يشعر بالسعادة عندما يرى زوجته تفيض حيوية ونشاطاً ، وبهذا يتعانق قلباهما وتتشابك روحاهما ، وبالتالي تتفجر ينابيع السعادة .
الفصل الثاني
الجمال الباطني :
كان البعض قديماً ـ وربما إلى اليوم ـ يتصور أن الزواج من امرأة جاهلة لا تعرف شيئاً ، ضعيفة نفسياً ، غضة الجسم ، أمر يجلب السعادة الزوجية ، ذلك أنها ستكون طوع اختيار الرجل .
وفي مقابل هذا التصور من قبل بعض الرجال يوجد من بين النساء من تفكر بهذا النحو ، فتطمح للزواج من رجل ضعيف الشخصية يفتقد الإرادة ليكون مستسلماً لها ولإرادتها وذوقها ، مما يوفّر لها حرية مطلقة في التصرف .
إن الدين الإسلامي الحنيف يرفض تماماً مثل هذا المنطق ، ذلك أن الهدف من تشكيل الأسرة لا ينحصر في هذه الأطر الحيوانية من توفير الطعام وإشباع الحاجة الجنسية . ومن يتزوج من أجل هكذا أهداف فقط فلن يحظى من الدنيا إلا بالقليل ؛ وحتى أولئك الذين يتزوجون من أجل المال أو الجمال عليهم أن يدركوا أن هذه المسائل مؤقتة ، إذ سرعان ما يزول تأثيرها وينتهي مفعولها ، وعندها لا يبقى سوى الشعور بالحرمان .
إن ما يمنح الحياة جمالها ويجعلها حلوة هو ذلك الجمال الباطني والمعنوي الذي يتجسد بالخلق الكريم الذي يرافق الإنسان دائماً ويكسبه أبعاده الشخصية كإنسان له كرامته وأصالته .
قيم الكمال :
إن ما يمنح الحياة شكلها ورونقها هو كمال الإنسان لا جماله الظاهري أو ثراؤه المادّي ؛ ذلك أن عقل الإنسان ومظنته وتقواه وعفّته هي التي تبعث
الحياة في الشخصية الإنسانية وبالتالي تعكسها في شكل الحياة البشرية وروحها .
إن التأثير الأخلاقي والأدبي الذي يتمتع به أحد الزوجين كجمال باطني يفوق أضعاف الجمال الظاهري الذي يمكن أن يتمتع به الآخر ؛ ذلك أن الحب والمودّة الزوجية إنما تنشأ بين روحين وبين قلبين يلتقيان في صعيد واحد ، ولا يمكن في حال من الأحوال أن يولد حب حقيقي على أساس من المظاهر الماديّة الزائفة .
ولذا ، فإن على الإنسان أن يبني شخصيته على أسس متينة من الأخلاق والقيم ، فهي وحدها التي تتمتع بالبقاء والدوام ، أما المظاهر الماديّة فهي إلى الزوال والفناء .
إننا قد لا نطيق البعض في رحلة قصيرة إذا كانوا لا يتفقون مع آرائنا وتوجهاتنا وأفكارنا ، فكيف إذا كانت الرحلة هي رحلة العمر ، وكان رفيق السفر شريك حياة .
دور القيم الأخلاقية في الحياة :
إن الحياة المشتركة تنطوي على إيجابيات لا حصر لها على صعيد التكامل الإنساني وإثراء الشخصية ، ناهيك عن تلك الألفة وذلك الإنس الذي يتحقق في ظلالها .
أو لم يقولوا بأنّ وراء كل رجل عظيم امرأة ! إن المرأة الفاضلة يمكنها ، ومن خلال نفوذها إلى روح زوجها ، أن تؤثر تأثيراً بالغاً في حياته وتكامله ، كما أن الرجل الفاضل هو الآخر يمكنه النفوذ إلى روح زوجته بما يخلق عندها من قيم الكمال والأخلاق .
إن السعادة الإنسانية إنما تقوم على الأخلاق والطمأنينة والشعور بالسلام والمحبة ، وهذه أمور يمكن خلقها بالرغم من الفقر وضيق ذات اليد ، ذلك أن السعادة لا تنشأ عن الذهب والثراء وكل زخرف في هذه الحياة الدنيا .
تجليات الكمال :
ما هي الأصعدة التي يتجلى فيها كمال الرجل والمرأة ؟ يمكن الإجابة على هذا السؤال بالإشارة إلى ما يلي :
1 ـ العلم :
إن جميع الأديان والمذاهب تؤكد على إغناء هذا الجانب في حياة الإنسان ، وأن على المرء أن يملأ رأسه بالعلم قبل أن يملأ معدته بالطعام ، فالحياة إنما تقوم بالعلم وتنهض بالفكر .
وإن ما يعلي شأن المرأة ويرفع من منزلتها هو العلم ، ولذا فإن على المرأة والرجل أيضاً أن يخصصا ولو ساعة في اليوم للمطالعة واكتساب المعرفة ؛ ذلك أن ضمور هذا الجانب في حياة الإنسان يعني في الحقيقة زواله وفناءه .
2 ـ حسن المعاشرة :
إن من كمال المرأة والرجل هو حسن المعاشرة وطهارة الثوب ، بل أن أعظم ما في حياة الإنسان هو هذا الجانب ؛ فما أكثر أولئك الذين حلّوا المشاكل المستعصية عن طريق الكلام الذي هو جانب من جوانب السلوك والمعاشرة .
وقد أوصانا نبينا ( صلى الله عليه و آله ) بحسن المعاشرة وإبراز عاطفتنا لمن نحب ، لما في ذلك من الأثر الكبير في تعزيز وتمتين العلاقات .
قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) : « إن قول الرجل لزوجته إني أحبك لا يذهب عن بالها أبداً » .
إن الجانب الأخلاقي وإضافة إلى ضرورة توفره من أجل ديمومة الحياة المشتركة فإنه يهب الحياة ذلك الجمال ويجعلها حلوة المذاق .
3 ـ التوازن في السلوك :
من بين الصفات والملكات الإنسانية المختلفة يبرز التوازن في السلوك كجانب مهم في حياة الإنسان الذي يعتبر انعكاساً عن ضبط النفس واستقرار الروح .
إن الارتباط مع إنسان يفتقد هذا الجانب يعتبر في الواقع مغامرة مجهولة النتائج ؛ فقد تتوفر صفات إيجابية عديدة لدى أحدهم ولكنه يفتقد إلى جانب التوازن والتعادل في المزاج ، فإذا هو هوائي السلوك يميل مع الريح وتأسره الرغبة وتملكه الأشياء في أول نظرة . إن الارتباط مع هكذا إنسان سوف يعقّد الحياة ويجعلها في غاية المرارة ، فالحياة الهادية المستقرة تحتاج إلى نفس هادئة وسلوك مستقر ومزاج ثابت .
4 ـ تقدير الجهود :
يكدح الرجل طوال اليوم من أجل توفير لقمة عيش كريم لعائلته ، ويعاني في سبيل ذلك ما يعاني من تعب وإرهاق . كل هذا صحيح ولكن عليه أن لا يتصور أبداً أن زوجته وهي ربة البيت تقضي وقتها دون عمل . فالرجل الذي يتصور ذلك هو في الحقيقة مخطىء تماماً ، ذلك أننا لو استعرضنا الأعمال المنزلية التي تقوم بها المرأة لأدركنا أهميتها وصعوبتها .
ولذا فإن علينا أن لا نطلب المزيد من زوجاتنا ، فلنا أعمالنا ولهن عملهن الذي لا يقل صعوبة وأهمية عن أعمالنا ؛ وعليه فإن عودتنا من العمل متعبين لا يبرر أبداً الإساءة في معاملتهن .
5 ـ التحمل والصبر :
من الخصال العظيمة التي يمكن أن يتحلّى بها الإنسان هي التحمل والصبر . وهناك مثل أجنبي يقول : ليست المصيبة في ذاتها بل في عدم تحمّلها .
عندما لا تقدّر زوجتك جهودك ولا تعرف حقك فتسيء ، فهو أمر يحزّ في النفس ، غير أن المشكلة سوف تتعقد إذا فقدت صبرك إزاءها ، فلم تعد تتحملها ، إذ ستصبح المصيبة مصيبتين .
إن النجاح في الحياة يعود إلى التحمل والصبر والمقاومة والقدرة على احتمال الشدائد .
6 ـ التقوى :
التقوى من أكبر كمالات الإنسان ـ رجلاً كان أو امرأة وهي التي تجسد قيمة الإنسان ـ وإذا كان ثوب المرء وحيداً فلا ينبغي أن يكون قذراً . إن نظافة الثوب الوحيد من أنبل جهاد الفقراء ، فإذا كتب عليه أن يكون فقيراً فليحاول أن يكون شريفاً .
إن التقوى والعفة هي التي تمنح الإنسان جماله الحقيقي . . الجمال الذي يفوق ـ أضعافاً مضاعفة الجمال الظاهري . ولقد أثبتت البحوث والتجارب العلمية أن الإنسان يمل أجمل المناظر وأحلى المشاهد إذا ما تكررت رؤيتها كل يوم ، فما بالك بجمال الإنسان رجلاً كان أو امرأة .
إن سر استمرار الحياة الزوجية هو في ذلك الجمال الباطني الذي يشعّ من أعماق النفس الطاهرة والروح النقية .
7 ـ العواطف :
إن ما يمنح الأسرة صفاءها ويشيع في أجوائها الدفء هو تلك العاطفة المتأججة في القلب ؛ وإن من كمال المرأة أن تحتوي زوجها بالعطف وتمنحه ذلك الشعور بالمودّة والحنان . ومن كمال الرجل أيضاً أن يشعر زوجته بالحق وأن يمنحها ذلك الشعور بالطمأنينة والسلام . ولذا فكلاهما يحتاج الآخر وكلاهما يكمل الآخر . ومن خلال تلك العاطفة النبيلة ينبعث الأمل في قلب الزوجين فيضيء طريقهما نحو المستقبل .
أخذ وعطاء :
وأخيراً ، فإن العلاقة بين الزوجين لا يمكن أن تكون من جانب واحد : هو يعطي وهي تأخذ . . أو بالعكس . . ينبغي أن يكون العطاء من الجانبين . . كل حسب إمكاناته وقابلياته . وقد تكون المرأة مطالبة أكثر في البحث عن الأشياء التي تجدّد حياتهما المشتركة ، وربما يكون الرجل مطالباً أكثر في العثور على الأشياء التي تبدد ضباب الملل من الحياة الزوجية وتعيد إليها الأمل .
الفصل الثالث
الحب :
لقد أثبتت الوقائع والبحوث العلمية في مضمار السلوك الإنساني أنّ الزواج هو العامل الوحيد الذي يوفّر الاستقرار في حياة الإنسان ؛ ذلك أن الزواج يعني ارتباط إنسانين في ظل حياة مشتركة يسودها الحب والمودة والصفاء .
إن الأسرة هي العش الدافىء الذي يوفّر للزوجين أسباب الطمأنينة والسعادة التي تنهض على أسس من الألفة والمحبة ؛ هذا من جهة ومن جهة أخرى ، فإن الزواج يعني تكامل الزوجين وانتفاء الشعور بالنقص الذي يعتري المرأة والرجل على حد سواء .
أساس الحب :
إن أسس الحب تتجسد في التضامن والتفاهم والتضحية والتسامح والاحترام المتقابل ، والحب هو جوهر الحياة الزوجية ، وبدونه تبدو كل الأشياء خاوية لا معنى لها ؛ ذلك أن الإنسان إنما يحيا بالحب ومن أجل الحب ، وهو ذلك المشعل الذي يضيء للإنسان معالم الطريق ، وتلك الشعلة المتوقدة في القلب ، التي تمنحه الشعور بالدفء والسلام .
إن الحب يمنح الإنسان تلك الرؤية التي تجعل من كل المرئيات تبدو وكأنّها خضراء . ولذا فإن الحب هو الأساس في الحياة الزوجية ، وهو العامل المهم والكبير في استمرارها وتكاملها .
تعميق مشاعر الحب :
إن من المسائل المهمة في الحياة المشتركة أن يعمل الزوجان على تعزيز وتعميق مشاعر الحب بينهما ، من كلمة حلوة أو موقف رحيم أو نظرة دافئة أو لمسة مفعمة بالحنان ، وما إلى ذلك من وسائل التعبير عن الحب والتودّد .
وما أكثر الأزواج الذين ينطوون على مخزون من تلك العواطف السامية في حين يخونهم التعبير عن ذلك ، وبالتالي يتراكم الجليد في علاقاتهم فيجدون أنفسهم في عزلة وانزواء يهدد حياتهم المشتركة بالإنهيار .
إن جذوة الحب وحدها لا تكفي ، بل ينبغي تأكيد وجودها عن طريق التعبير عن ذلك بكل الوسائل كالزينة ؛ الحديث الحنون ؛ الاهتمام بالطعام ؛ النظافة ؛ والثناء ، وإلى غير ذلك من شؤون الحياة .
وبالرغم من سلبية المشاكل والأمراض التي تعترض حياة الإنسان إلا أنها فرص مناسبة لإثبات وتثبيت عواطف المحبة والمودة والتضامن بين الزوجين .
شروط الحب :
وإذا كان الحب بهذه الأهمية فما هي شروطه يا ترى ؟
ينبغي أن يكون الحب صادقاً ، بعيداً عن الرياء ، صافياً من كل الشوائب ، خالياً من التصنع ، نابعاً من صميم القلب و . . .
والزواج السعيد عادة هو نوع من الصداقة والمحبة والألفة ، حتى ليصعب تمييز جوانبه المادّية والمعنوية ، فهو شكل من أشكال الإندماج والتفاعل الذي يلبّي كل حاجات الروح والجسد .
وفي كل هذا ، ينبغي أن لا نتوقع الدلال المستمر في مناسبة وغير مناسبة ، ذلك أن الحب عاطفة صادقة تتفجر في وقتها ، وتعبر عن نفسها في الزمن المناسب والظرف المناسب .
وأخيراً ، فإن الحب الصادق عاطفة نبيلة لا تنتظر ما يقابلها أبداً ، ولا تعرف أشكال المقايضة أو التعامل التجاري .
دور المرأة :
بالرغم من كون الحب علاقة زوجية ، أي يشترك فيها الطرفان ـ الرجل والمرأة إلا أن دور المرأة في ذلك يفوق في أهميته دور الرجل ، حث أن حب المرأة يمنح الرجل شعوره بالثقة بل ويجدد أنفاس الحياة الزوجية .
تتمكن المرأة ومن خلال الحب أن تبعث في قلب الرجل شعوراً فيّاضاً بالحيوية ، وبالتالي فإنها تنفذ في قلبه لتحتل المنزل الأثير لديه .
إن استقرار الحب يعني نمو الأمل . . الأمل الذي يكتسح في طريقه الاضطراب والقلق ويحلّ مكانها الطمأنينة والسلام .
بل إن هذا الحب سيكون سدّاً منيعاً يحمي المرأة ويقيها غضب الرجل ؛ هذا في الوقت الذي تبدو فيه الحياة خالية من المعنى بدون الحب . . الحب ذلك النبع الصافي المفعم بمشاعر الاستقرار والهدوء . . والفرح .
إن الرجل يتوقع من المرأة الحب . . ذلك أن المرأة هي السرّ العجيب الذي يكمن وراء انطلاق الرجل ؛ وإذا ما رأى نفسه محروماً من الحب فإنه سيفكر في امرأة أخرى تمنحه ذلك الشعور . وهذا هو سر غضب المرأة من مسألة تعدّد الزوجات .
مرحلة الحب :
تولد المودّة بين الزوجين بمجرد اقترانهما ، وفي خلال تلك المدّة تبقى للطرفين خصائصهما ومقوماتهما الشخصية . وبعد أن تنمو المودّة لتتمخض عن الحب الذي يعني الاتحاد التامّ ؛ الإيثار ؛ التسامح ؛ والتضحية ، فإن الحياة الزوجية تدخل مرحلة جديدة تتلاشى فيها تلك المقومات الشخصية لتولد شخصية جديدة . . شخصية تنهض على التكامل الذي يحققه الزواج والحب .
ومن هنا تختلف الأسرة الإنسانية في حياتها عن بقية الكائنات الحية الأخرى ؛ ذلك أنها ترتفع إلى مرتبة القداسة والملائكية .
العلاقات الجنسية في الزواج :
إن أولى التوصيات في مضمار الصحة النفسية هي تلك العلاقات الجنسية الصحيحة التي يقيمها الزوجان في حياتهما المشتركة ؛ ذلك أن الارتباط الجنسي في ظروفه السليمة يقضي على مشاعر القلق ليولّد لدى المرء شعوراً بالطمأنينة .
إن الجانب الجنسي هو جانب فطري أودعه الله في حياة البشر ، وأن وجوده وعنفه أمر طبيعي ؛ على أنه ينبغي توجيه هذه الغريزة وإشباعها وفقاً لأسس وأصول صحيحة ، وفي ضوء التعاليم الإلهية .
إن تنظيم العلاقات الجنسية بشكل صحيح وسليم سوف يساعد على استمرار الحياة الزوجية واستقرارها ، مع التأكيد على أن المسألة الجنسية لا يمكن اعتبارها جوهر الحياة الزوجية ، وهي نقطة نثيرها أما البعض ممن كان لديهم علاقات جنسية لا مشروعة قبل الزواج لكي لا يشعروا بالملل والضجر من حياتهم الجنسية في ضلال الزواج .
أضرار الامتناع :
لقد خلق الله الإنسان وأودع فيه غريزة الجنس كبقية غرائزه الأخرى ، وأن تلبيتها بالشكل المقبول عقلاً وشرعاً يضمن للإنسان سلامته روحاً وجسداً ، كما أن كبتها أو إهمالها سيؤدّي إلى مضاعفات عديدة لا تحمد عقباها .
إن بعض الشباب من الذين يعيشون أحلام الحب الملائكي تخفت في نفوسهم تلك الميول الجنسية مما يؤدي إلى ضعف شديد في علاقاتهم الزوجية ، وهذه ظاهرة نلمسها في حياة المرأة أكثر من الرجل وتعتبر بشكل عام حالة مرضية لها أسبابها النفسية أو الجسدية التي ينبغي معالجتها قبل أن تقصم ظهر العلاقات الزوجية .
وإذا كان لهذه الظاهرة ما يبررها في دين المسيحية فإن الإسلام قد حثّ على الزواج واعتبره من المستحبات المؤكّدة التي لا تفصلها عن الواجب إلاّ قيد أنملة .
إن إهمال هذا الجانب لا يضيع حقوق الزوجية فحسب ، بل إنه يشتمل على أضرار نفسية وجسدية وخيمة ، وبالتالي ظهور أعراض الانهيار في العلاقات الأسرية .
إرواء العطش الجنسي :
تشكل الحياة الجنسية جانباً مهماً وأساسياً في علاقات الزوجين ، وإن عدم إرواء العطش الجنسي لأحدهما قد يؤدي إلى تراكم الغيوم في سماء الأسرة ويجعل جوّها مشحوناً بالقلق .
قد يشعر الزوجان أحدهما أو كلاهما بفتور تجاه شريكه في الحياة دون أن يعرف سبباً واضحاً لذلك ؛ ذلك أنها تترك في أعماق اللاوعي تراكمات تطفو إلى السطح ولو بعد حين .
إن العلاقات الزوجية ينبغي أن ترسى على أساس السعي المشترك لتوفير المتطلبات والحاجات المشتركة ، ذلك أن الزواج نفسه إنما هو استجابة فطرية لمشاعر النقص التي تختلج في أعماق الجنسين .
إن تلبية النداء الجنسي يجب أن يكون مشتركاً ، فلا ينبغي أن تكون العلاقات الجنسية انطلاقاً من رغبة منفردة ، لأن ذلك يعني حرمان الطرف الآخر والاستهانة بمشاعره ، وبالتالي اضطرابه نفسياً .
كبح الجماح :
كما ذكرنا آنفاً فإن الجانب الجنسي لا يشكل جوهر العلاقات الزوجية ، على الرغم من كونه عاملاً مهمّاً في تعزيز روابطهما المشتركة .
إن الغرائز البشرية هي مقدمات الحياة الإنسانية ، غير أن الهدف من وراء الحياة أسمى بكثير من الغرائز نفسها ، وعلى الإنسان أن لا يهدر سنوات عمره في اللهاث وراء غرائزه .
إن الشخصية الإنسانية المتّزنة والمعتدلة تنشأ عن ضبط الغرائز والسيطرة عليها لا إطلاق العنان لها . وفي الحياة المشتركة ينبغي أن يفكر الزوجان بذلك انطلاقاً من وحي الحياة المشتركة .
الفصل الرابع
التقوى والعفاف :
إنها لمن أعظم النعم أن يهبنا الله إنساناً عفيفاً طاهراً يشاركنا حياتنا ، إنساناً يشعر المرء إلى جواره بالسكينة والهدوء والأمن .
إن الحياة الأسرية حياة مقدسة ، وهذه القداسة لا يمكن حمايتها إلاّ بعفّة الرجل والمرأة ، ذلك أن التقوى والعفاف تحيطان الأسرة بهالة مقدّسة تحميانها من مخاطر التفكك والانحلال .
فإذا أردنا أن نصنع أسرة طاهرة ، وبالتالي مجتمعاً طاهراً بعيداً عن كل أشكال التلوّث الاجتماعي والسقوط الأخلاقي علينا أن نصنع رجالاً ونساء يرفعون التقوى والعفّة شعاراً لهم .
إن التقوى والعفاف تزيد من أواصر الزوجية وتعزّز من علاقات الزوجين وتزيد إنسهما وإلفتهما في حياتهما المشتركة .
ضرورة المحافظة على العفّة :
ولا تعتبر مسألة العفّة ضرورية من ناحية دينية فحسب ، بل إنها ضرورية أيضاً حتى من وجهة نظر ماديّة ؛ ذلك أن الحياة الجنسية تتطلب من الرجل والمرأة الالتزام بحدود العفّة ؛ فالزواج يعني امتلاك الرجل للمرأة وامتلاك المرأة للرجل ، والعفّة معادلة دقيقة تحدّد مسألة التكافؤ بين الرجل والمرأة . والإخلال بها ـ حتى لو ـ من جانب واحد سوف يقلق هذه المعادلة ويعرضها للخطر .
إن عفة الرجل هي التي ستحمي امرأته ـ أو « حرثه » على حد تعبير القرآن ـ من اعتداءات الأجانب وصيانتها من كل الأخطار .
وهذا الأمر ينسحب على المرأة أيضاً ، فمن خلال عفّتها وإشباعها حاجتها الرجل تتمكن من المحافظة عليه وحمايته من الانحراف .
آثام السقوط :
ولو طالعنا حياة بعض الرجال والنساء من الذين انتهى بهم الأمر إلى الضياع لوجدنا أن الكثير منهم ليسوا إلاّ ضحية الانحراف والسقوط في هاوية الرذيلة .
إن أكثر أسباب التصدع في الحياة الزوجية إنما ينشأ بسبب عوامل جنسية ؛ ولذا فإن مسؤولية الحفاظ على العفّة مسؤولية عامّة ، وتهمّ الرجل كما تهمّ المرأة ، وهي ليست مؤقته بل إنها تشمل حياة الإنسان كلها عمراً وسلوكاً بالرغم من تجلّي أهميتها في فترة الزواج .
إن البعض من الأزواج ـ ومع الأسف ـ من ضعيفي الإيمان يقع في شراك الرذيلة بمجرد اكتشافه لإنحراف شريك حياته عن جادّة العفاف معتبراً الأمر شكلاً من أشكال الانتقام والمقابلة بالمثل ، متناسياً خسارته الكبرى في نفسه وخسارته لدنياه وآخرته .
إنهيار الأسرة :
لا تنهار الحياة الزوجية فجأة ، بل هناك عوامل وأسباب متعددة تنخر في الكيان الأسري وتدفعه إلى السقوط . وفي إطار ما يرتبط بهذا البحث يمكن الإشارة إلى ما يلي :
1 ـ الرغبة المجنونة :
ما أكثر الأفراد الذين أسرتهم هذه الرغبة ، فهم لا يكفّون عن اللهاث وراء إرواء عطشهم ، مسخّرين جوارحهم في سبيل ذلك . . أعينهم تدور هنا وهناك ، وألسنتهم تنصب الحبائل في طريق الضحايا . ولعلّ الرجال من
أسهل الفرائس إذ سرعان ما يقعون في الفخ بمجرد كلمة أو دعوة ؛ بالرغم من وجود الماكرين من الرجال الذين يستغلون طيبة وسذاجة بعض النساء والإيقاع بهنّ .
ومن أجل هذا ، يوصي الإسلام الإنسان المؤمن بصيانة جوارحه عن الحرام . فهو يأمرنا بأن نغضّ أبصارنا ونحفظ فروجنا ، ويوصي بالحجاب والستر والعفاف في حياتنا الجنسية .
ولأن الرجل تأسره الرغبة الجنسية فقد أوجب الإسلام على المرأة الانقياد إلى زوجها في الشؤون الجنسية لكي يسدّ عليه التفكير في إشباع رغبته من طرق أخرى تخل بعفته وبكرامة زوجته .
2 ـ سوء الظن :
سوء الظن ديدان تنخر في جسد الأسرة ، وفئران تقرض أسس البناء الأسري . وما أكثر الذين دفعوا بأزواجهم ، ومن خلال أساليبهم الخاطئة ، إلى الشك وسوء الظن .
إن تردد شخص غريب على البيت ، وبالرغم من كل النوايا الطيبة ، سوف يفجّر غضباً وشكّاً في قلب الزوج أو الزوجة في حالة عدم إطلاع أحدهما على حيثيات المسألة .
ومن المنطقي جداً أن لا يضع المرء نفسه في موضع الشبهات ، بل إنّ عليه أن يسعى دائماً تبديد ضباب الشك في أذهان الآخرين واكتساب ثقة من يشاركه حياته .
3 ـ الإتّهام :
إن أخطر ما يرتكبه الزوج أو الزوجة هو توجيه الإتهام لشريك حياته إذا شعر بفتور العاطفة لديه ؛ ذلك أنه سوف يضع كرامته في قفص الإتهام . وهنا يتخذ المتهم أحد هذين الموقفين : إما أن يسعى لتبرئة نفسه ويثبت لشريك حياته خطأ تصوراته ، أو أن يجنح إلى الخطيئة ، ما دامت الشكوك تحوم حوله ؛ وهو خطأ لا يغتفر في كل الأحوال .
قد تبدو مسألة الإتهام أمراً سهلاً ، ولكنه عند الله عظيم ، لأنه مسألة تتعلق بكرامة وشرف الإنسان .
وقد شدد الإسلام على هذه المسألة وحذر أولئك الذين يتساهلون في إتهام الآخرين دون تثبيت وتفحّص .
4 ـ الغيرة :
يعتبر ـ الرجال بشكل عام ـ أنفسهم مسؤولين عن شرف وكرامة أسرهم ، ولذا فإنهم يراقبون كل ما يسيء إلى طهرها ونقائها ، ويعرض رجولتهم إلى الخطر .
أما المرأة فإنها تعتبر زوجها ملكاً لها ، ولهذا فهي ترفض أن يكون لأي امرأة أخرى مكاناً في قلبه ، وإذا شاهدت ما يزعزع منزلتها في قلب زوجها فإنها تهبّ لدفع ذلك الخطر بأيّ ثمن .
إن إحساس الغيرة إحساس فطري مشروع إذا لم يتعدّ حدوده الطبيعية المعقولة . أما إذا تعدّت الغيرة الحدّ المعقول فإن آثارها السلبية ستكون مخرّبة ، وقد تجرّ إلى الطلاق الذي لا بد أن يكون ظلماً بأحد الطرفين ليس له مبرر .
في طريق العفاف :
إن العفة والتقوى أمر ضروري في ديمومة الحياة الزوجية واستمرارها ، وهي مسؤولية يتحمل أعباءها الرجل والمرأة ، وذلك برعاية الضوابط الشرعية والأخلاقية في حياتهما المشتركة .
وإذا كان هناك ما ينبغي الإشارة إليه في سبيل تعزيز هذا الجانب ، فهو كما يلي :
1 ـ المظهر اللائق :
صحيح أن الزواج لا يقوم على الظاهر والزينة وأن العلاقات الزوجية أسمى بكثير من ذلك ، وأن الحياة الجنسية ليست هدفاً بحدّ ذاته إنما هي
وسيلة إلى أهداف أخرى ؛ إلا أن الظهور بالمظهر الجميل له دوره في تعزيز العلاقات بين الزوجين .
إن مقتضيات الحب والاحترام الزوجي تفرض على المرأة والرجل الظهور أمام شريك حياته بالمظهر المحبب ، وهذه المسألة وبالرغم من بساطتها إلا أنها حساسة جداً في الحفاظ على العفّة وصيانة الزواج من أخطار الإنحراف والسقوط .
2 ـ الإشباع العاطفي :
ليس هناك ما هو أجمل من العاطفة والحب في الحياة الزوجية ، وليس هناك منظر أكثر تأثيراً من نظرات الحب والحنان والمودّة التي يتبادلها الزوجان . . الحب هو القلب النابض في المنزل ، والروح التي تغمر البيت بالنور والدفء .
الرجل ينظر إلى زوجته كنبع متفجر بالحنان والحب ؛ والمرأة ترى في زوجها الظلال الوارفة التي تقيها لهيب الحياة ، والملاذ الآمن من تقلّبات الزمن .
ومن هنا ، فإن الإخلال بهذه المعادلة سوف يربك الحياة الزوجية ويعرّضها إلى خطر الانحراف .
3 ـ إلغاء العلاقات المشبوهة :
عندما يدخل الرجل والمرأة حياتهما ودنياهما الجديدة ، فإن ضوابط وعلاقات وسلوكيات جديدة سوف يفرضها العرف والشرع ومصلحة الأسرة . ولذا فإن العلاقات التي قد تؤثر على مسيرة الزواج يجب أن تخضع إلى مقاييس تأخذ بنظر الاعتبار خطورتها على الأسرة .
فعلى الرجل ـ مثلاً ـ الامتناع عن الحديث مع امرأة أجنبية حتى إن كانت من أقاربه ، وكذلك فعلى المرأة أيضاً أن لا تتحدث مع الرجال الأجانب . ينبغي إخضاع الجوارح لمراقبة دقيقة يمنعها من تجاوز الحدود المشروعة .
4 ـ حسن المعاشرة :
من الطرق والأساليب المؤثرة في هذا المضمار هو حسن المعاشرة ، ذلك أن الزواج بشكل عام محاولة لسدّ النقص الذي يشعر به الرجل والمرأة ، كما أن الجانب العاطفي يشكل ساحة واسعة من هذا الشعور الفطري ، فالرجل يحتاج إلى حب زوجته كما أن المرأة تشعر بالحاجة إلى عطف زوجها .
ومن هنا ، فإن حسن المعاشرة يساعد على تلبية هذا النداء الفطري لدى الإنسان ويدفعه إلى التفاني في عمله وإخلاصه ؛ وبعكسه فإن الأنانية والنرجسية وتفضيل الذات ديدان تنخر في جسد الأسرة وتعرّضها إلى الموت العاطفي .
5 ـ الابتعاد عن الشبهات :
التقوى والعفاف في حياة المرأة والرجل هما ضمان السعادة في الحياة الزوجية ، ومن غير الصحيح أن يضع المرء نفسه في موضع يثير الشبهات والشكوك .
إن على الإنسان المسلم أن يصون جوارحه من الحرام ، ويبني شخصيته على أسس متينة تبعده عن ألسنة القيل والقال وسوء المقال .
ونؤكد هنا أيضاً على أن بعض ما نحمله عن الآخرين هو مجرد تصورات باطلة لا تمت إلى الحقيقة بصلة ، وصدق الله سبحانه حين يقول : ( إن بعض الظن إثم ).
ومن الخطأ أن نصادر شركاء حياتنا ، وأن نطلب منهم سلوكاً يتفق مع تصوراتنا ، فالإنسان حرّ في كل شيء ما دام تحركه وسلوكه يتمّان ضمن دائرة الشروط التي يحدّدها الدين والعرف .
6 ـ تعزيز العلاقات الجنسية :
تترك العلاقات الجنسية آثاراً مهمّة على مجمل العلاقات الزوجية ، إضافة إلى دورها في حفظ عفّة الطرفين وطهارة ثوبيهما .
ومن جهة نظر شرعية فإن للزوجين تلبية نداء الفطرة في أي وقت يشاءان ، إلاّ في بعض الظروف التي يعيّنها الشرع .
وقد ورد في الروايات أنه من رأى منكم امرأة فأعجبته فليمسّ امرأته .
وبهذا يمكن للإنسان أن يحفظ عفته وكرامته من خلال إشباع غريزته الجنسية بالطرق المشروعة .
7 ـ تعزيز الإيمان :
وأخيراً ، فإن الإيمان هو صمام الأمان في كل الأحوال ، ذلك أن الله هو الشاهد على جميع أعمالنا وهو المطّلع على كل أسرارنا وخفايانا .
الإيمان هو بوصلة الإنسان التي تهديه إلى سواء السبيل ، وعلى المرء أن يراقب نفسه ويعرف ما له وما عليه متحرّياً في كل ذلك مرضاة الله سبحانه وتعالى .
حديث مع المرأة :
وفي ختام هذا البحث أجد من اللازم أن أتوجه بالحديث إلى بعض الأخوات من اللواتي ولجن حديثاً عش الزوجية مذكّراً إيّاهن بأنّ أكثر ما يلمسنه من فتور في علاقات أزواجهن إنما يعود إلى إهمال المرأة لبعض الضروريات ، مما يؤدي إلى خلق المناخ المناسب لانحراف أزواجهن ؛ فإذا كان زوجك يقضي وقته ـ مثلاً خارج المنزل ، فإنه لم يجد ما يجتذبه إليك ، فحاولي العثور على السبب من خلال السعي المتواصل إلى إثارة انتباهه إليك .
إن سلوكك . . مواقفك . . نظرتك وابتسامتك . . إخلاصك ووفاءك . . حبك وولاءك . . و. . سوف يدفع بالرجل أخيراً إلى أن يحترمك ويحبّك ويخلص إليك ، وإلى أن يجد كل متعته في قضاء الوقت معك .
حاولي أن تلجي إلى قلبه بهدوء وأن تحتلي المكان المناسب هناك . إنه ـ على كل حال ـ ليس عدواً لك ، ولكنه يطمع في أن يرى فيك الأمّ الحنون والصديق الوفيّ والظلال الوارفة التي تقيه لهيب الحياة .
الفصل الخامس
الانسجام :
يحقق الزواج ـ إذا ما بني على أسس صحيحة أهدافاً متعددة منها : أنه تنفيذ السنّة الإلهية ، والشعور بالاستقرار أو السكن على حد تعبير القرآن ، وتحقيق حالة من التكامل البدني والروحي ، والوصول إلى نبع السعادة .
وتحقيق مثل هذه الأهداف لا يتم عن طريق الثروة أو استخدام القوة والعنف ، وإنما من خلال التفاهم والمحبة وحسن النوايا .
إن تشكيل الأسرة يعني بناء مجتمع صغير ، وبالتالي ينبغي الأخذ بنظر الاعتبار « الصالح العام » لهذا المجتمع ؛ ومن الخطأ الفادح التصور بأن الزواج هو مجرد إشباع للغريزة الجنسية .
وما أكثر أولئك الذين يمكنهم تحقيق سعادتهم ، غير أنهم يجهلون الوسائل اللازمة لذلك ، وما أكثر الذين يعيشون حالة من السعادة ولكنهم في غفلة عنها .
إن الزواج لا يعني إلغاء الفوارق والاختلافات في المشارب بين الرجل والمرأة ، بل يتطلب منهما السعي لخلق أرضية مشتركة بينهما يمكنهما من خلالها بناء أسرة سعيدة وعش هادئ يغمر أطفالهما بالدفء والحنان .
خطوات نحو الانسجام :
انسجام الفكر والرؤية المشتركة للحياة هما الأرضية الصلبة التي يمكن أن ينهض فوقها البناء العائلي ، وهما المناخ الصحي الذي يمكن للأسرة أن تتنفس فيه وتعيش . وهذه المسألة لا تولد أو تنشأ اعتباطاً بل إن هناك
خطوات لازمة ينبغي إتباعها لتحقيق حالة الانسجام بين الزوجين يمكن الإشارة إلى بعضها :
1 ـ السعي لاكتشاف الآخر :
لا شك أن اختلاف البيئة والظروف التي نشأ فيها الزوجان له أثره الكبير في خلق أذواق مختلفة وسلوك ومواقف متفاوتة ، ولذا فإن على الزوجين تفهم هذه الحالة والسعي إلى معرفة وإدراك الطرف الآخر الذي يشاركه حياته ومن ثم التقدم خطوة إلى الأمام من خلال تقديم التنازلات للوصول إلى حالة من التفاهم المشترك .
2 ـ العاطفة :
الرجل والمرأة شريكا حياة ورفيقا سفر طويل ، يتقاسمان السرّاء والضراء ، يحزنان معاً ويفرحان معاً ، ويتطلعان إلى أفق واحد ، ومن خلال هذا التعايش يولد الحب وتتفجر ينابيع العاطفة . وكما ذكرنا آنفا أن كل شيء لا ينشأ عبثاً ، بل ينبغي السعي إلى تثبيت وتعزيز أواصر المحبة . الرجل يحتاج حب المرأة ، والمرأة تحتاج إلى عطف الرجل وحنانه .
ولقد أثبتت التجارب أن الأسر السعيدة تلك التي يسودها الحب والحنان والعطف ؛ ذلك أن العاطفة نهر متدفق بالحياة يغسل كل الهموم ويجرف في طريقه جميع الشوائب .
3 ـ الاحترام المتبادل :
الحياة الزوجية حياة طبيعية بعيدة عن حالة المراسم والتقاليد . إنها حياة صميمية يتصرف فيها الزوجان على البداهة . ومع كل هذا فإن الاحترام مطلوب من الزوجين تجاه بعضهما البعض ؛ ذلك أنه يحفظ كرامة الزوجين ويرفع من شأنهما .
وفي هذا المضمار على الزوجين البحث عن النقاط الإيجابية في بعضهما ، لتكون ركيزة للإحترام المتبادل بينهما .
4 ـ قيمة العمل :
من وجهة نظر إسلامية يعتبر العمل محترماً مهما كان نوعه ، فالعمل شرف الإنسان ، بل إنه يرتفع إلى مستوى الجهاد إذا حاز مرضاة الله سبحانه .
والمهم في العمل ليس نوعه ومستواه بل أداؤه كواجب إنساني وإلهي . المرأة في بيتها تدير شؤونه في سبيل مرضاة الله ، والرجل يكون خارج المنزل من اجل توفير عيش كريم لأسرته ، هو الآخر ، في سبيل مرضاة الله .
المرأة تحوّل ـ من خلال عملها الدؤوب ـ المنزل إلى جنّة وارفة الظلال يجد فيها الرجل مكاناً لاستراحته من عناء يوم حافل بالعمل من أجل توفير لقمة العيش له ولزوجته وأبنائه ؛ ومن هنا نجد تكاملاً في العمل يدفع الطرفين إلى احترام بعضهما البعض وتقدير كل منهما لجهود الآخر .
5 ـ السعي لاسترضاء الآخر :
في الحياة الأسرية ، بل وفي الحياة الاجتماعية بشكل أوسع وأعم ، إذا ما سعى المرء إلى ترجيح الآخرين وتقديمهم على نفسه ، لما واجهته أية مشكلة في الطريق . لذا نوصي الزوجين أن يحاول كل منهما استرضاء الآخر في تقديمه على نفسه وإيثاره على ذاته . وهناك العديد من الأحاديث والروايات التي تؤكد خاصة على المرأة ـ في إرضاء زوجها ، من أجل توثيق عرى المحبة بينهما ؛ ذلك أن الرجل عندما يرى امرأته تتفانى في إرضائه ، فإنه لا بد وأن يفعل ما يدخل السرور والرضا في قلبها كمحاولة في عرفان الجميل في أقل الاحتمالات .
6 ـ السعي لحل المشاكل المشتركة :
الزواج يعني نوعاً من الشراكة . . الشراكة في كل شيء . . شراكة تقوم على الاشتراك في الأهداف . . الاشتراك في المواقف ، والتعاون والتضامن في حل المشاكل التي تعترض أحدهما باعتبارها همّاً مشتركاً يستلزم موقفاً مشتركاً وموحداً يحاول الرجل أن يجهد نفسه في العمل من أجل توفير الغذاء
والكساء لزوجته ، وتحاول الزوجة ـ ومن خلال التدبير والتوفير ـ تسيير شؤون منزلها وفق ما هو موجود من ميزانية ، وبذلك تكون قد تضامنت مع زوجها في حال المشكلة .
7 ـ من علامات الانسجام والحب بين الزوجين ورغبتهم الأكيدة في استمرار حياتهما المشتركة ، هو قناعتهما المتبادلة بما وفرته لهما الحياة من وسائل العيش :
إن استمرار حالة الدلال في أيام الطفولة إلى مرحلة ما بعد الزواج هو من أخطر العوامل التي يمكن أن تفجر حالة النزاع بين الزوجين ، إضافة إلى تناقضهما مع حالة النضج التي تستلزم نظرة واقعية إلى الحياة . وأن تلك الأشياء التافهة لا يمكنها أن تصنع السعادة . . فالسعادة ينبوع يتفجر في أعماق القلب والروح ، لا في تلك المظاهر الفارغة التي ترهق الزوجين وتزيد في اتساع الهوة بينهما .
8 ـ التسامح :
من غير المنطقي أن نتوقع سلوكاً مثالياً من أزواجنا ؛ ذلك أن الإنسان بطبعه يخطئ ويصيب ، وقد ينسى فيكرر خطأه وقد يرتكب الخطأ عن جهل ويكرره دون أن يدرك ذلك . وإذا أردنا أن نعاقب أو نحاسب أو ننتقم من كل خطأ يصدر فإننا سوف نأتي على البناء من القواعد فيّنهد السقف .
إن الوقوع في الخطأ أمر طبيعي يستلزم التسديد والتوجيه والهداية لا القمع والتقريع ، خاصّة إذا لم يتخذ الأمر شكلاً مخالفاً لتعاليم الدين .
إن المرء لا يعدم الأساليب المناسبة في تصحيح الأخطاء والانحرافات ، وأفضل الطرق في هذا المضمار هو النصح الهادئ وإشعار الطرف المقابل بأن ذلك يصبّ في مصلحته ومصلحة الأسرة بشكل عام .
إن أسلوب العنف والإهانة يولّد آثاراً معاكسة لما هو مطلوب ، وقد يدفع بالطرف المقابل إلى العناد والإصرار مما يترك نتائج سلبية على تربية الطفل .
9 ـ الصراحة :
إن الصراحة والصدق والشجاعة هي مفاتيح السعادة في الحياة الزوجية التي لا يمكن تجنب الأخطاء خلالها . فإذا صدر عنك خطأ ما ، فما عليك إلاّ المبادرة إلى الاعتذار ، والاعتراف بشجاعة ، والوعد بعدم تكرار ذلك في المستقبل ؛ وهذا الموقف لا يعني حطّاً من منزلتك بل إنه يدفع بالطرف المقابل إلى احترامك وحبّك .
10 ـ إخفاء العيوب :
يصور القرآن الكريم العلاقات الزوجية يبين الرجل والمرأة تصويراً جميلاً عندما يعبر عن ذلك بقوله تعالى : ( هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهنّ ) .
الزواج اتحاد بين الرجل والمرأة . . اتحاد روحي يذوب خلاله ضمير الأنا في كيان الأسرة ، فتصبح جميع الأشياء مشتركة : الهموم ، الأماني ، الأحلام ، حتى العيوب هي الأخرى تصبح أسراراً مشتركة ، يعملان على إصلاحها وتصحيحها في سعي حثيث نحو التكامل .
11 ـ التضامن :
من أجمل صور الحياة الزوجية ذلك التضامن الذي نراه بين الرجل والمرأة في مواجهة الشدائد بروح عالية من الصبر والمقاومة .
عندما تقف المرأة إلى جوار زوجها فإنه يشعر بالقوة والثقة تملأن نفسه ، وعندما ترى المرأة زوجها بقربها فإنها تشعر بالأمن والطمأنينة تغمران روحها . وهذا الجانب في الواقع يمثل جوهر الزواج والتكامل الروحي .
12 ـ الإنصاف :
وأخيراً ، فإن إنصاف الطرف المقابل ، حتى في أحلك الظروف عصبية ، يساعد على إرساء قاعدة صلبة للانسجام ، فقد يتملك أحد الزوجين القدرة على إلحاق اكبر الأضرار بصاحبه ، إلا أن الإنصاف يمنعه عن ذلك ؛ وهذا ما يعزز روح التفاهم بينهما .
وقد يتوقع أحد الزوجين بأن له الحق في مسألة معيّنة ، ولكنه وبعد أن يتمعن جيداً لا يرى له مثل ذلك الحق ، وعندها يتراجع بدافع الإنصاف ، فما يقضي على روح النزاع والخلاف ، ويسود جو من التفاهم والانسجام .
القسم السادس
الطريق نحو ديمومة الحياة الزوجية :
في هذا القسم مجموعة من البحوث حول السبل الكفيلة بديمومة الحياة الزوجية واستمرارها ، منها ما يتعلق بالأمن العائلي وشعور الزوجين بحالة السكن ، حسب تعبير القرآن الكريم ، ومنها ما يتعلق بالواجبات والحقوق المتبادلة ، والتي من شأنها تعزيز العلاقات الزوجية . وأخيراً ، ما يتعلق بالإنجاب ودور الأطفال في إشاعة روح جديدة في كيان الأسرة وإرساء أواصرها المتينة .
الفصل الأول
الأمن العائلي :
إن أحد أهم الأسباب التي تدفع بالرجل والمرأة إلى الزواج وتحمل مسؤولياته الجسيمة هو السعي لتحقيق حالة من الاستقرار الروحي .
يقترن الفتى والفتاة ، وتبدأ حياتهما الجديدة وفي قلبيهما عزم على بناء مستقبلهما على أسس متينة يوفر لهما شعوراً بالطمأنينة والسلام .
يلوذ الرجل بزوجته إذا ما داهمته الخطوب فيشعر بالثقة تعمر قلبه ، وتلجأ المرأة إلى زوجها لدى شعورها بالخطر فتحس بالسكينة تملأ قلبها ، فالزواج بعني التضامن ، الحب ، التكافل ، الإتحاد وأخيراً يعني الملاذ الأمن الذي يوفّر للزوجين شعوراً بالأمن .
الأب والأم :
يشعر المرء بحاجته إلى من يقف إلى جواره وهو يشقّ طريقه في الحياة . إنه لا يستطيع أن يتحمل كل أعبائها بمفرده ، ولذا فإنه يطمح إلى شريك يخفف من الأعباء التي ينوء بحملها .
وتطمح المرأة أن ترى في زوجها ذلك الأب الرحيم الذي يضمها بعطفه ويغمرها بحبه ، كما أن الرجل يطمح أن يرى في زوجته تلك الأم الرؤوف التي تمسح على رأسه وتغمره بحنانها الفياض .
ومن أجل تحقيق هذه الصورة الجميلة من الحياة الزوجية فإن على الزوجين السعي المتواصل والعزم الأكيد في الابتعاد عن روح الأنانية ، والعمل بإخلاص وتفان على تثبيت عرى التضامن والحب والإيثار والوفاء بينهما .
قيادة الرجل :
الأسرة ككيان صغير يحتاج إلى قيادة وترشيد ، وهي مسؤولية يتحملها الرجل ، مع التأكيد على أنها ليست امتيازاً للرجل بقدر ما هي مسؤولية جسيمة تتطلب البذل والعطاء ، والتشاور .
الرجل هو عماد الأسرة والخيمة التي يجد فيها أعضاء الأسرة ما يصبون إليه من الراحة والأمل .
وإذا كان المرء يحتاج إلى نموذج يقتدي به في حياته ، فإن الرجل هو خير مثال للمرأة تتعلم منه الكثير الكثير في حياتها ؛ ذلك أن المرأة لا تنتظر من زوجها أن يلبّي حاجتها الجنسية فحسب ، بل تنتظر منه ما هو أكثر من ذلك وأسمى . إنها تنتظر منه أن يكون إنساناً ناضجاً يشعر بالمسؤولية وملاذاً آمنا تحس في داخله بالطمأنينة والأمن .
المراة مسكن :
قال تعالى : ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ) .
يحقق الزواج ضمن ما يحققه من أهداف كبيرة شعوراً بالألفة ويقضي على أحاسيس الوحدة والغربة التي تموج في أعماق الإنسان قبل إقدامه على الزواج .
يشعر الرجل بعواصف الحياة تلفح وجهه ويحس بضغوطها عليه ، فإذا دخل منزله ملأت مشاعر الراحة قلبه وهو يرى زوجته تستقبله بابتسامة مشرقة تغسل قلبه من الهموم وتملأ روحه بالثقة والاعتداد بالنفس .
لقد كان الإمام علي ( عليه السَّلام ) وبالرغم مما عرف عنه بتحمله للخطوب والمحن ، يسرع إلى منزله إذا ما داهمته المصائب فيشعر بالطمأنينة تغمر قلبه وروحه ، ولم يكن ذلك سوى وجوده قرب فاطمة ( عليها السلام ) .
المرأة خير معين للرجل تقوي قلبه وتملأ روحه ثقة في أحلك الظروف وأشدّها قسوة ؛ ذلك أن المرأة مخزون هائل من العاطفة والحب الذي يمكنه أن يسع العالم بأسره .
إظهار المودة :
لا شك بأن المودة والحب يولدان مع الزواج ، فهناك اندماج وتفاعل ينشأ لدى الزوجين ويترعرع بمرور الأيام ؛ غير أن الإسلام يطلب من الرجل والمرأة إظهار حبهما المتبادل لتأكيده أوّلاً ولتجذيره ثانياً . فقد يرتكب الرجل أو المرأة خطأ ما فيفسر على غير حقيقته ، وعندها يولد الشك ؛ ولذا ومن أجل محو تلك الشكوك فإن إعلان الحب وإظهار المودة يعتبر عاملاً مهماً لتبديد ضباب الظنون .
كما أن الحياة المشتركة تتطلب تفاهماً مستمراً من أجل تكامل الزوجين وبناء حياتهما المشتركة على أسس متينة وقوية .
تعزيز المعنويات :
الحياة بحر متلاطم الأمواج ، زاخرة بألوان المحن التي تزلزل القلوب ، ولذا فإن على الزوجين الوقوف معاً في مواجهة ما يعترضهما من أمواج .
الرجل يناضل ويكافح من أجل لقمة العيش ويتحمل في سبيل ذلك ألواناً من المتاعب والضغوط التي قد تزلزل إيمانه بالحياة ؛ وهنا يبرز دور المرأة في بحث روح الثقة بنفسه وتشجيعه على مقاومة ما يعترضه من مشكلات .
إن المرأة ومن خلال وقوفها إلى جانب زوجها في معترك الحياة سوف تصنع بطلاً قادراً على تحدّي كل ألوان المحن .
التعاون :
من المسائل المهمة في توفير الأمن العائلي هو التعاون بين الرجل والمرأة ، إذ ليس من اللياقة أبداً أن تقف المرأة مكتوفة اليدين وهي ترى زوجها يكافح ويكدح ويتصبب عرقا وينزف جهداً في سبيل توفير لقمة العيش الكريم .
وليس من المنطق مطلقاً أن يجلس الرجل في زاوية من البيت دون
اكتراث بزوجته التي تدور في البيت هنا وهناك . . تغسل الثياب وتطهو الطعام وترتب أثاث البيت .
إن التعاون بين الزوجين يشيع أجواء المحبة والدفء في فضاء الأسرة ويزيدها مهابة وجلالاً .
عدم التنكيل :
التنكيل معول هدام يضعف أساس البناء العائلي ويبث روح الفتور في العلاقات الزوجية .
قد تخطىء المرأة ، فلا ينبغي للرجل أن ينكل بها لأن ذلك يجرح كرامتها ، وقد يخطىء الرجل فلا يجوز للمرأة أن تلوم زوجها لأن ذلك يضعف من ثقته بنفسه .
النشاط البشري حافل بالأخطاء . والقاعدة أن من لا يخطىء لا يمكن أن يصيب ، فالخطأ مدرسة تعلم الإنسان أن يسلك الطريق الصائب .
إشاعة الدفء :
يتحمل الزوجان مسؤولية بث الدفء في أجواء الأسرة ، غير أن المرأة بما وهبها الله من العاطفة تتحمل القسط الأكبر في ذلك . فالمرأة مخزن للعواطف الإنسانية وينبوع الحب الصافي .
إنها بروحها الوثّابة ودقتها يمكنها أن تشيع النشاط والحيوية في البيت ، وبابتسامها الحنون تتبدد السحب ويتلاشى الضباب فتشرق شمس الحب وتغمر المنزل بالدفء والنور .
المرأة سيد البيت والمسؤول الأول في إدارة مملكتها الصغيرة . إنها ومن خلال مهارتها وفنّها يمكنها أن تجعل جميع الأشياء فيه تنبض بالحياة .
ينبغي على المرأة أن تحول بيتها إلى واحدة صغيرة وارفة الظلال ، فإذا عاد زوجها بعد عناء يوم حافل بالنشاط والجهد وجد جميع الأشياء وكأنها
تستقبله ، فيشعر بالراحة تغسل كل تعبه وهمومه . وقد جاء في الأحاديث الشريفة : « جهاد المرأة حسن التبعّل » .
قدر من الراحة :
عندما يعود الرجل إلى البيت يكون همّه الأول أن يلتقط أنفاسه في مكان مريح ، ولذا فإن على المرأة أن تدرك هذه المسألة فتهيئ لشريك حياتها ما يناسب ذلك ، لكي ينعم زوجها بقسط وافر من الراحة والهدوء .
كما أن على الرجل أن يدرك أن زوجته لم تكن تقضي وقتها في استراحة طويلة . إنها هي الأخرى تعمل وتدور في المنزل من أجل إنجاز أعماله ومستلزماته العديدة ، ولذا فعليه إذا ما استمتع باستراحته أن يبادر إلى مساعدة زوجته في شؤونها المنزلية ، ذلك أن هذا الإحساس سوف يصب في مصلحة الأسرة ويشيع فيها جوّاً من التفاهم والانسجام .
الحياة الزوجية تعاون وتضامن « وخيركم خيركم لأهله » كما ورد في الحديث الشريف . ولا ينبغي أن ننسى هنا الجانب العبادي في هذه المسائل ، فالله سبحانه يثيب المحسن ويعاقب المسيء .
الثناء :
من العوامل المشجعة والتي تساعد على إشاعة الانسجام في الأسرة ، الثناء والمديح في وقته وظرفه المناسب . إنه دفقة من الحياة يضخها الرجل في روح امرأته عندما يثني على عمل ما قامت به ، كما أنه وسام شريف تمنحه المرأة لزوجها عندما تمتدح موقفه من مسألة ما .
الإنسان يحتاج إلى ثناء الآخرين لكي يتقدم في عمله ويبدع ، فالتشجيع له دوره البنّاء في التكامل والتقدم نحو الأمام .
إن على الزوجين ، ومن أجل إشاعة الانسجام في الأسرة ، البحث عن النقاط الإيجابية في كل منهما وتنميتها ، والغض عن العيوب ـ قدر الإمكان ـ ومعالجتها بطريقة هادئة بعيداً عن أسلوب التنكيل والتقريع والإهانة .
إن امتداح الرجل لزوجته سوف يجعل له مكاناً أثيراً في قلبها ، كما أن ثناء المرأة على زوجها سوف يوفر لها منزلة سامية في قلبه .
التحمل :
واخيراً فإن التحمل والصبر من العوامل المهمة في توفير الأمن الأسري .
إن على الرجل أن يتحمل سلوك زوجته ولا يثور في وجهها لدى كل هفوة تصدر عنها ، كما أن المرأة عليها أن تصبر ، فلا تتصرف بردود فعل متشنجة إزاء موقف مغيظ يصدر عن زوجها .
إن من علامات العقل ، ضبط النفس وعدم الانقياد وراء الأهواء النفسية ، ينبغي على المرء أن يبدي أكبر قدر من الحكمة في سلوكه ومواقفه .
الزوجان شريكا حياة وليسا غريمين ينتظران تسوية الحساب بينهما في كل لحظة ، بل أحدهما يكمل الآخر ، وكلاهما يتعاونان على تحمل أعباء الحياة . وأول خطوة في هذا الطريق هو أن يتحمل أحدهما الآخر منتظراً الفرصة المناسبة لتقويم إعوجاجه وتصحيح إنحرافه .
الفصل الثاني
الحقوق الزوجيّة :
الزواج عقد يوقعه الرجل والمرأة من أجل حياة مشتركة تحت سقف واحد ، عقد يتضمّن مجموعة من البنود والضوابط التي تنظم علاقاتهما المتشابكة ، من أجل إرساء دعائم بناء متين يحفظ حقوقهما ويحدد واجباتهما .
أن مسألة الزواج كعقد مشترك أمر تجمع عليه كل القوانين في جميع الدول والمجتمعات . وأصولاً ، فإن شقاء وسعادة الأسرة التي تعتبر حجر الأساس في بناء المجتمع أمر يتوقف على سعي الرجل والمرأة في خلق أجواء صحية ومناخ مناسب . وتوفير الظروف المناسبة لنمو شجرة السعادة وامتداد جذورها بعيداً في أرض معطاء .
وما أكثر أولئك الذين أخطأوا طريق السعادة بسبب جهلهم وعدم رعايتهم للحقوق والواجبات الزوجية ، فقضوا أعمارهم في نزاع وخلاف وشجار لا نهاية له وثمرة من ورائه سوى المرارة والألم والعذاب .
مسألة الحقوق :
إن جميع الأديان السماوية والمذاهب الوضعية تؤكد على أهمية الحقوق والواجبات الاجتماعية وضرورة رعايتها من قبل الطرفين من أجل إرساء دعائم الحياة المشتركة بينهما في جو مفعم بالسلام .
إن بحث مسألة حقوق فرد ما يعني بحث مسألة واجبات الفرد المقابل ، فعندما نطرح ـ مثلاً مسألة حقوق الطفل على الوالدين فهذا يعني أننا نبحث مسألة واجبات الوالدين تجاه الطفل . وإذن فهناك معادلة بين الحق
والواجب . فلكل فرد حق معين . وعلى كل فرد واجب محدد وأي إخلال بهذه المعادلة يعني بروز قضية العقاب والجزاء لإقرار المعادلة بشكل متوازن .
الأسرة والحقوق :
تحتل مسألة الحقوق في الإسلام مساحة واسعة وتحظى بأهمية فائقة ، وقد سئل الإمام الرضا ( عليه السَّلام ) عن حق المؤمن على المؤمن ، فقال : إن من حق المؤمن على المؤمن المودة في صدره والمواساة في ماله . . . ولا يقول له : أفّ ، فإذا قال له أف فليس بينهما ولاية ، وإذا قال له أنت عدوّي فقد كفّر أحدهما صاحبه ، وإذا اتّهمه إنماث الإيمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء [4] .
وإذا كان لمسألة الحقوق كل هذه الأهمية فإن أهميتها الكبرى تتجلّى في الحياة الزوجية ، حيث يتعين على إنسانين العيش معاً تحت سقف واحد والسير سوية في طريق واحد . ولذا يتعين على الرجل والمرأة الإحاطة بشكل عام بالواجبات والحقوق المتبادلة بينهما من أجل إرساء حياة هادئة مفعمة بالحب والسلام .
احترام الحقوق :
تقوم الحياة الزوجية على أساس احترام الحقوق . وبالرغم من الدور الفاعل للحب والمودّة في تعزيز العلاقات الزوجية ، إلاّ أن مسألة احترام الحقوق تحظى بأهمية فائقة في مضمار العلاقات بين الزوجين .
فقد يواجه الزوجان ـ مثلاً ـ تنوعاً واختلافاً واسعاً في الأذواق والمشارب والأهواء . ومن أجل تلافي الاصطدام بينهما فإن تحكيم الحق والواجب هنا هو الأساس في الفصل وحل المشكلة قبل أن تتطور إلى نزاع أو شجار .
ولهذا شرع الإسلام لكل فرد من أفراد الأسرة حقوقاً معينة ينبغي احترامها وعدم تجاوزها . وهنا ينبغي الإشارة إلى أن عدم رعاية الزوجين لحقوق كل منهما يعني مخالفة صريحة للتعاليم الإلهية ، وهو أمر يعرّض الإنسان للحساب والعقاب .
أن احترام ورعاية الحقوق الزوجية هو واجب شرعي يتوجب الالتزام به ، إضافة إلى آثاره الإيجابية في إشاعة الدفء والحب في أجواء الأسرة . أن ما يدعو إلى الأسف حقاً أن يتجاهل الرجل والمرأة تلك الحقوق الإلهية وإهمال واجباتهما تجاه بعضهما البعض .
إن مسألة زعامة الأسرة ليست امتيازاً في نظر الإسلام بقدر ما هي مسؤولية تعني إدارة الأسرة وقيادتها في الطريق الصائب حيث يتبلور دور العقل والكياسة والتجربة في شؤون الحياة ، إضافة إلى عناصر التضحية والإيثار والصبر .
كما أن توزيع الواجبات في الأسرة مسألة يشير إليها الإسلام ويؤكد عليها ، بعد أن يأخذ بنظر الاعتبار قابليات كل من الزوجين واستعداداتهما الفطرية . وهنا نرى رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) يسند شؤون المنزل وإدارته إلى فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) بينما يوكل الأعمال خارج المنزل إلى زوجها علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) .
إن الإحساس المتقابل بمسؤولية الزوجين تجاه بعضهما البعض له أثره الكبير في رسم صورة واقعية للحياة تساعدهما على السير بثبات واستقامة نحو الهدف المنشود .
مسؤولية الرجل :
يتحمل الرجل في الإسلام مسؤولية إدارة الأسرة وتوفير ما تحتاج من غذاء وكساء ، كما أنه في الخط الأول في مواجهة الأخطار التي تهدد كيانها ومصيرها .
وإضافة إلى ذلك يتحمل الرجل مسؤولية بناء الأسرة على أسس صحيحة ليكون البناء سليماً . وعلى الرجل أن يكون بعيداً في تفكيره وأن لا
يحصر همّه في الحصول على متعه الشخصية وأن لا يجعل همّه الأول في الحياة الدنيا ولذائذها لأن ذلك يقود في النهاية إلى انحطاط الأسرة وتفككها .
مسؤولية المرأة :
تتحمل المرأة مسؤولية كبرى في الحياة الأسرية ، بل أنها تشكل محور الأسرة ، فعليها تقع مسؤولية إدارة المنزل وتربية الجيل تربية صحيحة .
ومع كل هذه الأهمية في دور المرأة فإننا نؤكد على خطأ زعامة المرأة للأسرة . أنها بمثابة القلب النابض الذي يمد الأسرة بالحياة والنشاط والأمل ، في حين يمثل الرجل دور العقل المدبّر في قيادة الأسرة . ولهذا فإن كلا الدورين يكمل أحدهما الآخر في تناغم وانسجام .
حقوق الأبناء :
لا تنحصر مسؤولية الزوجين تجاه بعضهما البعض فقط بل أنها تشمل دائرة أوسع من ذلك بكثير . ذلك أنهما مسؤولان عن أبنائهما ، فالطفولة لها حق كبير ، وتربيتهما تربية صالحة هي مسؤولية كبرى تقع على عاتق الوالدين .
الأطفال في حاجة إلى محيط أسري هادئ يشعرهم بالطمأنينة والأمن ، أما النزاع والاختلافات فهي بمثابة عاصفة عاتية تدمر مشاعر الطفل وتقذف في قلبه الخوف والقلق .
وإذا كانت هناك هموم تعكّر صفو الحياة فينبغي على الوالدين معالجتها بعيداً عن الأطفال ، فالإبتسامة والحنان والمحبة والرعاية هي حق الطفولة ، وهي من واجبات الوالدين .
اجتناب الأنانية :
الحياة الأسرية تقوم على الأخلاق الرفيعة والصفات الإنسانية السامية . إنها تتناقض مع الأنا والأنانية ولا تنسجم مع النرجسية .
وإذا تذكّرنا أن لدينا حقوقاً فيجب أن لا نتناسى حقوق الآخرين ، فإذا كان لنا حق في الحياة الأسرية الهادئة ، فإن لأزواجنا نفس هذا الحق المفترض .
إنها نظرة ضيقة للحياة عندما لا نرى سوى أنفسنا ومصالحنا فقط . إن أكثر الخلافات التي تحتدم في فضاء الأسرة . إنما تنشأ من الأنانية وعدم أخذ الطرف الآخر بنظر الاعتبار .
يجب أن نعتمد على أنفسنا ، هذا صحيح ، لكنه لا يعني مصادرة آراء الآخرين . وهناك مع الأسف أفراد لا يرون سوى مصالحهم الشخصية فقط ، بل لا يرون سوى أنفسهم حتى أنهم لا يتحدّثون مع أحد انطلاقاً من إعجابهم الشديد بأنفسهم ، ومثل هؤلاء الأفراد يعيشون عزلة مريرة .
مراعاة الأدب :
يصبح للحياة العائلية طعمها الحلو إذا ما روعي فيها الأدب ، على أن يبقى ذلك ضمن الحد المعقول بعيداً عن الرسميات الفارغة ؛ فالاحترام المتبادل مطلوب بين الزوجين اللذين يمثل أحدهما في نظر الآخر أبا وأما لأبنائه ، فمن حق كل منهما أن يكون له رأيه في شؤون الأسرة وهمومها .
والإسلام هنا يوصي الزوجين بالاحترام ورعاية الأدب في علاقاتهما المشتركة وينهى عن الجرأة في علاقاتهما الجنسية ، إذ لا بد أن يكون هناك قدر من الحياء يحفظ لهما كرامتهما الإنسانية .
وأخيراً :
ونؤكد في ختام هذا الفصل على أن الزواج يأخذ في حسابه المصلحة العليا للأسرة ، فليس هناك مصالح شخصية أو زعامة دكتاتورية أو محاولة للسيطرة على الآخرين ، فكل هذا يعتبر خطراً على الأسرة وكيانها .
ولا ينبغي هنا تقليد الآخرين فيما يعملون ، فلكل ظروفه وأساليبه في الحياة . وهنا ينبغي التحرك ضمن معطيات الظروف . . . ينبغي أن نعرف حدودنا فلا نتجاوز على حقوق الآخرين ممن يشاركوننا حياتنا ؛ فقد ينجح فلان من الناس في حياته الأسرية باعتماده أسلوباً ما ، ولكن هذا الأسلوب قد يدمّر حياتنا العائلية ، فلكل طريقة في الحياة .
الفصل الثالث
الإخلاص :
يشعر البعض بالطمأنينة عندما يرى أسرته تعيش حالة من الهدوء ، فيحس بأن الخطر بات بعيداً عنه ، في حين أنه يهدد السلام في العائلة بين لحظة وأخرى ؛ ذلك أن اختلاف الأذواق والأمزجة في الواقع قنابل موقوتة قد تنفجر في أية لحظة ، وتهدد الأسرة بالتفكك .
ومن الضروري جداً أن يراقب الزوجان دائماً مدى إخلاصهما لبعضهما ، ويسعيا من أجل تثبيت وتجديد دعائم هذا الإخلاص من أجل ضمان استمرار حياتهما المشتركة في أجواء من الصفاء والمحبة .
ضرورة الإخلاص :
الإخلاص ضرورة حياتية في المجتمعات الإنسانية ، وله أهميته الفائقة في الحياة الزوجية من خلال تعزيز العلاقات المشتركة بينهما بما يخدم مصلحة الطرفين وسعادتهما معاً .
الحياة السعيدة هي عندما يحرص الزوجان دائماً على استمرارها وحمايتها من الأخطار التي تهددها . وعندما يشعر الزوجان أن كلا منهما هو ملاذ الآخر وصديقه المخلص الذي يقف إلى جواره عند الشدائد .
ولقد أثبتت التجارب والبحوث أن البعض يتحمل بمفرده أعباء الحياة ، عن علم أو جهل ، نتيجة غياب الإخلاص والصفاء بين الزوجين واختلافهما في الفكر والسلوك .
عدم مصادرة الآخر :
ينظر بعض الرجال إلى أزواجهم على أنهم عبيد أو خدم لا وزن لهم أو حساب ، مما يؤدي إلى تأزّم الأوضاع وبروز حالة النزاع .
ولذا ، فإن من الضروري جداً أن يتحلى الزوجان بسلوك طيب تجاه بعضهما البعض آخذين بنظر الاعتبار عواطفهم وأفكارهم وأساليبهم في الحياة . وهذا الجانب يخصّ الرجل في أغلب الأحيان ، إذ عليه أن يحترم زوجته ولا يتعمد جرح كرامتها ، ذلك أن المرأة الجريحة تحس بالهوان ولا يمكنها أن تربي أطفالا صالحين ، مما يعرّض الجيل إلى أخطار عديدة .
الحذر عند التحدث :
من غير المنطقي أبداً أن يتحدث الزوجان بأسلوب رسمي أو بلهجة الرئيس والمرؤوس ، ولكن المطلوب على الأقل أن يكون هناك قدر من الحذر عند الحديث ، ذلك أنّ زلة اللسان قد تكون لها عواقب وخيمة .
هناك ـ مع الأسف ـ بعض الأفراد الذين يمتلكون علاقات وطيدة مع أصدقائهم وزملائهم بسبب معشرهم الطيب وأحاديثهم الحلوة ، وفي نفس الوقت فإن علاقاتهم مع أزواجهم متردية بسبب أسلوبهم الفظ وحديثهم الخشن .
أما محاولة فرض السيطرة على الطرف الآخر ـ قولاً وعملاً ـ هو أسلوب فاشل في إدارة الأسرة ، لأنه يستهدف أساس العلاقات الزوجية التي ينبغي بناؤها على الإحترام المتبادل والمحبة والصفاء .
وبشكل عام يوصي الإسلام ويؤكد على ضرورة معاشرة الناس بالتي هي أحسن . قال تعالى : ( ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك ) .
العاطفة :
أن يكون هناك حب يربط الزوجين ، أمرُ لا يحتاج إلى توضيح ، ولكن
المهم هنا هو تجسيد هذا الحب وإبراز تلك العاطفة من خلال القول والعمل . فقد يكون لتقديمك قدح الماء لشريك حياتك أثر كبير في زرع المودة والحب في قلبه . كما أن ثناءك على عمله وبعض النقاط الإيجابية فيه له دور فاعل في بث الثقة في نفسه مما يعزز من روح الأمل في حياته ، وبالتالي في انعكاس ذلك على حياته وعلاقاته الزوجية .
الترحيب بالأقارب :
قد ينفجر النزاع بين الزوجين بسبب زيارة أقارب أحدهما وعدم الترحيب بهم من جانب الطرف الآخر مما يزرع الحقد في نفسه منتظراً الفرصة المناسبة للإنتقام والمقابلة بالمثل .
ربما كان من عادتك الهدوء والابتعاد عن الاختلاط مع الناس ، أو أنك لا ترتاح إلى زيارة فلان ، أو لقاء فلان من الناس ، أو أنك لا تحب أن ترى ضيوفاً في منزلك . . كل هذا صحيح قبل زواجك وقبل ارتباطك مع شخص آخر قد لا يشاطرك هذه الرؤية . وعليه فإنه يتوجب عليك أن تحترم آراءه ومشاعره من خلال استقبالك لأقربائه ومعارفه ، وهذا هو معنى الحياة المشتركة ، إذ مضى ذلك الوقت الذي يمكنك التعبير فيه عن آرائك بحرية مطلقة ، فهناك من يشاركك الحياة ومن له آراء أخرى ينبغي احترامها من خلال مواقف مشتركة قد لا تنسجم مع مواقفك وطريقة تفكيرك .
الهدية :
من العوامل المؤثرة في تعزيز وتمتين العلاقات الزوجية هو انتهاز بعض الفرص المناسبة لتقديم هدية إلى شريك حياتك تعبيراً عن حبك واهتمامك به .
إن تقديمك هدية لزوجك سوف يعزز من منزلتك لديه ويزيد من حبه لك وتقديره لعواطفك ومشاعرك ، وبالتالي تعزيز العلاقات الزوجية .
وقيمة الهدية ـ بالطبع ـ لا تكمن في ذاتها بل قيمتها الحقيقية في اعتباراتها المعنوية والأخلاقية كتعبير عن الحب والودّ والإخلاص .
وقد تتجسد الهدية في بعض الأحيان في كلمة شكر وتقدير تهمس بها في أذن زوجتك تثميناً لها على جهودها المبذولة ليل نهار في سبيل تحويل البيت إلى جنينة وارفة الظلال ينعم بها الصغار في بحبوحة من العيش الكريم .
الإخلاص :
إن على الزوجين أن يكونا روحاً واحدة في جسدين . . يبكيان معاً ويبتسمان معاً ، ويتقاسمان هموم الحياة وأفراحها .
وإن على الزوج أن يكون إخلاصه لزوجه أسمى بكثير من مظاهر الحياة الفارغة ، كالمال والثراء والجمال ؛ ذلك أن الحب الحقيقي لا يعرف هذا المنطق .
ليس من الإنصاف أبداً أن يحب الرجل زوجته لجمالها مثلاً ، فإذا حدث وتشوه ذلك الجمال لفظها وأخرجها من دائرة حياته ، وليس من العدل أن تحب المرأة زوجها لثرائه فإن ضربه القدر وتحول إلى إنسان فقير هجرته إمرأته وتركته وحيداً ، أو صبت عليه جام غضبها في كل لحظة أو مناسبة . السعادة ليست في المال أو في الجمال . إنها وليدة الحب والإخلاص .
الحذر عند الانتقاد :
إن ما يضعف العلاقات بين الزوجين ويعرضها للتفكك هو الانتقاد المرّ وتحطيم روح الثقة في قلب الزوجة أو الزوج . فعندما يتعرض الرجل للسخرية من سلوك زوجته أو موقفها تجاه بعض المسائل فإنه في الحقيقة يهدم أسس العلاقات بينهما بمعول خطر .
الانتقاد في حقيقته عمل إيجابي إذا توفرت فيه المقومات الصحيحة التي تعني تقويم الشخصية واكتشاف مواطن الضعف ووضع الإصبع على العيب ؛ على أن ذلك كله يجب أن يتم في ظروف مناسبة تفعل فعلها الايجابي . أما أن يتحول الانتقاد إلى أسلوب مرير في السخرية من الآخر فإنه سيكون بمثابة المعول الهدام الذي يأتي على القواعد برمتها ، فينهار السقف من فوقها .
الابتعاد عن الاستفزاز :
الاستفزاز هو الآخر ينسف العلاقات الزوجية ، فقد يخطىء أحدهما ـ مثلاً ـ في سلوكه خارج المنزل فيضمر الآخر له ذلك حتى إذا عادا إلى البيت حاول أن يستفزّه من أجل الانتقام منه ، وذلك بالتدخل في شؤونه الخاصّة .
أو يخطئ الطفل فيحاول الأب معاقبته فتقف الأم حائلاً دون ذلك مما يفجّر غضب الرجل تجاهها ، أو يقوم الرجل بإهانة زوجته أمام الطفل فيتجرأ الطفل على أمه وعندها يتفجر غضب المرأة تجاه زوجها بسبب ذلك .
وفي كل الأحوال فإن علاج المشاكل والخلافات عن طريق الشجار والاستفزاز له عواقبه المؤسفة التي لا يمكن أن تكون حلاً بل تعقيداً للأوضاع .
اجتناب الإهانة :
الإهانة جرح عميق الأثر في النفس يصعب علاجه ؛ قد تكون متفوقاً على زوجتك في نواح عديدة ؛ قد تكون ثرياً مثلاً ، أو حاصلاً على شهادة علمية رفيعة ؛ ولكن كل ذلك لا يبرر ـ أبداً ـ استعلاءك على زوجتك وشريك حياتك .
إن إهانة زوجتك أو التدليل بفضلك عليها سوف يجعلها تشعر بالصغار والحقارة مما يترك آثاره السلبية في نفسها . وإذا أخذنا بنظر الاعتبار أن ذلك سوف يؤثر في تربية أطفالك ، عرفنا مدى فداحة ذلك الأسلوب اللاإنساني في التعامل معها .
لقد انتخبت زوجتك من قبل ، وكنت راضياً وسعيداً بها ، ولذا فليس من الأدب واللياقة أن تحاول تحقيرها أو إهانتها . وإذا كان هناك ما يدعو للخلاف معها فإنه توجب عليك حل المشكلة من الجذور ، ففي هذا سعادة لك ولأسرتك .
الابتعاد عن العنف :
الحياة الزوجية تحتاج إلى السلام لكي تتوثق العلاقات وتتجذر المحبة في القلوب . فالتعامل الإنساني والسلوك الأخلاقي كفيل بصنع أسرة ناجحة وسعيدة .
إن ما يدعو للأسف أن يجعل بعض الرجال وبعض النساء بيوتهم حلبة للصراع والملاكمة والشجار ، الذي يعرض حرمة الزواج وقداسته للخطر .
الحياة الزوجية حياة دافئة . . حياة ينبغي أن تنهض على أساس الحب والمودّة والإخلاص . أما العداوة والبغضاء والشجار والضرب فأمور تتناقض مع الحياة الزوجية وقدسيتها ، بل إنها تمسخ الإنسان وتحوله إلى مجرد حيوان مفترس لا همّ له سوى الانقضاض على ضحاياه والإجهاز عليها .
العامل الاقتصادي :
ليس هناك من لا يدرك مرارة الفقر ودوره الهدّام في الحياة ؛ على أن ذلك لا يمكن أن يكون مبرراً لتفجر النزاع في الحياة الأسرية وتفككها . وليس من الإنسانية أن تتخلى المرأة عن زوجها بسبب فقره وضيق ذات يده ، إلا إذا كان إنساناً يميل إلى الكسل ويمقت النشاط والعمل في ميدان الحياة .
الفقر ليس عاراً أبداً كما أنه ليس قدراً محتوماً ، ولذا ينبغي على المرء أن يكون متفائلاً في حياته ، يتطلع إلى المستقبل بشوق وحب وأمل . وينبغي على المرأة أن توقد في قلب زوجها شعلة الأمل ، فتدفعه صوب العمل من أجل حياة أفضل . وعلى الرجل أن يمحو من ذهن زوجته ضباب اليأس لتشرق شمس الأمل في نفسها وتغمرها بنور المستقبل الزاهر في غد مشرق سعيد .
الفصل الرابع
الأبناء :
تحتاج الحياة المشتركة إلى عامل قوي يمدّها بالديمومة والاستمرار ، فلو أراد شخصان السفر معاً مدة أسبوع واحد فإنهما يحتاجان إلى أساس مشترك يجذبهما للسفر سوية وتحمل أحدهما الآخر .
أما الحياة الزوجية ، ولأنها رحلة العمر كما يقولون فإنها تحتاج إلى عوامل جذب قوية تدفع الطرفين للحياة معاً والسفر سوية في طريق الحياة . وعوامل الجذب هذه عديدة ، منها : الأبناء ، فهم ثمرة الحياة الزوجية التي تشدّ من روابط الزوجين وتعزز من أواصرهما المشتركة .
أهداف الزواج :
لقد أشرنا في بحوث سابقة إلى أهداف المتعددة وهي : التكامل الإنساني ، الشعور بالطمأنينة ، والاستقرار ، إشباع الجانب الجنسي ، . . . واستمرار النوع البشري .
الطفل يجلب معه الإحساس بالفرح ويشيع في البيت البهجة والسعادة ؛ فيشعر الأب بالغبطة وهو يرى فلذة كبده يحبو على الأرض ، في حين تشعر الأم بأنها قد وجدت متنفساً لها من ذلك المخزون العاطفي المتفجر فتغمر وليدها بذلك الفيض الإلهي من الحنان .
الأبناء هم الإمتداد الطبيعي للآباء وهم إحدى حلقات الشعور بالكمال لدى البشر .
الطفل والسعادة الزوجية :
الطفل ثمرة الزواج والحب ، والبيت الذي يخلو من الأطفال بيت خاوٍ ، خال من السعادة ، فالأطفال هم مصدر الفرح الإنساني ، وبهم يصبح الرجل أباّ رحيماً والمرأة أمّاً رؤوفاً .
إن وجود الأطفال يعزز من العلاقات الزوجية ويزيدها متانة وقوة ، ومن هنا يعتبر الطفل نعمة من الله تبارك وتعالى . وبوجود الطفل يشعر الزوجان بأنهما قد حقّقا واحداً من أهل الأهداف في حياتهما المشتركة ، وأنهما وضعا حجر الأساس في بناء المستقبل المشترك .
مستقبل الطفل :
تظهر علامات الحمل على المرأة ويبدأ معها التخطيط لمستقبل الطفل ، ويبدأ الرجل يعد الأيام والليالي انتظاراً لتلك اللحظة السعيدة التي يصبح فيها أباً ، وتعدّ المرأة اللحظات والدقائق وهي تنتظر اليوم السعيد الذي يصل فيه الضيف العزيز .
وتبدأ الأحاديث الجميلة بين الزوجين حول شكل الطفل وهل هو صبي أم بنت . . ويولد الطفل وتبدأ معه هموم تربيته كمسؤولية تضاف إلى الزوجين اللذين أصبحا والدين لهما ما يشغلهما من العمل والتفكير بمستقبل أبنائهما .
الطفل يراقب :
إن وجود الطفل سوف يفرض نفسه على سلوك الزوجين تجاه بعضهما البعض ؛ فالرجل سوف يأخذ جميع احتياطاته أثناء الحديث وسوف يبتعد ما أمكنه من استخدام الكلمات النابية ، والحديث الذي من شانه استفزاز امرأته . وفي المقابل ستكون المرأة أكثر تيقّظاً في مواقفها تجاه زوجها وتعاملها معه ، وسيكون الزوجان حريصين على توفير جو هادئ مفعم بالدفء والحنان لينعم طفلهما بالسعادة .
الطفل عبء جديد :
يتصور البعض بأن الأطفال مجرد أعباء جديدة تضاف إلى أعبائهم ، ولذا يصمم بعض الأزواج على عدم الإنجاب مدة من الزمن للاستمتاع بالحياة أكثر فأكثر .
وإذا كان البعض يفكر بأن الأطفال سوف يكونون عوامل لتعكير سير الحياة الزوجية فإنهم غافلون عن أن وصول الطفل سيقضي على اضطراب الأسرة وسيكون عاملاً مهما في تثبيت دعائم الاستقرار والمحبة بين الزوجين ويشد من أواصرهما المشتركة .
وفي رأينا أن من الضروري أن يفكر الزوجان بتربية الأطفال في الأيام الأولى لزواجهما ، فهذه المسألة ، وإضافة إلى كونها واجباً إنسانياً وشرعياً ، لها دور كبير في تحكيم الروابط الزوجية ، ولعل تلك الأوقات التي يقضيها الوالدان مع أطفالهما هي من أسعد الأوقات في عمرها .
وفي الختام :
وفي نهاية هذا الفصل ينبغي أن نشير إلى نقطتين مهمتين :
الأولى : إن الإنجاب هو الذي يرفع من شأن الزوجين ويجعلهما في مصاف الوالدين ، وهو أمر له شأنه الكبير من الناحية الدينية إضافة إلى أن الطفل يمنح الإحساس بالاكتفاء والمسؤولية وهما أمران في غاية الأهميّة .
الثانية : في حالة اندلاع النزاع بين الزوجين لا يشعر الزوجان أبداً بأنهما قد وصلا إلى نقطة النهاية ، فالأطفال روابط قوية مشتركة لها دورها في تحكيم العلاقات بين الزوجين ، كأسرة متماسكة .
النزاع حالة طبيعية في الحياة الأسرية قد يكون لها جانبها الإيجابي في اكتشاف الزوجين نقاط القوة والضعف في حياتهما المشتركة ، ومن ثم تغيير بعض مواقفهما ، وبداية عهد جديد من الحياة الزوجية القائمة القائمة على أسس صلبة . وفي كل هذه الأحوال ينبغي أن نراقب
الله سبحانه في كل أعمالنا ومواقفنا ، فهو وحده ملاذنا وسندنا في هذه الحياة ، وهو وحده الذي يدافع عنا إذا آمنّا به ذلك : ( إن الله يدافع عن الذين آمنوا ) .
والسلام .
Originally posted 2019-08-28 13:49:36.